خبر كل رجال مرسي .. يديعوت

الساعة 12:03 م|17 أغسطس 2012

بقلم: سمدار بيري

        (المضمون: بعد ان نجح محمد مرسي في القضاء على المجلس العسكري الأعلى أخذ ينشيء حوله خلية من المختصين ذوي الخبرة من رجال القانون يساعدونه على الحكم - المصدر).

        جلس على الأريكة المخملية في القصر في القاهرة في مساء الثلاثاء الجنرالان محمد حسين طنطاوي وسامي عنان قبالة الرئيس محمد مرسي. كانت ملابسهما العسكرية أنيقة وتلقيا بيديهما المرتجفتين وسامي تكريم ورسالة تقدير رئاسية لخدمتهما المخلصة للوطن. ولم يكف مرسي عن الابتسام لعدسات التصوير لكن وزير الدفاع التارك الطنطاوي ورئيس الاركان المنحى عنان لم يُجهدا أنفسهما في اخفاء تجهمهما، وكانت سحنتاهما تقولان كل شيء.

        قبل ان يقع على الطنطاوي وعنان نذير عزلهما كالبرق أُحيط بيتاهما بحلقات خفية من الحراسة. وكان بث مراسم توزيع وسامي التكريم في التلفاز المصري يرمي من جملة ما يرمي اليه الى تكذيب أمواج اشاعات تقول ان الاثنين اعتُقلا اعتقالا اداريا وعُرفا بأنهما ممنوعان من الخروج من مصر. حظي الطنطاوي بـ "وسام النيل" – وهو أعلى ما يمكن الحصول عليه – بعد 57 سنة خدمة في اجهزة الامن. واضطر عنان الى الاكتفاء بـ "وسام مصر". وأُعلن أنهما "مستشاران للرئيس": وهي صفة لا معنى لها وليست لها صلاحية ترمي الى تحصينهما من المحاكمة بتهمة أنهما كانا مشاركين في قتل المتظاهرين في الميادين. ان قواعد اللعب واضحة شفافة وهي أنهما اذا حاولا الكلام فان فريق خبراء القانون في القصر الرئاسي سيهتم بتقديم دعوى قضائية فيهما.

        حدثت زلة لسان من متحدث الرئيس مرسي الملازم له الدكتور ياسر علي في منتصف الاسبوع. "لم نُبلغ الامريكيين سلفا ولم ننسق معهم اقالة وزير الدفاع الطنطاوي ورئيس هيئة الاركان سامي عنان"، أنكر علي جمجمة الشعور بالحرج في واشنطن، وكأن وزير الدفاع ليون بانيتا تلقى اشارات الى الزلزال الامني المقترب حينما كان يُجالس مرسي في القاهرة قبل ذلك باسبوعين. لكن المتحدث النشيط زل لسانه: فمن تحدث عن الاقالة أصلا؟ ألم يعلن مرسي انه "يُحيل الى التقاعد" الطنطاوي ابن السابعة والسبعين وعنان ابن الرابعة والستين اللذين تجاوزا منذ زمن سن التقاعد الرسمية في الدولة وهي الستون.

        وهكذا نجح مرسي في محو المجلس العسكري بحيلة ذكية ومحكمة وخفية. فلم يعد موجودا ولهذا لن يهدد بارسال الرئيس الى بيته. لن يكون مرسي بطة عرجاء كما حلم قادة المجلس الأعلى، واستعد من وراء ظهورهم ليركز في يديه أكثر الصلاحيات والقوة. فلم تعد مصر دولة يُدبرها رأسان – الرئاسة مقابل مجلس عسكري – أو لم يعد ذلك موجودا في الاشهر الثلاثة القريبة على الأقل الى ان يُصاغ الدستور ويُنتخب مجلس الشعب الجديد في القاهرة. "تخلصنا من الخردة"، يُبين رجل الاعمال المصري هشام عبد الله ويقصد رؤساء المجلس العسكري. ويصف في إسهاب كيف دخل مرسي ومستشاروه الى الجهاز العسكري من وراء ظهر الطنطاوي وعنان حينما جندوا في السر وزير الدفاع الجديد عبد الفتاح السيسي ورئيس الاركان الداخل محمد صبحي ووعدوا جنرالين آخرين بمناصب رئيسة. "وتم الحوار كله بواسطة رُسل مرسي وخبراء قانون من غير ان يلاحظ أي قائد أو يشك في أنه يُطبخ شيء كبير"، يضيف عبد الله. ولن يقدم السيسي وزير الدفاع الجديد بعد الآن تقارير الى الطنطاوي بل الى الرئيس مرسي مباشرة، وهو الذي أعلن قائلا: "أنا قائد العملية في سيناء وأنا الموجه وأنا من أُلقي الاوامر العسكرية".

