خبر وسائل القتال الكيماوية السورية في مهب الريح ...يديعوت

الساعة 08:36 ص|03 أغسطس 2012

بقلم: رونين بيرغمان

       (المضمون: الاسد الأب حاول سد الفجوة النوعية مع اسرائيل بالتوجه نحو السلاح الكيماوي والصاروخي، والاسد الابن طور هذا النهج - المصدر).

       بشار الاسد على ما يبدو لن يكون رئيس سوريا عما قريب، والسؤال الذي يسأله كثيرون في هذه الايام هو أين تمر خطوطه الحمراء. هل عندما يكون ظهره الى الجدار وعندما يُحدق بحكمه خطر شديد، سيتصرف مثل صدام حسين في حرب الخليج الاولى ويطلق الصواريخ على اسرائيل التي يبغضها؟ رئيس طاقم مفتشي الامم المتحدة في العراق بعد الحرب، رولف اكايوس حدث ان صدام حسين زود 25 صاروخ الحسين بسلاح بيولوجي وكيماوي ووجهها نحو اسرائيل. هذه الصواريخ لم تطلق في نهاية الامر لأن صدام نفسه خشي وادرك ان اسرائيل سترد بسلاح فتاك ضد العراق. فما الذي ستفعله سوريا؟ ما الذي سيفعله الاسد، وهل يتوجب على اسرائيل ان تقوم بهجمة وقائية ضد المنشآت الكيماوية السورية؟.

          التقارير المنشورة في الاسابيع الاخيرة حول الخطر الكيماوي السوري تزيد من القلق. اسرائيل قد أرسلت للولايات المتحدة واوروبا تحذيرا بالهجوم لأن كل خطوة سورية ولو حتى القيام بالتحضيرات وحدها في موضوع السلاح الكيماوي ستشكل ذريعة لشن هجوم اسرائيلي. مصدر اسرائيلي بارز ذو تأثير على عملية صنع القرار قال لي في الاسبوع الماضي: "اذا أخرج السوريون الصواريخ وزودوها بسلاح كيماوي أو أرسلوها الى حزب الله فيتوجب اعتبار ذلك بمثابة اعلان حرب وشن هجوم على سوريا. حتى اذا تحول الامر الى معركة شاملة. على الدولة ان تضع خطوطها الحمراء"..

          اسبوعية "دير شبيغل" الالمانية نشرت هذا الاسبوع بأن الموساد توجه الى جهات استخبارية اوروبية مؤخرا وأعلمها ان معلوماته تفيد بأن أجزاء من السلاح الكيماوي وصواريخ بعيدة المدى قد نقلت الى حزب الله. هذا التقدير يتناقض مع الاستخلاصات التي توصلت اليها استخبارات غرب اوروبا وامريكا. الصحيفة نشرت ان الجهاز المماثل للموساد في المانيا "بي.ان.دي" قد تلقى معلومات بأن السوريين قد اتخذوا تدابير أمنية متشددة في الاسابيع الثلاثة الاخيرة لحماية ترسانة السلاح النووية السورية ولم ينقلوها الى حزب الله. الترسانة التي كانت مخزنة في قاعدة سلاح الجو بجانب حمص التي تعتبر أقل حصانة نُقلت من هناك الى مصياف. هذا ما حدث ايضا في المواد التي تم تخزينها في القاعدة المجاورة لحماة. اضافة الى ذلك في منشأة السفير تم استبدال كل القيادة العليا ولم يتبق هناك إلا الضباط العلويون (لا سنة ولا شيعة) الذين يعتبرون موالين بصورة استثنائية.

          جهات امريكية أوصلت الى دمشق في الاسابيع الاخيرة رسالة حادة مفادها ان كل استخدام للسلاح الكيماوي سواء نحو الداخل أو نحو الخارج ستجر الى تدخل عسكري امريكي. الاسد لم يكن يرغب بالتأكيد بزيادة حدة وضعه وضم الولايات المتحدة الى المقاتلين ضده.

