خبر التجسّس الإلكتروني الإسرائيلي: سلطة من دون حدود.. رفيف رضا صيداوي

الساعة 08:14 م|15 أغسطس 2012

رصد كتاب"التجسس الإسرائيلي"(2011) لمؤلفه محمد عطوي مختلف وسائل التجسّس الجديدة، التي أضيفت إلى الأساليب القديمة مع دخول الهاتف المحمول إلى عالم الاتصالات في العالم العربي ووجود أجهزة تنصت ومراقبة فائقة الحداثة تستخدمها بعض الجهات الأجنبية، تعمل على نظام (أيشلون) الأميركي المتطوّر، والذي بإمكانه التقاط موجات الهاتف العادي والخليوي في آن. هذا في الوقت الذي أسهمت فيه وسائل حلّ الشيفرات بوساطة العقول الإلكترونية في الزمن الراهن في تجاوز الكثير من العقبات السابقة.
تقنيات التنصّت الإسرائيلي على العالم العربي المذكورة في الكتاب، تبدأ من تسليط أجهزة تعمل بأشعة الليزر أو الأشعة تحت الحمراء في اتجاه الأمكنة أو الغرف المراد التنصت عليها على مسافة 500 متر، ولا تنتهي بالتجسس عبر الكومبيوتر(الحاسوب)، والقمر الصناعي (أوفيك- أفق-5)، وقمر الاتصالات والبثّ التلفزيوني والإذاعي عاموس، ناهيك بتثبيت قمر اصطناعي فوق المنطقة العربية للتجسّس عليها بصورة دائمة، وتزويد أقمارها بقنابل نووية تكتيكية صغيرة.
فقد حرّكت إسرائيل أحد أقمارها المتخصّصة للتجسّس على الجيش الجزائري، وسربت المخابرات الإسرائيلية صوراً التقطها قمر التجسّس الإسرائيلي "إيروس بي" لمنشآت عسكرية في عدد من الولايات الجزائرية، وقيل إن الأقمار الإسرائيلية عملت على تصوير المواقع العسكرية الجزائرية منذ العام 2006 على الأقل، وتابعت التغيّرات فيها.

وفي عددها الصادر في أيلول/ سبتمبر2010 كشفت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية عن وجود أكبر محطة تجسّس إسرائيلية في صحراء النقب للتنصت على المنطقة، وأكبرها في العالم، وتحديداً في منطقة أوريم جنوب إسرائيل على بعد 30 كيلومتراً من سجن مدينة بئر السبع. إذ كتب صاحب التقرير النيوزيلندي نيكي هاجر Nicky Hager بعنوان "une station d’écoute dans le Néguev: Ici travaillent des espions israéliens" كتب يقول إن حواسيب هذه المحطة ومعدّاتها مبرمجة لتمييز الكلمات وأرقام الهواتف من خلال المحادثات الهاتفية والرسائل الإلكترونية والبيانات التي يتمّ التقاطها، وإرسالها عبر الأقمار الاصطناعيّة وكابلات الاتصالات البحرية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط. فللمحطة القدرة على جمع المعلومات الإلكترونية، ورصد اتصالات الحكومات والمنظمات والشركات والأفراد على حدّ سواء. كما ترسل المعلومات التي يتمّ جمعها إلى وحدة 8200- مركز استخبارات إسرائيليّ- في مدينة هرزيليا شمال تل أبيب لتتمّ ترجمتها وتحويلها إلى وكالات أخرى من بينها مؤسّسات الجيش والموساد الإسرائيليّين.