        الاخوان الذين ليسوا في "الاخوان"

        يحيط الرئيس مرسي نفسه بمختصين يعتمد عليهم، وكذلك ايضا بطلاه الجديدان، يده اليمنى واليسرى: الأخوان من عائلة مكي، فقد عُين الدكتور محمود مكي (65) نائبا للرئيس هذا الاسبوع وعُين أخوه الدكتور احمد مكي وزيرا جديدا للعدل قبله باسبوعين. والأخوان مكي بخلاف مجموعة أصحاب اللحى الذين يدخلون القصر في مصر الجديدة ويخرجون منه، لا ينتميان الى حركة الاخوان المسلمين، لكنهما يُجريان معها حوارا متصلا منذ أكثر من عشرين سنة.

        سيكون الأخوان الخبيران بالقانون مكي الوزير ومكي نائب الرئيس هما اللذان يمهدان الطريق القانوني لمرسي – بقصد اعداد الدستور الجديد في مصر بعد الثورة. وسيبت الدستور هل تُملي حركة الاخوان المسلمين على 90 مليون مواطن مصري برنامج عمل اسلاميا، وماذا يُفعل بمنظمات النساء التي تطلب تساويا في الحقوق ومكانة، اذا كان القصر والحكومة ومجلس الشعب ستُدار من وراء نُقب وتكبير "الله أكبر" يطرد السياح والمستثمرين الاجانب، وكيف ينوي مرسي ان يهرب من الضغوط التي يستعملها عليه رفاقه وشركاؤه في حركة الاخوان الذين يتحدثون أمام عدسات التصوير وكأنهم رؤساء مُصغرون لمصر – ويطلقون في الجو تخويفات وتهديدات.

        ان السيرة الذاتية لمحمود مكي مدهشة. فقد بدأ في جهاز "الامن العام" الذي يوازي "الشباك" عندنا. وأنهى الدراسة في معهد الشرطة ورُفعت رتبه واستقر رأيه على الاستقالة لدراسة القانون في جامعة القاهرة. وعمل باعتباره قانونيا في مكاتب المدعي العام ورُفع الى درجة قاضٍ ونائب لرئيس محكمة النقض، وبدأ يناضل في الآن نفسه سلطة مبارك المستبدة. وقد بذل محمود مكي معظم جهوده في محاولة افشال تدخل مبارك في قرارات حكم سياسية مضادة للاخوان المسلمين.

        نجح في 2005 مع أخيه احمد – وهو ايضا خبير قانون رفيع المستوى – ومع المرشح للرئاسة هشام بسطويسي في التضييق على قيادة السلطة. فقد كشف مكي عن سبع حالات زور فيها قضاة كبار نتائج انتخابات مجلس الشعب وهكذا تعاونوا مع القصر الرئاسي. وبدل 20 في المائة من مقاعد مجلس الشعب فازت بها حركة الاخوان المسلمين، اهتم القضاة بتغييب الحركة وهكذا حصل الاخوان المسلمون على صفر من الاصوات وصفر من الحضور.

        نظم الأخوان مكي مظاهرة احتجاج لقضاة غير مجندين وخرجوا في عباءاتهم السوداء للتظاهر أمام "دار القضاء" ودفعوا عن ذلك ثمنا باهظا: فقد سُجن محمود مكي وحُقق معه لكنه لم يحاكم. وأعلن حينما أُفرج عنه بأنه سيخرج في عطلة الى الكويت وعاد بعد ان نُحي مبارك عن القصر فقط. واجتهد أخوه احمد ايضا في الابتعاد عن مصر فترات طويلة. "كان ذلك خطأ شديدا من مبارك"، يُبين عالم الاجتماع المصري البروفيسور سعد الدين ابراهيم.

        حذرنا مبارك من ان القضاة المحترمين حقا لا يمكن شراؤهم ومن أنهم لن يسمحوا لأنفسهم بالمشاركة في لعبة ترمي الى تأبيد الدكتاتورية.

        تلقى مكي الكبير حين عودته اقتراحين مغريين، أن يُعين حاكما لمدينة الاسكندرية ويعمل على تهدئة المتظاهرين أو ان ينافس في منصب رئيس مصر. لكنه رفضهما معا وقام في موقف انتظار. وحينما عاد الى عمله قاضيا شارك في مراسم أداء الرئيس مرسي اليمين الرئاسية.

        أخلوا مكانا خاصا في الخلية المحيطة بمرسي لخبراء القانون. فالمتحدث – القانوني ياسر علي يهدد بدعاوى قضائية على كل من يحاول ان يتحدث بدل الرئيس. وحذر الساسة الجدد من الاخوان المسلمين الذين يدعون القرب من الرئيس قائلا "أنا فقط مخول ان أنشر تصريحات عن القصر"، وهدد وسائل الاعلام "التي تدبر ضدنا حفلات هوجاء لأنباء منشورة كاذبة". ودُفع ياسر علي الى حرج دبلوماسي حينما أسرع جدا في إنكار الرسالة التي أرسلها مرسي الى الرئيس شمعون بيرس في مطلع الشهر.

