خبر معضلة سيناء-معاريف

الساعة 09:11 ص|06 أغسطس 2012

بقلم: بن كاسبيت

(المضمون: التحدي الامني لاسرائيل مركب وصعب أكثر من اي وقت مضى. المعضلة التي نواجهها هي إما أن نقاتل ضد خلايا الارهاب في سيناء فنخاطر بحرب مع مصر او ننتظر الى أن توقع هذه الخلايا الضحايا بين المواطنين في اسرائيل فنهمل بذلك في حمايتهم - المصدر).

        بعد وقت قصير من حلول أيمن الظواهري محل اسامة بن لادن في قيادة القاعدة أعلن سياسة "الجهاد الاقليمية": "خلق مجموعات جهاد محلية قوية تخلق ارهابا ضد "الكفار" المحليين. تشديد خاص، كما أمر الظواهري، يجب أن يكون على الشرق الاوسط بشكل عام وعلى "القرب من حدود الكيان الصهيوني" بشكل خاص. وبكلماتنا: القاعدة والجهاد العالمي يقتربان من اسرائيل في حركة التفاف.

        في سيناء تقوم قاعدة ارهاب كبرى، جهادية، تنضم الى غزة، المختصة في هذا المجال منذ زمن، والى حزب الله في الشمال، وإن كان لا ينتمي الى الجهاد السني، بل الى صيغته الشيعية، ولكن من أجل قتل اليهود فان الشيعة ايضا شرعيون.

        وفيما لا تزال تتحدث تواصل جماعات الجهاد العالمي الآخذة في الاتساع التدفق الى سوريا والانضمام الى الكفاح ضد الاسد (الذي في النهاية سنشتاق اليه، كالمعتاد). مصر مشغولة البال في شؤونها والهدوء النسبي الوحيد في اسرائيل، صحيح حتى اليوم، هو في حدودها الشرقية، مع المملكة الاردنية. هذا لا يواسي احدا إذ ان كرسي الملك عبدالله شهد من قبل اياما أكثر استقرارا.

        التحدي الأمني لاسرائيل في الواقع الجديد مركب وعسير أكثر بكثير مما شهدنا في الماضي. ليس بعد الان دول سيادية مرتبة، مع مراتبية قيادية، مع مصالح، منظومة حكم وعنوان واضح. من الان فصاعدا نحن نقاتل ضد ظلال، ضد "شبكات ارهاب"، ضد منظمات، جماعات، فروع وأجنحة الجهاد على انواعه المختلفة، التي يحتشد فيها "الحسد" على حقوق الطبع في من يكون أكثر إيلاما لليهود.

        وكان أن وصلت الى اسرائيل معلومات عن عمليات يتم تنظيمها للانطلاق الفوري في سيناء. ووصلت المعلومات الى أعلى المستويات في جهاز الامن، بما في ذلك رئيس الاركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان". كان واضحا أن شيئا ما يعتور في المنطقة وشيء ما سيحصل. وأمس هذا حصل. في سيناء يوجد، صحيح حتى الان، عدد من شبكات الارهاب الكبرى، راسخة وتسعى الى الشر. خليط من القاعدة، الجهاد العالمي وسكان سيناء المستائين ممن تطرفوا واصبحوا سلفيين متطرفين، يصعب التسلل اليه، يصعب العثور عليه، وهذه الجماعات تتآمر على السيادة المصرية واسرائيل تصطدم بها بينما احدى يديها مقيدة خلف ظهرها.

        عشرات المرات في السنة الاخيرة نقلت اسرائيل معلومات استخبارية دقيقة الى المخابرات المصرية العامة عن نشاطات ارهابية وتنفيذ عمليات موجهة من نطاق مصر، في سيناء. في كل هذه المرات لم يفعل المصريون شيئا. في اقصى الاحوال كانوا يبلغون عن انهم "فحصوا" ولم يجدوا شيئا.