       الفجوة بين اسرائيل وسوريا

          كل شيء بدأ في حرب الخليج الاولى التي اندلعت بعد ان قام صدام حسين باجتياح الكويت. الولايات المتحدة شكلت ائتلافا دوليا وكان من المهم لها ان تشارك الدول العربية في هذا الائتلاف على الأقل بصورة رمزية. حافظ الاسد الذي كان قد أدرك مهب الريح في العالم بعد انهيار المعسكر الشيوعي استجاب بفتور للدعوة وأمر الفرقة التاسعة الميكانيكية بالانضمام الى القوات المهاجمة. هذه الفرقة لم تخض الحرب في نهاية المطاف إلا ان مجرد وجودها في ارض المعركة كان ذو أهمية هائلة. قائد الفرقة مع رئيس هيئة الاركان السوري حكمت الشهابي تواجدا في غرف قيادة الائتلاف وفي بعض الاحيان شاهدا عن بعد ارض المعركة التي أدخل الامريكيون اليها لاول مرة وسائل قتالية من أفضل الوسائل في العالم.

          السوريان أصيبا بالذهول. أكثر ما أثار ذهولهما كان السلاح الدقيق الذي استخدمه سلاح الجو الامريكي بصورة مكثفة ضد الحرس الجمهوري العراقي. الشهابي تأثر بصورة بالغة. في بداية آذار 1991 عاد الى دمشق وحدث حافظ الاسد عما رأيته عينيه وعيون ضباطه. في عام 2002 بعد ان تخاصم مع بشار الاسد سافر لزيارة ابنه الذي يدرس في لوس انجلوس واستخدم هذا السفر للفرار الى الولايات المتحدة. هناك قال الامور الدراماتيكية التي كان قد نقلها للرئيس السوري قبل 11 سنة.

          أحد الامور التي رواها الشهابي للامريكيين كانت انه إثر التقارير التي نقلها للاسد قام هذا الاخير بعقد سلسلة جلسات خلال النصف الثاني من عام 1991، تلك الجلسات التي أدارها بنفسه وحضرها قادة الجيش والاستخبارات ووكالات تطوير السلاح السوري. هذه الجلسات كانت على أهمية عميقة لما يجري من تطورات في الشرق الاوسط وهي ترتبط بصورة عميقة بالتوتر المتزايد في المنطقة في الاسابيع الاخيرة، وحالة التأهب التي اعلنها الجيش الاسرائيلي خشية استخدام سوريا للسلاح الكيماوي أو تسربه الى حزب الله.

          في خلفية جلسات 1991 كانت الخسارات المتكررة التي منيت بها سوريا في ارض المعركة في مواجهة اسرائيل. في حرب يوم الغفران فاجأت سوريا الجيش الاسرائيلي ولكنها لم تنتصر في الحرب رغم ذلك. رغم المساعدة السوفييتية السخية بالطائرات والبطاريات المضادة إلا ان طائرات سوريا لم تنجح في النفاذ الى مناطق اسرائيل واحراز التفوق الجوي. بعد الحرب وافق الاتحاد السوفييتي على امداد سوريا ببضعة عشرات من صواريخ ارض – ارض من طراز سكاد بي ذات مدى يصل الى 300 كم، إلا ان سوريا لم تكتف بذلك إذ ان هذا المدى يغطي فقط جزءا من مساحة اسرائيل، وهذا اذا كانت الصواريخ بجانب الحدود الامر الذي يعرضها للهجمات الاسرائيلية. في حزيران 1982 منيت سوريا بهزيمة مريرة مرة اخرى عندما أُسقطت عدة طائرات من سلاحها الجوي خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان. هذا في الوقت الذي لم تنجح فيه باسقاط طائرة اسرائيلية واحدة حتى. الرئيس الاسد وقائد سلاح الجو السابق بدءا يوجهان الموارد نحو غايات اخرى حيث سمح للخميني باقامة مليشيات شيعية مسلحة في لبنان (حزب الله)، وحول ميزانيات أقل للجيش النظامي السوري بينما قام بارسال المال المتبقي من هذه العملية لترميم سلاح الجو وتطوير الصواريخ.

          في آذار 1990 زار رئيس حكومة كوريا الشمالية، يي تشونغ – اوك، دمشق، وتم التوقيع على اتفاق سري للتعاون العسكري والتكنولوجي وكان في مركزه امداد سوريا بصواريخ سكاد سي. في مطلع شباط 1991 خرجت الشحنة الاولى من الصواريخ الى ميناء اللاذقية في شمالي سوريا. وكالة الامن القومي الامريكية كانت تعرف شيئا ما عما يحدث، كما علم الموساد لاحقا، ولكن امريكا خشيت من ان تقوم اسرائيل باستغلال المعلومات لمحاولة احباط هذه الشحنة ولذلك لم تعلمها بالامر.