        بفضل نصيحة خبراء القانون الكبار الذين يحيطون بمرسي، سمح الرئيس لنفسه بأن يستخف بمحكمة شؤون الدولة التي منعت مجلس الشعب من الانعقاد، وأراد مرسي بعد انتخابه ان يتحدى الجنرالات وان يعقد مجلس الشعب برغم الحظر، وبرغم انه تم اجتماع واحد فقط استمر سبع دقائق فقط، أكدت استهانة مرسي بالجنرالات عزمه على تحديهم.

        عين مرسي الحكومة الجديدة ايضا بحيلة سياسية محكمة وبدأ ذلك بالتعيين المفاجيء لمقربه الشاب ذي اللحية المجهول تقريبا هشام قنديل لمنصب رئيس الوزراء، واستمر الى تنويم محنك للخصم الطنطاوي. أوفى مرسي بالتزامه وعينه من جديد لمنصب وزير الدفاع، لكن الطنطاوي المطمئن لم يستطع تسخين مقعده أكثر من اسبوعين ورُكل الى البيت. وكسر الرئيس القواعد ايضا حينما أصر على ان ينظموا له ثلاثة مراسم تأدية اليمين الدستورية – بمساعدة القانونيين مرة اخرى – في جامعة القاهرة وأمام القضاة وفي ميدان التحرير. وقال مُقسما في ميدان التحرير: "أنا خادمكم، فلا تطيعوني اذا لم أفِ بوعودي".

        يتطلب نهج السلوك الجديد في فترة مرسي من المستشارين والمقربين منه الحفاظ على قدر منخفض من الظهور الاعلامي، ويحرص رجاله على التصرف في الغرف المغلقة وترك التصريحات والاعلانات للرئيس ولمتحدثه ياسر علي.

        هذه مثلا حال الجنرال محمد رأفت شحادة رئيس الاستخبارات الذي لن يتجرأ على فتح فم كبير كما فعل سلفه مراد موافي قبل عزله بلحظة. "تلقينا معلومات من الاسرائيليين عن خطط لعملية كبيرة في سيناء، مع أسماء تسعة مخربين"، وافق موافي على الاعتراف بذلك آنذاك، "لكنني ما كنت مستعدا لأن أومن بأن يقتل مسلم مسلما في شهر رمضان". ان شحادة ونائبه نادر الأعسر معروفان جيدا لزملائهما في اسرائيل: فصورتهما وهما يمسكان بذراع جلعاد شليط لحظة الافراج عنه يصعب نسيانها.

        وفي المقابل فان محمد جاد الله القديم الذي عُين مستشارا قانونيا رفيعا لمرسي أرسل هذا الاسبوع اشارات ثخينة قد تورط القصر في القاهرة مع الادارة في واشنطن، فقد أعلن جاد الله قائلا: "نحن نزن إحداث تعديل للملحق العسكري من اتفاق السلام مع اسرائيل". لكن تغييرا صغيرا ايضا كما يُبين خبراء القانون عندنا يستلزم موافقة اسرائيل والولايات المتحدة التي هي الضامنة لاتفاق السلام. وقد وافقت اسرائيل بالفعل على ادخال قوات مصرية الى سيناء على أثر العملية في العريش، لكن من ذا يضمن ان تترك هذه القوات سيناء؟ يتحدث المستشار القانوني جاد الله عن ثلاثة آلاف الى خمسة آلاف شرطي وجندي ويعِد مرسي "باعادة سيناء كلها الى سيادة مصر الكاملة". واشتكوا في اسرائيل هذا الاسبوع من ان "مرسي يتعدى من غير تنسيق معنا". ويُبين نائب رئيس الاركان السابق اللواء دان هرئيل قائلا: "يوجد تغيير تكتيكي جوهري ينشيء مصر مختلفة أمام أعيننا. ويجب علينا ان ننتبه وان نتابع".

        ان عملية القضاء على أوكار المخربين هي في بدايتها فقط. وتُحول قوات اخرى ومركبات عسكرية ومعدات الى سيناء. ويرى مرسي سيناء في طموحه الكبير جنة زاهرة للسياح. فهو يعِد بأن ينشيء هناك بنى تحتية جديدة وشبكة شوارع وصحة ورفاه وتربية للبدو وأن يُسكن في شبه الجزيرة مليوني شاب عاطل سيجدون عملا في نهاية الامر. وقد حصل على الميزانية وهي مليارا دولار "لاشفاء الاقتصاد" أودعهما أمير إمارة قطر الشيخ خليفة في بنك القاهرة الوطني في السبت الماضي.

