خبر هل ستعمل الولايات المتحدة على مجابهة ايران؟.. اسرائيل اليوم

الساعة 12:03 م|17 أغسطس 2012

بقلم: دوري غولد

(المضمون: لا تستطيع الولايات المتحدة برغم أنها تملك القدرة العسكرية على صد دول عن الحصول على القدرة الذرية ان تستعمل القدرة العسكرية في ذلك بسبب قيود مختلفة في الداخل ومن الخارج - المصدر).

في النقاش العام الداخلي في اسرائيل في مسألة التهديد الايراني فرض سائد يقول انه اذا بلغ التفاوض والعقوبات الى طريق مسدود لا اعتراض عليه فان الولايات المتحدة ستدمر المنشآت الذرية الايرانية، لكن هل هذا الفرض حقيقي؟ صحيح ان الرئيس اوباما أوضح في خطبته في مؤتمر "ايباك" في شهر آذار انه سيستعمل "جميع عناصر القوة الامريكية" لمنع ايران من امتلاك سلاح ذري. لكن اذا استثنينا حرب العراق في 2003 التي جاءت في أعقاب العمليات التفجيرية في الحادي عشر من ايلول، فان الادارات السابقة لم تُظهر استعدادا حقيقيا لتنفيذ تهديداتها باستعمال القوة العسكرية لوقف الانتشار الذري اذا فشل الطريق الدبلوماسي.

في مقالة نشرت في الثامن من آب في صحيفة "هآرتس"، يُحذر سالي مريدور الذي كان في الماضي سفير اسرائيل في الولايات المتحدة، من انه لا يجوز فيما يتعلق بالتهديد الايراني ايضا ان نصدر عن نقطة انطلاق ان تعمل واشنطن. وهو يذكر بحق حقيقة ان الولايات المتحدة نددت بالهجوم الاسرائيلي على المفاعل الذري في العراق في 1981 وأنها رفضت العمل على مجابهة البرنامج الذري السوري. وهو لا ينفي تماما امكانية عملية امريكية لكنه يشك في ذلك شكا كبيرا، ومن اسباب ذلك السوابق التاريخية التي تدل على ان الادارة الامريكية قد فضلت وقت الحسم ان تقبل حصول دولة عاصية على القدرة الذرية بأنه حقيقة على مواجهة عسكرية معها.

ان مواجهة كوريا الشمالية هي مثال بارز على حالة لم تستعمل فيها الولايات المتحدة خطوات لمواجهة دولة خطيرة كانت في الطريق الى تطوير سلاح ذري. في آذار 1994 منعت كوريا الشمالية مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفتيش المفاعل الذري في يونغ بيون. وأصبح يُرى في شهر حزيران ان كوريا الشمالية توشك ان تستعمل قضبان الوقود المستعملة من المفاعل الذري وتستخرج منها قنابل بلوتونيوم بدرجة عسكرية وبكمية تكفي لخمس قنابل أو ست.

كتب الرئيس كلينتون في مذكراته انه طلب الى وزير الدفاع بيل بيري ان يوجه صحفيين الى انه عازم على منع كوريا الشمالية من تطوير ترسانة سلاح ذري بل ان "يخاطر بحرب". وخططت وزارة الدفاع الامريكية لتدمير المفاعل الذري في يونغ بيون. وقال مسؤولون كبار امريكيون آنذاك كما يقولون اليوم ان "كل الخيارات موضوعة على المائدة"، لكنهم لم يفعلوا شيئا وراء ذلك بالفعل. وبدل ذلك تم البدء بتفاوض مع كوريا الشمالية أفضى الى التوقيع على "اطار متفق عليه" نقضه الكوريون الشماليون في غضون بضع سنين. وتبين فوق كل شك ان الضغط الامريكي لم يكن كافيا.

ظهر ضعف "الاطار المتفق عليه" في كانون الاول 2002 حينما أزال الكوريون الشماليون أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أوعية قضبان الوقود المستعملة وبدأوا يستخرجون منها البلوتونيوم. وامتنعت ادارة بوش عن استعمال خطوات حازمة. وفي المرحلة التالية طردت كوريا الشمالية مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعلنت في بداية 2003 أنها تترك ميثاق منع انتشار السلاح الذري، وبعد ذلك باربع سنين في تشرين الاول 2006 أجرى الكوريون الشماليون لاول مرة تجربة للقنبلة الذرية تحت الارض.