          إلا ان اسرائيل كانت تمتلك مصادرها الخاصة. الموساد، كما كتب أحد مسؤوليه السابقين المقيم في كندا حاليا واسمه مايكل روس في كتابه "المتطوع"، تابع مسار الشحنة. عملاء شعبة قيساريا المدربين على التغلغل في الدول العربية كمنوا للشحنة في المغرب. الخطة كانت وضع قنبلة موقوتة على جسم السفينة. طائرة اف 15 اسرائيلية تابعت المسار من اجل اطلاق صاروخ توربيدو نحو السفينة قبل وصولها الى ميناء اللاذقية وتفجيرها. ولكن رئيس الوزراء اسحق شمير قرر الغاء العملية في نهاية المطاف خشية حدوث حرب واسعة النطاق في الشرق الاوسط.

          الشهابي حدث الامريكيين بأنه خلال اللقاءات التي جرت بعد حرب الخليج قال الاسد ان الافتراض الأساسي بالنسبة له يجب ان يكون: اذا كان لدى الامريكيين مثل هذا السلاح المثير فهذا يعني ان اسرائيل تمتلك نفس الأدوات، الامر الذي يوسع الفجوة التكنولوجية والنوعية بين الجيشين (الاسد نسب ذلك فقط الى الوسائل القتالية وليس كما يدعون في اسرائيل بتعال معين الى جودة اعداد القوى البشرية). على حد قول الشهابي في جلسات القيادة السورية تم الاتفاق على ان مجمل ديون سوريا وروسيا من صفقات السلاح يبلغ 11 مليار دولار. لم تكن لدى الاقتصاد السوري المنهار مصادر لدفع الدين. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لم توافق روسيا على امداد السوريين بالمزيد، وأعلمتهم أنها ترفض امدادهم بصواريخها المضادة للطائرات المتطورة التي طلبت دمشق شراءها.

          الشهابي اضاف بأن الاسد تحدث في هذه الجلسات ايضا عن بقاء الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة في العالم، وإثر سلسلة من الجلسات اتخذ الاسد عدة قرارات مصيرية بالنسبة لسوريا. أولها: الاستجابة غير المتحمسة لدعوة الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر مدريد خلافا لكل ما صرح به سابقا. ولكن الى جانب هذا القرار المعتدل سياسيا اتخذت قرارات اخرى. الاسد أعلن انه لا يعتقد ان من الممكن اغلاق الفجوة النوعية بين الجيشين في المستقبل المنظور، ولذلك يتوجب توفير الموارد نحو آفاق اخرى في محاولة لبلورة "وزن مضاد" للقوة العسكرية. الأفق المركزي الذي قرر الاسد السير فيه كان اقامة سلاح الصواريخ المنفصل الواسع القوة وتزويد هذه الصواريخ برؤوس كيماوية فتاكة.

       بمساعدة المستشار الروسي

          في أساس التركيز على الصواريخ كان هناك افتراض من الاسد بأن سلاح الجو السوري ليس قادرا على النفاذ من الدرع الجوي الاسرائيلي، إلا ان وابل الصواريخ سينجح في فعل ذلك. وبعد حين من ذلك الوقت تبنى حزب الله والتنظيمات الاسلامية الفلسطينية نفس الافتراض. إثر ذلك القرار تم توقيع عقود جديدة مع كوريا الشمالية، في المرحلة الاولى تم تزويد سوريا بـ 500 صاروخ سكاد سي ذات مدى 500 كم، ولكن السوريين لم يرغبوا في ان يكونوا معتمدين على الدول الاخرى وخافوا من اغلاق الاسواق العالمية إثر منظومة الرقابة الدولية الآخذة في التشدد. منذ 1995 تقوم سوريا بانتاج دوري لصواريخ سكاد سي. الانتاج تم في البداية برقابة دائمة من بعثات المهندسين الكوريين الشماليين وبعد ذلك نجح السوريون في شراء المعلومات والتجربة الكثيرة بأنفسهم.

