خبر لقاء سعودي– إيراني..مصلحة لحظية قبيل التصعيد- نظرة عليا

الساعة 07:57 ص|22 أغسطس 2012

 

بقلم: يوئيل جوجانسكي

التقى الاسبوع الماضي ملك السعودية ورئيس ايران في الاجتماع الطاريء لمنظمة المؤتمر الاسلامي في مكة، والذي قرر تعليق نشاط سوريا في المنظمة. وللقرار أساسا معنى رمزي ولكن دعوة الرئيس الايراني الى المؤتمر على أرض السعودية مفاجئة، كما هي مفاجئة تلبيته للدعوة في هذا التوقيت. أحمدي نجاد، الذي وصل على رأس وفد من كبار المسؤولين، وإن كان زار السعودية (كانون الاول 2005 واذار 2007) ولكن في ضوء الاحداث في سوريا واشتداد التوتر بين ايران والسعودية فان زيارته هي زيارة ذات وزن كبير. فالمتنافسان الايديولوجيان والجغرافيا – الاستراتيجيان المركزيان في الشرق الاوسط يبدوان، وإن كان لاغراض "تكتيكية"، كمن يحاولان جسر الخلافات والحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة.

قبل سنة خرج عبدالله لاول مرة علنا ضد الاسد. التصريح الاستثنائي في حدته للملك السعودي، الذي طالب "بوقف آلة القتل"، كان دليلا آخر على وقوف السعودية، بعد أن فعلت ذلك البحرين أيضا، ضد الجبهة الراديكالية برئاسة ايران. السعودية – التي تساعد المعارضة المقاتلة في سوريا – تسعى لان ترى سقوط الاسد وإن كان لحقيقة أن بذلك ستفقد ايران حليفها المركزي، تتضعضع المنظومة الراديكالية وتسنح للسعودية الفرصة لقيادة معسكر سني كبير وأكثر تبلورا مما مضى. وذلك، اذا ما استولى السُنة بالفعل على الحكم في سوريا. ويمكن لاستضافة السعودية للعديد من الفارين من صفوف النظام في دمشق، بمن فيهم ايضا الجنرال مناف طلاس، أن يشهد على الاتجاه الذي تسير فيه المملكة في هذا السياق.

قبل القمة أعلن الرئيس الايراني بانها تشكل فرصة لحل الخلافات من خلال الجسر والسياسة وليس من خلال القوة العسكرية. فهل الطرفان يفهمان بان الوضع في سوريا قريب من نقطة الحسم ويسعيان الى محاولة الوصول الى صيغة متفق عليها بالنسبة لطبيعة الحكم المستقبلي في سوريا؟ ليس واضحا. مهما يكن من أمر، فان اللقاء يشير الى رغبتهما في تخفيف حدة التوتر بينهما والذي تصاعد في ضوء الاحداث في سوريا، والتي تتميز بقدر كبير بالصراع الطائفي. عبدالله من جهته قال ان هدف قمة الطواريء هو المساعدة في "توحيد الصفوف" في العالم الاسلامي وحل النزاعات في المنطقة، واولا وقبل كل شيء في سوريا، ولكن ليس فقط فيها.

توجد الدولتين على جانبي المتراس في المواجهة الجارية في سوريا ولكن أيضا في ما يجري في العراق، لبنان، اليمن، البحرين بل وفي شمال شرقي السعودية، حيث يتعاظم العنف في أوساط الاقلية الشيعية في المملكة. يحتمل أن يكون السعوديون، القلقون من تعاظم احتجاج الشيعة في شمال شرقي المملكة يأملون في أن يكون ممكنا من خلال الحوار مع ايران كبح جماح شدته، الامر الذي سيساعدهم في الحفاظ على هدوء نسبي في أوساط الاقلية الشيعية في نطاقهم.

لقد منحت أحداث الربيع العربي "ريح اسناد" للشيعة وبالفعل كانت المحافظة الشرقية – حيث تتركز في معظمها ان لم يكن فيها كلها الاقلية الشيعية في المملكة – تغلي في السنة والنصف الاخيرتين. وذلك، رغم محاولات الاسرة المالكة، من خلال استخدام القوة ولكن أيضا من خلال الاغراءات الاقتصادية، لتهدئة المنطقة. جنازات قتلى المظاهرات تحولت الى استعراض للقوة لم يشهد له مثيل في المحافظة منذ الثورة الاسلامية. ومع أن الأحداث هي على نطاق ضيق بالنسبة لما يجري في سوريا الا أنها ذات مغزى بالمقياس السعودي. فقد بقي الشيعة مشكلة أمنية للسعودية ليس فقط بسبب قربهم الجغرافي والفكري من ايران، بل وأيضا، وربما أساسا، في ضوء وجودهم على مقربة من مخزونات النفط الكبرى في العالم. وجاء هياجهم، في النظرة السعودية، ليجسد ضمن أمور اخرى ماذا سيكون الثمن لضرب المصالح الايرانية في الخليج أو بعيدا عن هناك – في سوريا.

رغم أن السعودية وايران توجدان في صراع جبابرة في محاولة لتصميم ميزان القوى في الشرق الاوسط، الا ان كلتيهما تسعيان الى الابقاء على صراعهما في المستوى السري وتفعلان ذلك أساسا من خلال "القوة الرقيقة" – ضمن امور اخرى من خلال التحريض المتبادل والحرب النفسية من خلال شبكات الراديو والتلفزيون ولكن ايضا من خلال تمويل المعارضين في الداخل والفروع المكلفة. مثلا، اذا كان لايران تأثير معين في اوساط الشيعة في المملكة، فللسعودية – علاقات مع البالوشيين والاقلية العربية في حوزستان. ولكن كل هذا، في ظل الابقاء على القنوات الاقتصادية والدبلوماسية مفتوحة، مثلما تثبت زيارة أحمدي نجاد.

