خبر يدان يمينيتان -هآرتس

الساعة 08:03 ص|09 أغسطس 2012

بقلم: يوسي فيرتر

  (المضمون: استطلاع: معظم الجمهور يتبنى أفكارا يسارية، لكن يمقت اليسار - المصدر).

        في مبنى قاتم، خلف باب حديدي غامق اللون في شارع عيمق رفائيم في القدس، تجلس عصبة مثقفين، وحسب اسم الشارع تعنى بما اصبح منذ زمن بعيد اشباح (روح رفائيم) السياسة الاسرائيلية: اليسار. هدف هذه العصبة الطموح هو اعادة احياء معسكر اليسار الاسرائيلي، الذي انهار قبل 12 سنة في أعقاب فشل المفاوضات في كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية. ويفترض بالمسيرة أن تستغرق عقد من الزمان، ليس أقل؛ عقد من البحوث، التفكير المشترك وتدفق الخطط، الافكار، السياسة والفهم في روح اليسار الى الخطاب الاسرائيلي. في النهاية، كما يأملون، ستعود اسرائيل الى المبنى السياسي الذي ميزها في معظم سنوات وجودها: منظومة سياسية ثنائية القطب، تتشكل من كتلتين ايديولوجيتين كبيرتين، واضحتين، حادتين ومتميزتين الواحدة عن الاخرى – يمين ويسار. وبينهما لا شيء. رمال ورمال فقط.

        اسم مركز التفكير الذي يعنى بمشروع اقامة اليسار الاسرائيلي الجديد هو "مولاد" – مركز التجدد الديمقراطي. رئيس مجلسه العام هو رئيس الكنيست الاسبق، ابراهام بورغ. يديره شابا: المدير العام أفنير عنبر، الذي يكتب رسالة دكتوراة في الفلسفة السياسية في جامعة شيكاغو ومدير البحوث، اساف شارون، د. في الفلسفة من جامعة ستانفورد. ويمول المركز من صناديق ومحافل يسارية أمريكي تتماثل مع الحزب الديمقراطي.

        قبل بضعة اشهر طلب قادة مولاد اعداد استطلاع شامل جدا فحص مواقف الجمهور من اليسار في اسرائيل. نحو الف شخص شارك في الاستطلاع الذي أجراه جيم غيرستاين من كبار المستطلعين السياسيين في الولايات المتحدة، والذي عمل في 1999 في حملة انتخابات ايهود باراك لرئاسة الوزراء. اما النتائج فمشوقة. فهي تفيد كم هي المهمة التي أخذها مسؤولو المعهد على أنفسهم تتراوح بين المتعذر والمتعذر تماما. فاليسار الاسرائيلي يتخذ صورة من أكل عليه الدهر وشرب: غير جدي، غير مسؤول، غير مصداق، نخبوي، مغترب، غير قادر على السيطرة وتعوزه الاجوبة لمشاكل الامن القومي لاسرائيل. لو كان "اليسار" منتجا تجاريا، لكانت الشركة التي تنتجه وتسوقه أفلست منذ زمن بعيد.

        من جهة اخرى، يتبين أن المواقف الاساس للجمهور الاسرائيلي بقيت منقسمة بين اليمين واليسار، مثلما كانت ذات مرة، وليس بين اليمين والوسط. نصف الجمهور يؤيد المواقف اليسارية الصرفة في الموضوع السياسي وأكثر من النصف يتماثل مع مواقف يسارية في مواضيع الاقتصاد والمجتمع. هنا، كما يأمل المولاديون، تكمن الثغرة الصغيرة، الشق الضيق للتغيير في المستقبل، حتى وان كان بعيدا. "توجد مسافة داماتيكية جدا بين مواقف الجمهور"، يقول بورغ، "وبين تمثيل هذه المواقف في الخطاب السياسي".