ولا زالت مسألة إنشاء محطة لشركة موبينيل في منطقة العوجة على بعد كيلومترين من الحدود المصرية، من دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة، تشغل الإعلام العربي والأجنبي منذ فبراير الفائت. فأبراج المحطة التي تجاوزت الارتفاع المسموح به في المناطق الخلوية وهي 12 متراً، وجُهّزَت بهوائيات أكثر ارتفاعاً وسعة، ساعدت في تمرير المكالمات الدولية المصرية عبر النت الإسرائيلي. الأبراج المخالفة، وبحسب ما ورد في عدد كبير من وسائل الإعلام، كانت "موجّهة عمداً لنقل إشارة شبكة موبينيل لتخدم منطقة محدّدة داخل الحدود الإسرائيلية. وبحساب عدد دقائق المكالمات الدولية التي تمّ تمريرها من إسرائيل من طريق الإنترنت الإسرائيلي وأبراج العوجة وجد أنها تقترب من مليون دقيقة شهرياً، ما أسفر، إضافة إلى الضرر الأمني، عن ضرر اقتصادي نتيجة عدم مرور هذه المكالمات عبر البوابات الدولية للشركات المصرية والتي هي في المتوسط بقيمة 7.5 سنت أميركي لكلّ دقيقة دولية.

واستناداً إلى كتاب"التجسّس الإسرائيلي"،لا بدّ من الإشارة إلى أن وكالات المخابرات الغربية تلجأ إلى ابتزاز شركات الاتصالات، بإجبارها على توقيع اتفاقيات سرية للتجسّس على زبائنها، سواء بالتهرب من دفع الضرائب أو بالضغط على الحكومة لكي لا تمنح شركات الاتصالات إجازات لفتح خطوطها وزيادتها أو استئجار بعض من خطوطها.

أساليب لا تنتهي..لكن

أساليب التجسّس الإسرائيلي لا تنتهي، والمهمّ في المسألة أن هذا التجسّس شمل، بالإضافة إلى الدول وقطاعاتها السياسية والأمنية والعسكرية، إطار الأفراد، أو الرأي العام الشعبي على وجه التحديد، وليس في ما يتعلق بالقضايا التي تربط المواطنين العرب بالشأن العام فحسب، بل بأكثر قضاياهم حميميّة. ففي عددها الصادر بتاريخ 11/7/2012، نشرت صحيفة "لوريان لو جور" اللبنانية التي تصدر بالفرنسيّة مقالاً بعنوان "Internautes libanais, Israël vous suit... de près" أثارت فيه كاتبته رانيا مسعود موضوع شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في عصر الفيسبوك والتويتر واليوتوب أداة جديدة للمعلومات والتقصّي عن الأشخاص.

الأمر لغاية الآن ليس بجديد إلا أن المثير فيه ما أوردته الكاتبة حول وجود مجموعة واسعة من الباحثين والمراقبين وأجهزة المخابرات من العالم بأسره، ولاسيما من إسرائيل، تلاحق عن قرب "الإنترنيتيّين"(أي المتوصلين مع الإنترنت) في لبنان. وقد استندت الكاتبة إلى دراسة إسرائيلية، أصدرها "معهد أبحاث الأمن القومي"، التابع لجامعة تل أبيب تحت عنوان"لبنان: توجهات ورأي في مواقع التواصل الاجتماعي"، عرضت خلاله صاحبة المقال أبرز القضايا التي أثارتها الدراسة ومنها: أن10 % من سكان لبنان الذين يستعملون شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، مدونات، يوتيوب)، يميلون إلى قوى 14 آذار، وأن غالبيّة الذي يتواصلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي همّ من المذهب الإسلامي السنّي؛ وأن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ورئيس فريق 14 آذار، سعد الحريري، يستعملان بكثرة هذه الشبكات، ويقومان أيضاً بتوجيه رسائل سياسية في موضوعات مختلفة، ويستغلان الشبكات للتأثير على الشباب اللبناني في القضايا الشائكة التي تعصف بالبلاد؛ وأن الخطب الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي في لبنان تعكس تخوفاً متزايداً من اندلاع حرب أهلية ومن الضغوط القائمة ما بين الطوائف؛ وأن هناك تزايدًا كبيرًا في المعلومات عن وصول كميات كبيرة من الأسلحة إلى مختلف الميليشيات في لبنان آتية من تركيا وإيران وسورية وقطر والسعودية، بحيث يسود الشعور لدى المشاركين في شبكات التواصل الاجتماعي بأن لبنان بات يجلس على برميل بارود يكاد ينفجر في كلّ لحظة؛ وأن الجدال داخل الشبكات الاجتماعية حول ضرورة نزع سلاح حزب الله، والمليشيات السنية والفصائل الفلسطينية راح يتعاظم؛ وأن اللبنانيين يُعبّرون عن شعورهم بأن الجيش عاجز عن نزع السلاح، لأن الأكثرية الساحقة من جنوده ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وينحازون إلى الطائفة وليس للجيش...إلخ.