في ضوء الخصومة العميقة بين الدولتين، من الصعب أن نرى كيف ستولد الزيارة توافقات ذات مغزى. ولكن يمكن أن نتعرف منها على أنهما تحاولان إدارة هذه الخصومة ويحتمل ان تكونا تقومان باعداد لليوم التالي للاسد. فقد علم أن طهران تحاول الدفع الى الامام بوقف للنار مؤقت، لفهمها بان الظروف على الارض ليست في صالحها. وبالتوازي مع الجهد الدبلوماسي المكثف الذي توجد في ذروته ايران (التي تستضيف في نهاية الشهر ايضا مؤتمر قمة دول عدم الانحياز)، الذي يستهدف منذ سقوط الاسد أو على الاقل أن تبقي لنفسها تأثيرا "في اليوم التالي" لسقوطه، تحاول ايران ايضا تحسين علاقاتها المتوترة مع السعودية من خلال الابقاء على قنوات الحوار مفتوحة. لقد وصلت ايران الى المؤتمر ويدها هي السفلى – الخطاب بشأن الهجوم على المنشآ النووية يرتفع درجة، النفط السعودي يغرق الاسواق بينما تجد ايران صعوبة في ايجاد من يشتري نفطها واقتصادها يوجد في ازمة. اضافة الى ذلك، فان الاسد، حليفها المركزي في المنطقة يترنح ويخيل ان تأييد الصين وروسيا لم يعد متينا كما كان في الماضي. على ايران أن تفترض، اضافة الى ذلك، فان القدرات العسكرية للمعارضة ستزداد بالتدريج، ضمن امور اخرى بفضل المساعدة التي تقدمها لها دول الخليج. اذا كانت هذه التقديرات صحيحة، فان كل يوم يمر يقرب نهاية النظام.

كل محاولة للتأثير على اليوم التالي لسقوط الاسد تحتاج الى تعاون سعودي وايران تفهم ذلك. ودليل على أن ايران تجري اعدادات لليوم التالي لسقوط الاسد، هو حقيقة أنها تسعى الى عقد علاقات مع محافل المعارضة السورية وبذلك تحاول التأثير على تركيبة النظام المستقبلي. كما أن لزيارة الرئيس الايراني ايضا دوافع فورية و "تكتيكية" أكثر – محاولة الوقف وان كان قليلا الانجراف ضد سوريا في العالم العربي والاسلامي وكذا الاجتهاد لدى عبدالله ايضا، مثلما فعلت ايران قبل ذلك مع قطر وتركيا، بان يعمل من أجل تحرير الايرانيين الذين القي القبض عليهم في سوريا. السعودية ايضا تحتاج لايران، فلها تأثير لا بأس به في سوريا، وان كانت تسعى الى اقامة نظام ودي لها. ايران قادرة على أن تجعل صعبا جدا كل جهد لاقامة حكومة بديلة في دمشق، فتطيل الحرب الاهلية وتجعل استقرار الدولة صعبا.

سواء السعودية أم ايران غير راضيتين عن موقف الاسرة الدولية بشكل عام والغربية بشكل خاص وذلك لاعتبارات متضاربة. فبينما السعودية تريد أن ترى مزيدا من التدخل الخارجي، فان ايران لا تريد أن ترى اي تدخل خارجي. وفي خلفية الزيارة، على ما يبدو، فهم ايران بانها مسألة وقت الى أن يسقط الاسد. وتسعى السعودية الى الامتناع عن توسيع المواجهة، التي للدولتين فيها الكثير مما تخسره. وبالتالي فها هنا لقاء مصالح.

النهج المتصالح الذي عرضه الملك عبدالله تجاه الرئيس الايراني في اثناء الاجتماع (في فعل رمزي أجلسه الى جانبه في الاستقبال) يرمي، أغلب الظن، الى المساعدة في تحقيق توافق في موضوع سوريا. ولكن احتمالات ايجاد صيغة ترضي الطرفين ليست عالية وذلك لانه بالنسبة للدولتين الاحداث في سوريا هي بقدر كبير مثابة "لعبة منتهاها الصفر" – الحرب الاهلية وصلت الى مرحلة بحيث يصعب على الطرفين فيها التراجع عن المواقف التي طرحاها والالتزامات المتضاربة التي قدماها للطرفين.

من غير المستبعد أن تكون الدولتان تعملا ضمن الفرضية بان نظام الاسد سينهار. يمكن التقدير بان لكليهما مصلحة أساس في استغلال فشل صيغة عنان (التي لم يشاركا فيها) والتعب المتبادل لقوات الثورة وقوات النظام، لمحاولة الحفاظ على انجازاتهما النسبية ومنع المخاطر. سقوط الاسد من شأنه أن يستغرق فترة زمنية اخرى لا بأس بها. اذا كانت هذه هي الرؤية في الرياض وفي طهران فان الصعوبة في احداث حسم عسكري تقربهما من محاولة ايجاد حل دبلوماسي اقليمي للازمة التي من شأن احتدامها أن يجبي من الدولتين ثمنا باهظا.