خبر تعلموا من المافيا- هآرتس

الساعة 09:11 ص|16 أغسطس 2012

 

بقلم: جدعون ليفي

ليست دولة اسرائيل مافيا؛ فهي ذات شرعية، وليست المافيا كذلك. ومع كل ذلك يجوز ان ننظر ولو للحظة في تاريخ عائلات الجريمة في امريكا، وأفلام المافيا وسلوك رجل المافيا الكلاسيكي حتى لو كان ذلك تدريبا للذهن. وقد وجدت المافيا مثل كثير من الدول الشابة ومنها دولة اسرائيل، نتاج تفجر عنيف وسيطرة بالقوة وصراع عنيف لا هوادة فيه بين عائلات المهاجرين التي أصبحت عائلات جريمة. أرادت المافيا ان تُسوِّد عدم العدل، وأرادت الدولة المولودة ان تحرز العدل بحسب تصورها على الأقل.

كان الجيل الاول فيهما على نحو عام جيلا عنيفا، بيده بندقية ولغته قاتلة ولسانه مهدد. كان يُراد احتلال ارض واستيلاء على مناطق عيش ومناطق تأثير أو اسقاط سلطة اجنبية وانشاء دولة – كانت الأهداف مختلفة والوسائل متشابهة. وهكذا نشأ اهود باراك مثلا والهراوة في يده. فهو محارب ذو أوسمة قضى أكثر سنيه في معسكرات الجيش وكان استعمال القوة وسيلته الأكثر رواجا. وجرب بين الفينة والاخرى وسائل عمل اخرى فشل فيها دائما فشلا ذريعا. وهو ينوي الآن ان يعود الى مصادره عالقا عند مرحلة الهراوة. هنا بالضبط تنفصل طريق الدولة عن طريق المافيا. فالجيل الثاني والثالث من المافيا يتطوران ويتغيران تغييرا تاما احيانا. فبعد ان يسيطر رجل المافيا على مراكز القوة يتجه ابن الجيل الثاني والجيل الثالث الى تثبيت قوته بوسائل اخرى. فهو يجري تفاوضا مع عائلات ومنظمات اخرى ويقررون معا حدودا واضحة معترفا بها، مع ميزان ردع لا يحتاج بعد ذلك الى استعمال وسائل عنيفة. وهو يُثبت قوته بأعمال شرعية ويحاول ان يتحول بالتدريج الى رجل اعمال مقبول محترم.

ويكون الجيل الجديد الذي ينشأ في العائلة غير مشابه لجيل آبائه. فهو يعيش في رخاء اقتصادي ويتلذذ بلذات الحياة، ولا يريد جيل الأبناء ان يلطخ يديه بعد ذلك بالدم والقتل ويضيق ذرعا بحياة الخطر الدائم. ان هذا الجيل يطمح الى شيء مختلف تماما: فهو يريد الشرعية والنزاهة وتصبحان هدفه الأعلى، ويريد ان يكون مقبولا في المجتمع وان يصلح صورته الماضية. وهو يتبرع لأهداف اجتماعية وينشيء امبراطورية اقتصادية قانونية بعيدة جدا عن اعمال الكحول المظلمة في فترة الجفاف مثلا في امريكا في القرن الماضي. ومن النادر ان نرى جيلا شابا من عائلات الجريمة الايطالية يستمر في تراث العنف والاخلال بالقانون الذي كان لآبائه. فالمافيا تتقدم وتتكيف وتتغير.

لا يحدث هذا لدولة اسرائيل. ينبغي ان نؤكد أنها ليست مافيا، لكن يجوز كما قلنا ان نتعلم شيئا ما منها. ان جيل المؤسسين والمقاتلين والبُناة أحرز نصيبه وانشأ دولة يفخر بها وإن كان في طريقه اليها قد سبب مظالم تاريخية. لكن الأجيال التي جاءت بعده لم تتعلم كيف تُكيف نفسها للتغيير: فهي ما تزال هناك عالقة في الماضي العنيف، في مرحلة الهراوة، مع سور وبرج وعمليات الرد ومع البندقية المتحدثة المُطلِقة التي هي قاعدة لكل شيء تقريبا والتي أُضيفت اليها على مر السنين كل وسائل القتال الموجودة في العالم تقريبا. ويُشك في ان تكون الأجيال الجديدة التي نشأت فيها مستعدة للاستمرار في ذلك برغم غسل الدماغ كله الذي يقول انه لا مناص؛ لكن اسرائيل لا تستنتج من هذا ايضا شيئا.

لم تقم اسرائيل قط بمحاولة حقيقية لأن تُقبل في المحيط الذي توجد فيه. ولم تحاول منذ زمن ان تحظى بقدر أكبر من الشرعية الدولية. بل بالعكس أخذت تفقدها خاصة على مر السنين. وأشد من ذلك أنه يبدو انه لا يهمها ان الامر كذلك، بل انه ليس لها حدود وارض معترف بها. والحقيقة هي أنها لم تحاول قط محاولة جدية التخلي عن طرق العمل التي كانت موجودة ذات مرة: فهي ما تزال تحيا على سلاحها سواء احتيج اليه أم لم يُحتج. وهي تحاول ان تحل بالقوة كل مشكلة دولية تعرض لها من قافلة بحرية تركية الى الذرة الايرانية كما كانت الحال في تلك الايام الاولى. استمعوا الى اهود باراك، الرجل والبيانو، وهو يُغير نظم الحكم ويهدد لتروا أنهم تحدثوا بالصورة نفسها بالضبط ذات مرة في أيام المافيا.