        المنظر الطبيعي الذي يُرى من هناك

        في الحملة الانتخابية الرئاسية بث مرسي 64 وعداً بتحسين الحياة بين الطبقات المحتاجة في الأساس. وبعد ان انتُخب حدد له شباب الثورة العلمانيون "مقياس مرسي" وهو مقياس الوفاء بالالتزامات. وقد أعطوه في مئة يوم الحكم الاولى تخفيفا كبيرا وبدأوا يتابعون سلوكه في خمسة شؤون ساخنة هي: الأمن في الشوارع، والخبز المدعوم للمحتاجين، والنقل العام وحماية البيئة. "نجح مرسي حتى الآن في ان يحرك جمع القمامة من الشوارع فقط"، تشتكي المتصفحة عزيزة حلمي، "ويُظهر دلائل ايجابية على عزمه على اطعام الجياع".

        ان من يشير على مرسي في شؤون الاقتصاد هو مستشاره الاقتصادي الاول عبد الحافظ الصاوي من حزب الحرية والعدالة الاسلامي الذي أوصى بتوسيع المائدة الاقتصادية في الحكومة. ويعمل وزير المالية ووزير الموارد الاقتصادية ووزير النفط ووزير الاستثمارات ووزير التجارة الداخلية ووزير السياحة مع مستشارين ماليين ومستشارين قانونيين. فاذا لم ينجحوا في تحريك الاقتصاد الى الأمام فان الزلزال الامني لن يساعد مرسي على مواجهة المتظاهرين في الميادين.

        سجلت البورصة في الحقيقة هذا الاسبوع ارتفاعا يقرب من درجتين مئويتين، لكن السوق المالية مثل ساعات العمل في القطاع العام متعثرة في شهر رمضان. وهناك خبراء مستعدون لأن يُقسموا ان صاحب مليارات الهاي تيك ووسائل الاعلام الاسلامي خيرت الشاطر الذي أُلغي ترشيحه في آخر لحظة، يؤثر في وزراء المجلس الوزاري الاقتصادي المصغر، وهكذا يجري في جد في قصد الى ان يُجند مجموعة رجال الاعمال لتأييد الرئيس واستغلال علاقاتهم لتشجيع وحفز مبادرين عرب ومستثمرين اجانب.

طلب جمال مبارك هذا الاسبوع بصوت خافت ضعيف اخراج أبيه الرئيس المخلوع من سجن طرة وان يعالج في المستشفى العسكري من جديد. والذي يعرف حسابات مرسي ورجل سره القريب الشاطر ونائب الرئيس مكي مستعد ان يُقسم أنهم سيهتمون بمحو مبارك من الذاكرة الوطنية. حاسبه مرسي مرة واحدة فقط على أثر العملية في سيناء وموت الجنود المصريين الـ 16، فقد قال لجنود الجيش في حضور رؤساء القبائل البدو ان "سيناء أُهملت اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا سنين طويلة في فترة الحكم السابق"، وهو لا يذكر اسم مبارك عمدا.

        لا جدل في ان مرسي استعد للمنصب. فهو نشيط ومصمم وتعلم مثل الرؤساء الاربعة قبله ان يكون شكاكا. فهو من جهة لا يضيع فرصة للوعد بأنه سيحترم "جميع الاتفاقات الدولية" لكنه يسمينا "اليهود" لا "الاسرائيليين". ولا جدل ايضا في انه يرى من القصر صورة تختلف عن الصورة التي كان يراها في سني عمله السري الطويلة في حركة "الاخوان المسلمين"، وأنه قلق مثلنا من حركة حماس ومن التهديد الذري الايراني. ويحل ان نُقدر ان مرسي لن يقطع التنسيق الاستراتيجي والزيارات السرية للمبعوثين الاسرائيليين الى مقر المخابرات العام، لكن الرئيس ذا التصميم سيطلب ان تُقدم اليه التقارير مباشرة. فهو غير معني بأن تتكرر قضية رئيس الاستخبارات المنحى موافي.

        بعد التنظيف الكبير لقيادة الاجهزة، اهتم مرسي ومستشاروه بفتح خط مباشر وضمان الولاء. فهو يقول "أنا سأقود"، وما تزال أمامه التحديات الكبيرة وهي ان يركب أمواج الشعبية التي ارتفعت هذا الاسبوع من الميدان وان يقضي على مراكز المعارضين في الوسط العلماني وان يهديء نفوس الشباب العاطلين بخطة مئة اليوم "النهضة" – التي يُعدها المستشارون الاقتصاديون وبأن يبحث عن صيغ لانشاء ائتلاف. وليس مرسي معنيا بأن تصبح مصر دولة في داخل دولة – أو دولة شريعة اسلامية تشدد على مواطنيها وتجعلهم يهربون.