خبر محاسبتي لنفسي- هآرتس

الساعة 08:02 ص|09 أغسطس 2012

بقلم: أري شبيط

        (المضمون: لو أن اسرائيل استجابت لمحاولات السلام الماضية مع سوريا وسلمت اليها الجولان لأصبحت اليوم تحاذي كيانا اسلاميا متطرفا - المصدر).

        لا يحب أحد الاعتراف بالأخطاء، ولا أنا ايضا، لكنه لا مناص من ذلك احيانا. في واحد من السبوت الاخيرة اتجهت الى الشمال، ونظرت ساعات طويلة الى جبال الجولان التي احمرت وقت المساء. لكن حل رويدا رويدا محل المتعة الخالصة بازاء الجمال الخالص، اكتئاب ثقيل. فلم استطع ألا أفكر فيما كان يحدث اليوم لو تم قبول الموقف العقائدي الذي أيدته ألا وهو السلام مقابل الجولان. ولم أستطع ألا أفكر فيما كان يحدث اليوم لو ان اهود باراك لم يجمد أمام حافظ الاسد في 2000 ولو ان اهود اولمرت لم ينثنِ أمام بشار الاسد في 2008.

        كنت مضطرا الى الاعتراف بأنه لو تم تنفيذ التصور العام الذي آمنت به لكانت كتائب من الجهاد العالمي تنزل اليوم قرب عين غيف وكانت معسكرات للقاعدة تحل في ضفة بحيرة طبرية. وكان شمال اسرائيل وموارد الماء تحاذي في هذا الصيف كيانا اسلاميا مسلحا متطرفا لا تمكن السيطرة عليه.

        آمنت بالسلام مع سوريا منذ ان أصبحت انسانا ناضجا. وبدت فروض ايماني الأساسية عقلانية وصلبة، فالسلام مع سوريا يمنع حربا فظيعة في الشمال وينقض عُرى منظومة القوى الشمالية التي تهدد دولة اسرائيل. والسلام مع سوريا يعزل ايران ويوجه اليها ضربة استراتيجية تكف جماحها. والسلام مع سوريا سيكون ثابتا كالسلام مع مصر ويحيط اسرائيل بطوق من التسويات السياسية التي تُقر الاوضاع. والسلام مع سوريا يعزز القوى السليمة في العالم العربي ويصوغ نظاما اقليميا معتدلا يؤدي بالفلسطينيين ايضا الى مصالحة.

        لم تكن هذه الفروض الأساسية فروضي الأساسية فقط، بل كانت الفروض الأساسية لاسحق رابين وشمعون بيرس ومتابعي نهجيهما في المركز واليسار. وكانت ايضا الفروض الأساسية للجزء الأكبر من المؤسسة العسكرية، فقد آمن بها رئيس اركان بعد رئيس اركان بعد رئيس اركان. وأيدها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بعد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بعد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.

        لم يكن ميرتس هو حزب السلام مع سوريا بل كان الجيش الاسرائيلي هو حزب السلام مع سوريا. وأنا الصغير ايضا. فقد كتبت بلا توقف في الصحيفة وتحدثت في التلفاز عن الحاجة الى التوصل الى سلام مقابل الجولان. وضغطت بما أوتيت من قوة من اجل سلام سوري الآن. وبدا لي الموقف المقابل غير منطقي وغير اخلاقي. ورأيت الناس في المقابل ناسا خطيرين. وغضبت على اسحق شمير وعلى اريئيل شارون اللذين صدا التحادث مع سوريا ومنعا عن اسرائيل السلام. وكنت على يقين من ان التاريخ سيعيب عليهما ذات يوم رفضهما السلام ويعاملهما كما يعامل غولدا مئير وموشيه ديان واسرائيل غليلي.

        لكن الامر كان على العكس تماما. فلو حدث سلام في سنوات الالفين لوجد اليوم سفك دماء. ولو أننا مضينا قبل عشر سنين للنوم مع الاسد لاستيقظنا هذه السنة مع الجهاد. ولو أننا تخلينا عن كتسرين وشنير لتلقينا ارهابا في دان ودفنه. ولصُبت مواد عجيبة غريبة في موارد نهر الاردن. ولنشبت حوادث اطلاق نار متوالية في تل كتسير وهئون. ولأصبحت الهضبة السورية ثقبا أسود أخطر كثيرا من الثقب الاسود في صحراء سيناء. ولأصبحت فكرةالسلام التي كانت صحيحة في وقتها وصحيحة بحسب نهجها واقعا كابوسيا يصعب علينا الصمود له، ولكانت اسرائيل إن عاجلا أو آجلا تضطر الى التوجه مرة اخرى الى تل الفخار ونفح وتتابع السير الى القنيطرة. بيد ان هذا الاتجاه كان سيكلف في هذه المرة رشقات صواريخ بالستية على تل ابيب. ولأصبح السلام الذي آمنت به وأوصيت به حربا عامة ربما يُقتل فيها آلاف.

        كادت تختفي جبال الجولان في الظلام وحان وقت العودة الى البيت. أفكان الدرس انه لا يجوز محاولة السلام؟ لا من الواجب محاولة احراز سلام واقعي. فهل الدرس هو انه يجب التسليم للاحتلال؟ لا بل يجب علينا التمسك بالمحاولات الخلاقة لانهاء الاحتلال بصورة تدريجية لكن بحذر أيها الرفاق وبتواضع ومع اصغاء جدي للتحذيرات الجدية من الناس في المقابل ومع نظرة واعية للعالم الحقيقي الذي نعيش فيه.