          سكاد سي يغطي كل مساحة اسرائيل، ولكن الوصول الى جنوب الدولة يلزمهم بوضع الصواريخ بجانب الحدود. الاسد أمر بتحويل اموال هائلة للبدء في انتاج صواريخ سكاد دي ذات مدى 700 كم. في نهاية ايلول 2000 أجرت سوريا عدة تجارب ناجحة على صواريخ سكاد دي التي وصلت الى مدى 580 كم. في بداية تموز 2001 كشفت منظومة اسرائيلية حديثة لرصد الصواريخ عملية اطلاق لصاروخ سكاد من منطقة حلب في شمالي سوريا حتى هبوطه، على مسافة 700 كم من هناك في جنوب سوريا. سكاد دي يتيح للسوريين نشر اسلحتهم بصورة واسعة ومرنة.

          الترسانة الموجودة لدى السوريين تصل اليوم الى 500 صاروخ سكاد من طراز بي وسي، و60 قاعدة اطلاق صواريخ لكل واحد منها. سكاد بي قادر على حمل رأس متفجر وزنه ألف كغم لمسافة تصل الى 300 كم، وصواريخ سكاد سي تستطيع حمل رؤوس تزن 770 كغم الى مسافة تصل 500 كم. وفقا للتقديرات الاستخبارية الاسرائيلية تملك سوريا 250 صاروخ سكاد دي ذو مدى 700 كم. قسم من الصواريخ ذات محركات وقود مضغوط. هذا يعتبر انجازا هاما لسوريا لأن جهاز الدفع الصاروخي الذي يعمل على الوقود السائل يتيح شحنها قبل الاطلاق فقط. الحديث يدور عن مادة سامة جدا وقابلة للسقوط التي تشكل خطرا صحيا على عناصر طواقم الصواريخ وقد تشتعل بسهولة. والأخطر من ذلك: الحاجة الى تزويد الصاروخ في الأجواء المفتوحة، أي خارج المكمن الذي تُخزن فيه وقبل الاطلاق تماما، تتمخض عن فترة زمنية طويلة نسبيا يكون فيها الصاروخ وطاقم الاطلاق معرضين للاكتشاف والضربات من الخصم، على سبيل المثال وحدة السكاد سي السورية تشمل في العادة 18 قاعدة اطلاق و50 صاروخا. عملية الاعداد للاطلاق الاول تستغرق ساعة ونصف، وهذه تعتبر فترة زمنية أبدية في المصطلحات العسكرية من حيث التعرض للهجمات الجوية المعادية. أما الوقود المضغوط فهو موجود في الصاروخ طوال الوقت وكل ما هو مطلوب فقط جر القاعدة نحو الخارج واطلاق الصاروخ.

          في موازاة التزود بالصواريخ بدأ السوريون يبذلون جهودا كبيرة لشراء سلاح كيماوي. الاعتقاد الاول كان استخدام هذا السلاح كوسيلة تكتيكية في حرب المدرعات في ارض المعركة مع اسرائيل بصورة تمس بطواقم الدبابات أو على الأقل منعها من أداء دورها. في وقت لاحق عندما توصل الاسد الى الاستنتاج بأن من المحظور عليه اطلاقا الوصول الى مجابهة مباشرة كلاسيكية مع اسرائيل كان الهدف من هذا السلاح ردع اسرائيل عن مهاجمة سوريا تحت التهديد بأن ذلك سيدفع الى استخدام السلاح الكيماوي ضد المدن الاسرائيلية.

          سوريا لم توقع على معاهدة منع نشر السلاح الكيماوي الدولية، وبدأت بانتاج هذا السلاح في اواسط الثمانينيات. في البداية أنتجت قنابل معدة للالقاء من الطائرات المملوءة بغاز السارين. في وقت لاحق تم تطوير رؤوس قتالية لتركيبها على صواريخ سكاد السورية. مصادر استخبارية اسرائيلية تقول ان جوهر العتاد والمعلومات الخاصة بانتاج السلاح الكيماوي جاء من الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا الى جانب جهات خاصة في غرب اوروبا واليابان.

