خبر تأملات فى مجزرة رفح ..د. محمد حبيب

الساعة 01:21 م|13 أغسطس 2012

أثارت المجزرة البشرية التى راح ضحيتها ١٦ شهيدا و٧ مصابين من جنود مصر فى رفح المصرية فى مغرب يوم الأحد ٥/٨/٢٠١٢، مواجع المصريين.. وللأسف كانت المعلومات الوحيدة المتوافرة آنذاك هى التى بثها إعلام الصهاينة، أنه كان لدى «إسرائيل» معلومات عن هجوم رفح قبل عدة أيام، وقد تم إنذار المستوطنات المحيطة بها.. تساءلنا ساعتها: وأين كانت مخابراتنا العامة والحربية؟ وهل غابت عنها تلك المعلومات؟ وكيف حدث الهجوم، ولماذا أُخذ الجنود على غِرّة؟.. فى يوم الثلاثاء ٧/٨ كانت جنازة الشهداء، وكان المفترض حضور الرئيس مرسى، وأعلن عن ذلك فعلا، لكنه لم يحضر.. وقيل فى ذلك تبريرات لا معنى لها.. وكانت فرصة تصيدها الخصوم والشامتون للهجوم عليه والانتقاص من هيبته وصدقيته، خاصة فى ظل معاناة الشعب التى يعرفها الجميع.. فى يوم الأربعاء ٨/٨ خرج علينا مدير المخابرات العامة ليقول: «كانت لدينا معلومات مؤكدة باستهداف وحدات فى سيناء»، وإنها أبلغت الجهات المعنية.. لكنه لم يقل لنا متى حدث الإبلاغ، ومن هى تلك الجهات المعنية.. هل هى الرئيس مرسى أم المشير أم هما معاً؟ ومن العجيب والغريب أنه أضاف قائلا:« لم نكن نتصور أن يقتل مسلم أخاه المسلم ساعة الإفطار»!!

فى اليوم ذاته اتخذ الرئيس قرارا بإحالة مدير المخابرات العامة للتقاعد، ربما للتصريحات التى تفوه بها، وأقال رئيس الحرس الجمهورى ومدير أمن القاهرة ومحافظ شمال سيناء، وكلف المشير طنطاوى بإحالة قائد الشرطة العسكرية للتقاعد.. لكن ترك مدير المخابرات العسكرية، وقائد حرس الحدود فى مكانهما!! لماذا؟ لا ندرى.. ويبدو أن السبب وراء إقالة قائد الشرطة العسكرية ورئيس الحرس الجمهورى هو عدم استعدادهما لحماية وتأمين حضور الرئيس الجنازة التى تُركت للعابثين ليفعلوا ما يحلو لهم من اعتداءات وبلطجة طالت رموزاً وطنية، حتى رئيس الوزراء نفسه، وهو أمر أقل ما يوصف به أنه مهزلة تثير الكثير من علامات الاستفهام.. بل كان هناك من توعد رئيس الدولة نفسه حال حضوره الجنازة بطريقة مسفة تدعو للسخرية والاستهزاء، والسؤال هو: من يحمى هؤلاء ويقف وراءهم، ولمصلحة من؟ ألا يستدعى ذلك تحقيقاً على مستوى عال، وبشكل عاجل حتى يعرف الشعب حقيقة ما يجرى؟

نحن مازلنا لا نعلم شيئا عن الجناة الحقيقيين الذين ارتكبوا مجزرة رفح، وكل ما ينسب للتكفيريين أو الجهاديين من سيناء أو من غزة مجرد تكهنات، رغم أنه من الوارد أن يكون العدو الصهيونى هو الفاعل الحقيقى.. وقد أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة فى بيان لها الأربعاء ٨/٨ «أن عناصر من القوات المسلحة ووزارة الداخلية، تعاونها طائرات القوات الجوية، بدأت خطة استعادة الاستقرار والسيطرة الأمنية بملاحقة واستهداف العناصر الإرهابية والمسلحة فى سيناء».. ونشرت صحف الخميس والجمعة ٩ و١٠/٨ أن القوات المسلحة واصلت عملية «نسر» الموسعة فى شمال سيناء، فى مشهد غير مسبوق منذ انتهاء الحرب مع «إسرائيل»، وأن معدات وحفارات هدم الأنفاق قد بدأت عملها بالفعل.

لقد فرضت معاهدة السلام على مصر قيوداً كثيرة فيما يتعلق بالسيادة المصرية على أرض سيناء.. يكفى تلك التدابير الواردة فى الملحق الأول من المعاهدة، والتى تنص على نزع سلاح ثلثى سيناء وتحديد (تحجيم) سلاح الثلث الباقى، وهذا أمر يجب أن تكون لنا وقفة معه.. لكن من الملاحظ أنه منذ وصلت حماس إلى السلطة عبر انتخابات حرة نزيهة (يناير ٢٠٠٦) والمؤامرات تحاك ضدها من الصديق قبل العدو.. وبدأ الحصار والخنق لقطاع غزة فى ٢٠٠٧، ثم محرقة غزة فى أواخر ٢٠٠٨.. فهل أقلق استقبال إسماعيل هنية بالقاهرة كرئيس حكومة والتقاؤه رئيس مصر، وما ترتب على هذه الزيارة من فتح لمعبر رفح وتوصيل الغاز للفلسطينيين المحاصرين فى القطاع ـ العدو الصهيونى واعتبره خروجاً على السياسة المصرية، وهو ما استوجب عملاً من نوعية ما حدث فى رفح يوم الأحد الماضى؟

نحن نريد فك الحصار عن قطاع غزة كواجب قومى وإنسانى.. وإذا كانت الأنفاق تشكل قلقاً لمصر، فليكن معبر رفح هو الرئة التى يتنفس منها أهل القطاع، ومن السهولة أن تضبط حركة الدخول والخروج عبره كأى منفذ.. نحن لا ننكر وجود تكفيريين داخل القطاع، لكن بالتنسيق مع حكومة حماس يمكن أن يحال بين هؤلاء والأرض المصرية.. أيضاً لا يستطيع أحد أن ينسى أن كثيراً من السيناويين تعرضوا لعمليات اعتقال وقمع وتعذيب وحشى على يد رجال الأمن، خاصة بعد تفجيرات طابا.. هذه المعاملة العنيفة من شأنها أن تولد أفكار التكفير والعنف، ناهينا عن البيئة القاسية التى يعيشها أهالى سيناء حيث يعانون من التهميش والإقصاء كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.. فهل قامت خلايا تكفيرية أو جهادية من السيناوية بارتكاب مجزرة رفح كنوع من الثأر والانتقام؟