        وهاكم بعض النماذج البارزة في الاستطلاع: نحو ربع الجمهور فقط يعتقد أن الدولة "تسير في الاتجاه السليم"، بينما نحو 60 في المائة من الجمهور يعتقدون بان الدولة "انحرفت جدا عن المسار السليم". ولكن، عندما يطلب من الجمهور ابداء الرأي، سواء كان ايجابيا أم سلبيا، في التيارات السياسية المركزية الثلاثة، فمقابل نحو 42 في المائة رأيهم في اليمين والوسط (المتحكمين بالدولة في العقد الماضي) سلبي. أقل من الثلث من اجمالي الجمهور يعتقد بان اليسار قادر على السيطرة بشكل ناجع على الدولة، مقابل 53 في المائة يعتقدون بان اليمين قادر على ادارتها جيدا.

        المشكلة التاريخية لليسار هي في اوساط الشباب. فقط ربع من هم في أعمار 18 – 29 يتبنون رأيا ايجابيا في اليسار، مقابل ثلثين رأيهم في اليسار سلبي. ظاهرا، هذا وضع ميؤوس منه. عديم الجدوى. ولكن يحتمل أن يكون ينبع من ان شريحة عمر كاملة في الدولة لا تعرف وضعا غير هذا الذي يسيطر فيه في الدولة حزب يميني (الليكود) أو مجرور من اليمين (كديما) وهكذا ترى جيل كامل دون وعي معارضة وبديل يساري للحكم. وفي شريحة العمر التالية ايضا، 30 – 39، نحو الثلث فقط أعربوا عن رأي ايجابي في اليسار، مقابل نحو 60 في المائة أعربوا عن رأي سلبي. وهكذا استمر دواليك.

        في مواضيع الامن القومي، وضع اليسار ليس أقل كارثية: 28 في المائة فقط قالوا انه يقدم حلولا جيدة لتحديات الامن القومي التي تقف امامها اسرائيل. ومعنى الامر: اليسار يحظى بمصداقية صفرية تقريبا في مجال ذي الاهمية الوجودية الاكبر للمواطنين. ومع ذلك، اكتشف المستطلعون بان اليمين ايضا هش في مواضيع عديدة: 52 في المائة من الجمهور يعتقدون بان اليمين "يعمل لمصالح خاصة تأتي على حساب معظم الاسرائيليين. 42 في المائة من المشاركين في الاستطلاع فقط قالوا ان لليمين توجد "حلول جيدة للتحديات الاقتصادية – الاجتماعية التي تقف امامها اسرائيل". كما أن مواقف اليسار التقليدية في موضوع حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، مساواة المواطنين وحقوق النساء، وكذا ايضا في المواضيع الاجتماعية، تحظى بالتأييد.

        مصاعب اليسار أعمق بكثير من مشكلة الاتصال مع الجمهور، كما يقولون في مولاد. فمنذ سنين واليسار يتغيب عن المناقشات الجوهرية حول شكل الدولة. نسبة التصويت تروي القصة: في العام 1992، السنة التي انتخب فيها اسحق رابين لرئاسة الوزراء كان معدل التصويت لليسار 49 في المائة. في 2009، صوت لليسار 29 في المائة فقط. اليمين ايضا فاز في 1992 بمعدل تصويت 49 في المائة، ولكن في 2009 صوت له 52 في المائة. هذا كل شيء. ارتفاع 4 في المائة فقط لليمين في 20 سنة، وهبوط هائل بـ 20 ف المائة لليسار. "الجمهور"، يقول أساف شارون، "لم يتحرك يمينا، بل ببساطة هرب من اليسار".

        "اليمين في اسرائيل يتصرف كالكتلة"، يضيف عنبر. ""من يصوت لليبرمان، لشاس، او للبيت اليهودي، يعرف بانه يصوت لحكومة برئاسة بيبي ويعرف الى هذا الحد او ذاك ماذا ستكون عليه تركيبة الائتلاف وماذا سيكون طريقه". بالمقابل، يقول، الجانب اليسار لا يطرح جدول أعمال واضح، وليس له مبنى المعسكر السياسي. "لا أحد يتعهد في أن يكون معارضة لنتنياهو، وهكذا عمليا يمنحه الجميع الشرعية". من أجل اعادة تثبيت اليسار كقوة سياسية، يقولون في المعهد، لا يكفي اعادة تصميم الحجج القائمة. يجب عرض سياسة مصداقة في مواضيع مركزية تسمح بجعل اليسار مرة اخرى جهة حيوية ومصداقة.