        وتبذل اسرائيل اقصى جهودها ومقدراتها الاستخبارية للحصول على المعلومات. اما المصريون فيهزون أكتافهم وينظرون في الجهة الاخرى. وفي الوقت الذي تكتب فيه هذه الامور يتبين أن الجيش المصري دفع أمس ثمنا دمويا باهظا على عدم اكتراثه هذا. لا ينبغي ان نفرح بذلك، ولكن لا يمكن أن نتجاهل أن هذا يعد مثابة عدالة شعرية. من يغمز الارهاب يتلقى منه الصفع. فهل سيحسم الامر في الجانب المصري؟ مشكوك جدا. فلا تزال هناك لمحمد مرسي مشاكل أكبر في القاهرة مما في سيناء.

        وكلما مر الوقت بانت شدة المشكلة. غير مرة أو مرتين وقف من قبل اصحاب القرار عندنا امام معضلة غير بسيطة: ها هي عملية توشك على الانطلاق من سيناء. ها هي خلية توشك على اطلاق النار من سيناء. فهل نضربها؟ اذا كان كذلك، فهذا خطر حرب مع مصر. وان كان لا، فهذا خطر حياة حقيقي على مواطني اسرائيل. كيف التصدي لهذه المعضلة المركبة، التي تنطوي على مصالح استراتيجية كبيرة الى جانب التزام الدولة في توفير الحماية للمواطنين؟ حتى متى يمكن لاسرائيل أن تتجلد؟

        ولانعدام الوسيلة لديها، تتوجه اسرائيل، كالمعتاد، الى الولايات المتحدة. وقد سبق لمسؤولين امريكيين كبار أن جلسوا في وزارة الدفاع في تل أبيب اكثر من مرة وسمعوا ذلك. تحذيرات الجيش الاسرائيلي، شعبة الاستخبارات "امان"، جهاز المخابرات "الشاباك"، صريحة وواضحة: اذا لم تفرض الولايات المتحدة على مصر تثبيت سيادتها في سيناء فقد ينتهي هذا باشتعل اقليمي. وعندها، قال من قال، فان الامر سيشغل بال ليس فقط السيدة شفارتس في بئر السبع بل وربما ايضا السيدة شفارتس في ميامي، بسبب أسعار النفط. لا يحتمل، يقول المسؤولون، الا تنجح مصر في اغلاق خط حدود من 14كم. لا يحتمل أن تضاعف كمية التهريب من سيناء الى غزة نفسها ثلاث مرات، لا يحتمل أن يكون للجهاد الاسلامي حتى الان اعدادا من  الغراد اكثر مما لحماس. من يدفن رأسه في الرمال، سيكتشف في نهاية الامر بان جسده أيضا قد دفن فيها. الولايات المتحدة، يقولون، يجب أن تشترط مساعدة المليارات في مصر باتخاذ خطوات في سيناء. هذه بنية تحتية ضرورية لمواصلة الحفاظ على اتفاقات السلام والاستقرار الاقليمي، وليس أقل.

        الامريكيون يستمعون، يهزون الرأس، ولا يفعلون حقا. المصريون ايضا. الحقيقة السوداء تبقى، كالمعتاد، في طرفنا. منذ بداية السنة منعت أو احبطت 14 عملية كبيرة كانت ستنطلق من سيناء. البنية التحتية الاستخبارية حيال سيناء، التي اهملت واختفت في الثلاثين سنة الاخيرة، تقام الان من جديد. يوجد جهد لمواصلة التعاون الاستخباري والعسكري مع الجيش المصري. سطحيا، التعاون مستمر. رئيس قسم التخطيط في الجيش الاسرائيلي كان في الاشهر الاخيرة مرتين في مصر على الاقل. على الارض ليس لهذا مؤشرات حقيقية بعد. على الارض تواصل القبائل البدوية في مصر التطرف، وبات معظمها سلفيين. صناعة التهريب تزدهر، مخزونات الصواريخ تتضخم، اهمال الجنود المصريين يبرز من بعيد وتكاد تكون تسمع كل ليلة رصاصات تبادل النار بينهم وبين المهربين وسكان سيناء من نشطاء الارهاب.     

        أمس اصبح تبادل النار هذا عملية كبرى اوقعت ضحايا عديدة في الجيش المصري. حسني مبارك ينازع الحياة في قفصه، عمر سليمان قضى نحبه وكل ما تبقى لنا هو الاشتياق للعالم القديم الذي كان ذات مرة، وأخلى مكانه للعبة أخطر بكثير.