خبر قبل عام ونصف..الموت يستبق والـدة الأسير مرداوي قبل لقائهـا ابنها

الساعة 05:45 ص|23 أغسطس 2012

جنين

كانت الأمنية الأخيرة لوالدة الأسير محمد مرداوي، من بلدة عرابة جنوب غرب جنين بالضفة المحتلة، أن تضم ابنها الأسير إلى صدرها للمرة الأخيرة في حياتها، قبل أن يتوفاها الأجل، بعد صراع مرير مع المرض دام لأكثر من أربع سنوات، وهي أمنية لم تتحقق.

ويقول أحمد مرداوي، وهو الشقيق الأصغر للأسير مرداوي "32 عاما"، والذي دخل في الأسر عامه الرابع عشر: إن لسان والدته كان يلهج على مدار الساعة، بذكر شقيقه محمد، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، وهي تبكي حزنا على فراق ابنها الأسير، وكأن قلبها يحترق شوقا له ولوعة على تغييبه خلف القضبان في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

إلا أن قضاء الله وقدره، كما يقول أحمد، قد حان، وتوفيت والدته دون أن يتحقق حلمها باحتضان ابنها وقد تحرر من الأسر.

وأضاف أحمد: إن شقيقه اعتقل في السابع عشر من آب عام 1999، في كمين نصبته قوات الاحتلال بالقرب من بلدة يعبد، ولم يكن يتجاوز من العمر 19عاما، وخضع لتحقيق قاس في أقبية التحقيق، وأصدرت عليه محاكم الاحتلال حكما بالسجن الفعلي لمدة 28 عاما أمضى منها 13 عاما، بتهمة المشاركة في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، والانتماء لحركة الجهاد الإسلامي.

وبحسب الشقيق الأصغر، فإن الشعور القاتل الذي ما زال يلازم شقيقه الأسير، منذ نحو عام ونصف العام، حزنه الشديد على رحيل والدته التي صارعت المرض لنحو أربع سنوات أمضتها عاجزة عن الوقوف جراء إصابتها برجليها ويديها، وحرمت خلالها من زيارة ابنها الذي لا زال يحتفظ في ذاكرته بكل صغيرة وكبيرة من تفاصيل اللقاء الذي جمعه بوالدته، قبل نحو أربع سنوات من وفاتها، وكان الأخير من نوعه.

وخلال ذلك اللقاء، أصرت الأم على التقاط الصورة الأخيرة مع ابنها الأسير، وكأنها كانت على عجلة من أمرها، وأنها تريد أن تسبق ملك الموت الذي كان يلاحقها، حتى وافقت إدارة السجن على السماح لها بدخول غرفة الزيارة، واحتضان ابنها الذي كانت تشاهده من خلف ألواح الزجاج المقوى، لتلتقط معه صورة فوتوغرافية وهي تقبله وتضمه إلى صدرها كما ولو كان طفلا، في مشهد أبكى كل من كان داخل غرفة الزيارة.

ويقول أحمد، إن والدته كانت تعيش على أمل إطلاق سراح ابنها، خلال واحدة من صفقات تبادل الأسرى، وهي تقول في داخل نفسها: إنها لن ترى محمد محررا من الأسر، وستنتظره في قبرها حتى يقرأ سورة الفاتحة على روحها، بعد تحرره.

بدوره، قال والد الأسير مرداوي: إن إدارة السجن عاقبت ابنه بالعزل الانفرادي لعدة مرات، شأنه في ذلك شأنه المئات من الأسرى ممن يخضعون لعقوبات جماعية ليس لها من يبررها.

وأشار الأب إلى الإجراءات المهينة التي يتعرض لها أهالي الأسرى، عندما يتوجهون لزيارة أبنائهم، حيث تجبرهم سلطات الاحتلال، على الانتظار لوقت طويل على معبر "الجلمة" الحدودي شمالي جنين، وهناك يخضعون لإجراءات تفتيش مهينة، قبل أن يتم السماح لهم بالانطلاق من جديد نحو السجن للزيارة، في رحلة شاقة تنتهي في وقت متأخر.

وعند دخول السجن لغرض الزيارة، قال الأب: إن الأهالي يواجهون إجراءات غاية في التعقيد، تبدأ بالانتظار الطويل تحت أشعة الشمس الحارقة خلال الصيف، والبرد الشديد خلال الشتاء، ومن ثم يتم إخضاعهم لإجراءات تفتيش مهينة.

وناشد الأب المؤسسات الحقوقية والإنسانية كافة، تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها في وضع حد لمعاناة الأسرى ممن لا زالوا يتعرضون لهجمة شرسة من قبل إدارات السجون والتي تنصلت من معظم التفاهمات التي تم التوصل إليها، في أعقاب الإضراب الأخير عن الطعام، والذي خاضه الأسرى.

ونقل مرداوي عن ابنه الأسير قوله: إن حياة الأسرى أصبحت مجرد عقوبات وغرامات باهظة تفرضها عليهم إدارات سجون الاحتلال، منذ تنفيذ صفقة "شاليت"، لدرجة لم يتبق فيها سوى أن تعاقبهم إدارة السجن على الهواء الذي يتنفسوه، في محاولة منها لتحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق.

وأفاد الأب بأن زيارة ابنه الأسير أصبحت تقتصر عليه بعد وفاة زوجته، دون باقي أبنائه ممن تحرمهم سلطات الاحتلال من زيارة شقيقهم، بذريعة "المنع الأمني"، وفي حال وفاته، لن يتمكن أحد من أبنائه أو أقاربه من زيارة أبنه الأسير الذي يصنف الرابع من عائلته المكونة من 11شخصا.

وناشدت عائلة مرداوي، جماهير الشعب الفلسطيني، تكثيف فعاليات الدعم والمساندة للأسرى، وعدم تركهم وحيدين في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرضون لها من قبل إدارات سجون الاحتلال.