جاء التقرير الإسرائيلي هذا بعد أشهر على خبر إنشاء سلاح المخابرات العسكرية الإسرائيلية التابع للجيش الإسرائيلي، وحدة لمراقبة وسائل الإعلام المصرية والعربية المختلفة، ورصد توجهات العالم العربي نحو إسرائيل في أعقاب الثورات في العالم العربي، بعدما كانت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية قد ذكرت، ونقلاً عن موقع "منتدى الجيش العربي"
(http://www.arabic-military.com/t41774-topic)
بتاريخ العاشر من شباط/فبراير 2012، بأن "الاستخبارات العسكرية أنشأت بالتعاون مع مصادر خارجية وحدة، أطلقت عليها اسم "وحدةMI"، تختصّ في مراقبة جميع وسائل الإعلام العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كـ"الفيس بوك" و"تويتر"، لرصد ما تبثه هذه المواقع الاجتماعية وما تبثه الوسائل من رسائل معادية لإسرائيل". وأضاف الموقع نقلاً عن "هاآرتس" بأن هذه الوحدة ستعمل على جمع المواد الإخبارية والتصريحات السياسية على مدار 24 ساعة في اليوم، وتشمل متابعتها جميع المواقع الفلسطينية، والصفحات الشخصية لمسؤولين فلسطينيّين ومصريّين وعرب على مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة.

مقولة اعرف عدوّك تشرّبتها الصهيونيّة العالميّة ومارستها بمنهجية عالية، ومن دون أن توفّر طريقة أو آلية عمل لتطبيقها، بما في ذلك مختلف المعلومات والبيانات اللازمة لرسم خططها المستقبلية المناهضة للعرب، والضارّة بمصالهم وبوجودهم؛ وذلك بعكس غالبية الدول العربيّة، التي إذا ما استطلعت آراء مواطنيها واتجاهاتهم، لا تستفيد منها بوصفها مؤثّرة وفاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة العربيّة، ويمكن بالتالي البناء عليها لتطوير الدولة والمجتمع، بل من أجل استلاب أبنائها وإنزال أشدّ العقوبات على كلّ مَن أبدى تطلعات أو رؤى مخالفة. لعلّها مفارقة استخدام السلطة من كلا الجانبين، أي العربي والإسرائيلي. تلك السلطة التي تحتكر أوجه الحياة كافة بحسب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، والتي وصف كيفية تحوّلاتها في العصر الحديث في كتابه"المراقبة والمعاقبة" (Surveiller et Punir) وتحديداً في مجتمع الرقابة حيث يمكن للواحد أن يرى ويراقب عدداً كبيراً من الناس من دون أن يُرى.

"المؤشّر العربيّ" لعام 2011، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مثلاً، والذي تناول 12 دولة تشمل 85% من سكّان الوطن العربيّ، أظهر قناعة 84% من المجيبين بأنّ القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة جميع العرب وليست قضيّة الفلسطينيّين وحدهم، وأنّ التّعاون العربيّ - العربيّ الحالي هو أقلّ ممّا يجب أن يكون عليه، وأن غالبية سكان الوطن العربي (84% من المجيبين) يرفضون اعتراف دولهم بإسرائيل...إلخ؛ ترى هل تنحو سياسات الدول العربيّة لتلبية اتجاهات المواطنين العرب وميولهم القومية؟