خبر فكرة تقسيم دول الثورات العربية ..أيمن خالد

الساعة 06:42 ص|13 أغسطس 2012

هناك طبقة من السياسيين العرب تنظر إلى بعض المناطق في الجغرافيا العربية بأنها مجرد توأم سيامي وأن استمرارية الحياة في هذه الجغرافيا غير ممكنة دون تحقيق الانفصال، ويمكن أن تكون الثورات العربية على ما رفعته وأتت به من شعارات، تجد قلب وجوهر فكرة العقل الذي يعيش هاجس (الوطن السيامي) الذي لا بد من تقسيمه ضمانة للاستمرار. وهنا لا أظن أن سايكس - بيكو قصة مؤامرة أكثر من أطماع سياسية محلية أنتجت هذه المعادلة ونريد إعادة انتاجها من جديد.
يمكن أن يرى البعض أن البيئة العربية هي بالأصل بيئة قبلية تقبل هذه الحالة ويمكن ركوب هذه الموجة لتحقيق غايات سياسية سبق أن تشكلت منها ذات يوم إمارات عديدة، حتى كانت المملكة أو الامارة مجرد مدينة صغيرة محاطة بالأسوار ولها راياتها وحرسها وبقية تفاصيل الدولة، ويمكن أن يرى البعض أن المسائل العرقية والثقافات هي وسائل تعزز هذه الفكرة الانفصالية، غير أن القضية لا تبرز هنا في صورتها الحقيقية، فالعلاقات البشرية هي اكبر من فكرة ـ الجيتو- والحاجات الانسانية لا يمكن أن تستوعبها حدود الدولة الواحدة، لهذا السبب مع نضوج الوعي الغربي الذي بحث عن حاجات الناس الأساسية اكتشف أن الدولة ليست حلاً للمعضلات والهموم، وهنا تم ابتكار الوحدة الاوربية كسبيل تصل الناس من خلاله إلى حل مشاكلها، ومع ذلك، لو أتيحت الفرصة للأوربيين وغيرهم ونضجت الظروف السياسية لتمددوا أكثر، ليس لأن الغرب استعماري، ولكن لأن حاجات الناس والبشر الفعلية تتجاوز حدود الدولة مهما كانت هذه الدولة واسعة، ولأن حركة الناس وتنقلها هو الذي يحقق معادلة تأمين مصالح وحاجات البشر.
الدول التي تغلق حدودها لا تستطيع أن تكون دولاً حرة، والناس الذين يسعون إلى تحقيق انقسامات جغرافية هنا وهناك هم ليسوا أهلا بالمطلق لإدارة ديموقراطيات أو دول حرة، وعلى نقيض ذلك، كل من يريد قيادة فئة من الناس نحو الانقسام في جغرافيا معينة، هو يسعى بهم نحو دولة بوليسية امنيــــة تمارس شتى انواع القهــر الاجتماعي على ابنائها، وحتى يحافظ على دولته الصغـــيرة تلك فهو سيلجأ إلى ما سبقه به السابقون الذين بنــــوا دولتهم وسط تهويل وتخويف للناس من الجار القريب، فالتاريخ علمنا أن دعاة الانفصال لا يستطيعون عيش حياتهم بمعزل عن فكرة الرعب والحرب، وعلى نقيضهم تماماً فأصحاب فكرة الوحدة ايديهـــم نظيفة ولديهم مساحات واسعة من الثقة ولا يفكرون بالعقل البوليسي الذي يصنع الشك ليبرر وجوده.
نحن في وسط عربي منقسم وهو يستغل فكرة الاحزاب التي يريد اصحابها منها أن تتحول الى اوطان وبإنتاج هذا العقل وترويجه نعيد صناعة دكتاتوريات وندخل شعوبــــنا التي تتوق للحرية وسط متاهة من الرعب غير المبرر، فالعـــقول الناضجة والتي تفكر بشعبها ومصالحه هي التي تقرأ التطور الأوربي التقني والعلمي ومع ذلك كانت فكرة الوحدة أقرب اليه، ومن يفكر بأن يكون زعيماً فلا يهمه على من سيكون، طالما ان هناك دولة وعلماً ونشيداً.
الاوطان التي هي بحجم حبة الاسبرين تنتج سادةً وجيشاً من العبيد فقط، وأما الدولة الكبيرة متعددة الأعراق والقوميات فهي الوحيدة باختلاف صنوفها التي تستطيع بناء وطن حر يستحق الانسان ان ينتسب اليه.

' كاتب فلسطيني مقيم في دمشق