كانت نتيجة ذلك ان اتخذ مجلس الامن قرارا شديدا موجها على كوريا الشمالية، لكن الولايات المتحدة لم تستعمل أية وسيلة للقضاء على البنية التحتية الذرية لكوريا الشمالية. وبدأت مفاوضات متعددة الأطراف أفضت الى اتفاق آخر في 2007 كان يشبه "الاطار المتفق عليه" في 1994. وكان يبدو ان كوريا الشمالية لم تتأثر تأثرا خاصا برد الغرب على التجربة التي قامت بها. وفي أيار 2009، زمن ولاية الرئيس اوباما، أجرت كوريا الشمالية تجربة ذرية اخرى.

لماذا لم تستعمل الولايات المتحدة خطوات أكثر تشددا لمواجهة دول عاصية كانت قريبة من المرحلة الذرية؟ يوجد أولا الموضوع الاستخباري، فان قوة من القوى العظمى كالولايات المتحدة لا تملك دائما المعلومات الاستخبارية التي تكشف عن ان دولة مثل كوريا الشمالية مغلقة في وجه سائر العالم، توشك ان تنفذ تجربة ذرية. وتواجه منظمات الاستخبارات الامريكية مشكلة مشابهة ايضا مع دولة كايران.

قبل سنتين فقط اقتُبس من كلام روبرت غيتس الذي كان وزير الدفاع الامريكي في تلك الفترة والذي تكلم في الشأن الايراني فقال: "اذا كانت سياستهم التوصل الى المرحلة الذرية الاخيرة لكن من غير تركيب قنبلة ذرية فكيف نستطيع ان نعلم بأنهم لم يركبوها؟ لا أعرف كيف يمكن تصديق هذا الامر". ويملك غيتس الذي كان في الماضي ايضا رئيس وكالة الاستخبارات المركزية فهما جيدا لمحدودية الاستخبارات.

المشكلة التي يصفها غيتس تبين لماذا يصعب العمل على مواجهة دول تطور سلاحا ذريا في الوقت الذي لا يوجد فيه يقين من أنها تُتم المراحل الاخيرة قُبيل القنبلة الذرية. وقد أضاف نائب الرئيس السابق ديك تشيني في مذكراته انه يوجد بين الاستخبارات الامريكية منذ كانت الحرب في العراق خوف من تكرار أخطاء الماضي التي كان فيها اعتماد على معلومات مخطئة بصورة أثرت في اتخاذ القرارات. وبقي هذا الخوف حتى وهي تملك معلومات موثوقا بها كما كانت الحال في سوريا.

هناك قيد آخر يؤثر في الولايات المتحدة وهو مجلس الامن. فقد سوغ الرئيس اوباما التدخل الامريكي العسكري في ليبيا أمام مجلس النواب وكرر مرة بعد اخرى انه حصل على اذن الامم المتحدة. وقال وزير الدفاع ليون بانيتا في تكرير لهذه السياسة في المدة الاخيرة أمام مؤتمر القوات المسلحة لمجلس الشيوخ انه قبل ان تتدخل الولايات المتحدة في سوريا ستعمل على الحصول على "موافقة دولية". ومنذ ذلك الحين استطاع الصينيون والروس ان يبرهنوا على انهم مستعدون لصد كل اجماع في مجلس الامن يرمي الى وقف سفك الدماء في سوريا.

اذا أخذنا في الحسبان هذا الجو الدولي فانه يبدو ان احتمال ان تحصل الولايات المتحدة على موافقة على مهاجمة ايران صفر. ومن المفارقة انه في حين لا شك في ان الولايات المتحدة تملك القدرة العسكرية على منع الدول والمنظمات الخطيرة في العالم من احراز السلاح الذري، تمتنع الادارات الامريكية مرة بعد اخرى عن استعمال قدراتها العسكرية. ويجب ان تكون هذه الحقيقة مستوعبة في النقاش العام الحالي.