خبر « إسرائيل » تبعد العالم- هآرتس

الساعة 08:07 ص|08 أغسطس 2012

 

بقلم: حيمي شليف

العلاقات الخارجية والتأييد الدولي هي عناصر حيوية في الامن القومي للدول، فما بالك اسرائيل. منذ تأسيسها، تجد اسرائيل نفسها منعزلة في محيط معادٍ، تكافح في سبيل حقها في الوجود، تتصدى لاحلاف عظيمة القوة وتكافح في سبيل مكانتها في المحافل الدولية. وتأتي السياسة الخارجية الاسرائيلية كي تجند الفهم والتأييد في الساحة الدولية ليخدماها في أيام السلام، فما بالك في عهد الازمات والحروب.

وهكذا كان يمكن أن نتوقع بانه بينما يجمع قادة الجيش واذرع الاستخبارات المعلومات، يبلورون الخطط ويتزودون بالاسلحة الاكثر نجاعة لهجوم عسكري ناجح ضد المنشآت النووية الايرانية، اذا ما تقرر، سيكون المسؤولون عن السياسة الخارجية الاسرائيلية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء منشغلين بالايام والليالي باستكمال المعدات وبحشد التأييد السياسي لاسرائيل، وتحصين معاقل الدعم الدولي وتوسيع الاسناد السياسي الذي سيكون تحت تصرف اسرائيل اذا ما وعندما تحين لحظة الحسم.

كان يمكن الافتراض بان زعماء اسرائيل يفهمون بان الهجوم العسكري الاكثر نجاحا لن يحقق هدفه اذا لم يترافق بعده وضغط متواصل ومكثف لجبهة دولية متينة؛ كان يمكن التقدير بان القادة يعرفون بان الرأي العام الدولي سيتهم أساسا اسرائيل بالمسؤولية عن الجلبة وأساسا عن الضرر الهائل الذي سيلحق بالاقتصاد العالمي المتعثر كنتيجة لهجوم في ايران، سواء اسرائيلي ام أمريكي؛ وكان يمكن ان نكون واثقين ومتأكدين، زعما، بانه في ضوء المخاطر الهائلة، فان كل الاعتبارات الاخرى ستتقزم أمام المهامة الاستراتيجية: اعداد اسرائيل لما يعد التحدي الاكبر الذي تقف أمامه منذ نشوئها.

إذن هذا هو، لا. هذا ما كان يمكن توقعه، ربما، ولكن عمليا، كما يبدو، يحصل العكس. والا، كيف يمكن أن نفهم حقيقة أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعطي علنا علامة تقدير "صفر" لجهود الرئيس اوباما ضد النووي الايراني، ويفعل ذلك بالذات عندما يقف المرشح الجمهور للرئاسة ميت رومني الى جانبه مبتسما؟ اي تفسير عقلاني يوجد لحقيقة أن حكومة اسرائيل لا تبذل أي جهد لنفي الانطباع بانها تقف ضد اوباما، في الوقت الذي يوجد احتمال 50 في المائة على الاقل في أنه يتعين عليه ان يقف كالسور المنيع كي يحمي اسرائيل، قبل وبعد الانتخابات في تشرين الثاني ايضا.

وكيف يمكن التسوية بين تعريف دول غربي اوروبا كعنصر حيوي في كل جبهة دولية ضد ايران وبين التجاهل المستمر والمتظاهر لمعارضتها للمستوطنات وتأييدها لمسيرة السلام مع الفلسطينيين؟ فهل من أجل وقف عمل أجهزة الطرد المركزي في ايران ما كان يمكن التواضع لزمن ما في زخم البناء واسكان المناطق؟ وهل الغضب المقدس الذي توجهه اسرائيل بشكل عام تجاه كل بارقة نقد اوروبية على سياستها هو حقا بديل مناسب للحوار الذي يبني الثقة مع الدول التي تحتاج اسرائيل حاجة ماسة الى دعمها؟

اسرائيل، اذا ما أعدنا صياغة قول اسحق رابين الراحل، تدير شؤونها الدولية وكأن النووي يهمها كقشرة الثوم، وتخطط لمعركة حرجة مع ايران وكأن مكانتها الدولية لم يسبق ان كانت أفضل. ولهذا فانها تفكك حكومة الوحدة الوطنية، التي بعثت آمالا عظيمة في العالم، بعد بضعة اسابيع من قيامها، ولاسباب احد في العالم لا يفهمها؛ ولهذا فانها تمتنع بثبات عن تعيين وزير خارجية ذي خطوات في عواصم العالم، قادر على أن يهمس في اذان السياسيين الاجانب والتأثير على مواقفهم. ولهذا فانها تمتنع عن المبادرة باي خطة للمضي قدما في التسوية مع الفلسطينيين حتى ولو على نحو تظاهرين؛ ولهذا فانها تقف علنا وبشكل تلقائي على رأس معسكر الساخرين من كل تغيير لدى تلك الدول العربية التي بالذات تشاركها مخاوفها من النووي الايراني والاهداف الناشئة عن ذلك.

إن قدرة اسرائيل على التصدي لايران والتعايش مع الاثار المحتملة للهجوم كانت ستتعاظم بأضعاف لو عرفوا في القدس كيف يستغلوا الاشهر والسنوات الاخيرة في جهد مركز لكسب الاصدقاء والتأثير على الناس، بدلا من الصدام المرة تلو الاخرى مع الاسرة الدولية. فالتأييد العالمي لاسرائيل والتفهم لدوافعها هما أمران ذوا قيمة استراتيجية واضحة، لا تقل عن قاصفات كاسحات الخنادق.

وعليه، يمكن منذ الان القفز الى فصل الاستنتاجات الذي سيظهر في تقرير لجنة التحقيق المستقبلية التي ستقوم، والذي سيتقرر فيه بان زعماء اسرائيل لم يفعلوا ما يكفي، حين كان لا يزال بوسعهم، كي يبنوا للمواطنين الاسرائيليين السور الواقي السياسي الذي يستحقونه.