          في اواسط التسعينيات نجحت سوريا في انتاج السلاح الكيماوي الفتاك جدا – في إكس. هاتان مادتان تُحفظان بصورة منفصلة عن بعضهما البعض داخل الرؤوس القتالية الصاروخية. وعندما تصيب الارض تختلط مع بعضها فتصبح مادة فتاكة بصورة خاصة، وخلافا لباقي الاسلحة الكيماوية هذا السلاح لا ينتشر بعد ايام. المعلومات الخاصة بانتاج هذه المادة جاءت تحديدا من مستشار بوريس يلتسين لقضايا تفكيك السلاح الكيماوي الذي كان في ذلك الوقت يمتلك صلاحيات رسمية عليا جدا في روسيا في هذا المجال. الجنرال ناتولي كونتشيفس دميانوفيتش، مواليد 1934، كما يعتقد الموساد، كان خبيرا في الفيزياء والكيمياء العضوية ويعتبر مسؤولا رفيعا في هذا المجال في الاتحاد السوفييتي، وكان من كبار قادة مشروع السلاح الكيماوي السوفييتي السري جدا. مع انهيار الاتحاد السوفييتي قرر يلتسين تفكيك هذه المنظومة الشهيرة وعين الجنرال مسؤولا عن ذلك بما في ذلك المفاوضات حول الامر مع الولايات المتحدة. إلا ان دميانوفيتش أراد ايضا ان يكسب لنفسه. تحت غطاء زيارة عمل روتينية لسوريا في 1995 في اطار العلاقات العسكرية الجيدة التي تبقت بين الدولتين (ما زال الروس يمتلكون قواعد استخبارية في هضبة الجولان وشمالي سوريا) بدأ في اقامة علاقات شخصية مع قادة الحكم في سوريا. وحصل منهم على مبالغ هائلة وزودهم بالمعلومات وبعض العتاد التي اشتراها من اوروبا لانتاج هذا السلاح.

          بعض المعلومات حول الصفقات وصلت الى علم الموساد في 1998. رئيس الوزراء باراك حاول تحذير قادة الحكم في موسكو مما يفعله الجنرال إلا ان ذلك لم يجدِ نفعا. بدا ان الرئيس يلتسين لا يستطيع أو لا يريد التدخل. مايكل روس يدعي انه عندما رأى الاسرائيليون ان الضغط لا يجدي نفعا، قام عدد من عملاء الموساد في اوروبا بالتنكر بصورة باحثين مستقلين يقومون بانتاج فيلم وثائقي عن قضية الحرب الغازية. هم اتصلوا مرارا وتكرارا بمصادر عليا في الكرملين والجيش الاحمر وقالوا انهم يمتلكون معلومات تفيد بأن دميانوفيتش يقوم ببيع السلاح الكيماوي لسوريا. القصد كان اخافة موسكو من أن هذه المعلومات توشك على الانتشار قريبا، إلا ان ذلك ايضا لم يجد نفعا، ولم تفعل موسكو شيئا ضد الجنرال باستثناء توجيه تحذير شديد له.

          في اسرائيل غضبوا. في التاسع والعشرين من نيسان 2002 مات الجنرال خلال رحلة من حلب الى موسكو في ظروف ما زالت غامضة حتى يومنا هذا. وثيقة سرية جدا خاصة بالـ سي.آي.ايه من تلك الفترة تفيد بأن سوريا قد نجحت في انتاج كميات كبيرة من السلاح الكيماوي حتى ذلك الحين، وانه هناك احتمال كبير في ان تكون سوريا ما زالت حتى الآن تقوم بانتاج قدرات هجومية بالسلاح البيولوجي.

       المواقع المركزية

المساعي السورية لانتاج السلاح الكيماوي والبيولوجي تبذل بالاساس عن طريق "مركز الابحاث والدراسات العلمية" الذي أُسس في عام 1971 وعمل بأسماء مختلفة في موازاة مراكز الابحاث والجهات التجارية الغربية الى ان تم تشخيصه والتعرف عليه من قبل الاستخبارات الامريكية والفرنسية باعتباره هيئة جبهوية لجهاز الامن السوري ولذلك تمت مقاطعته.

          هذا المركز يعمل بخضوع مباشر لرئيس الدولة حيث يعمل قادته كمدراء في مؤسسات اخرى في الجهاز، مثلا رئيس الوكالة هو ايضا أحد مدراء المجلس الاعلى للابحاث العلمية والوكالة السورية للطاقة النووية. مكانته توازي مكانة وزير بارز في الحكومة. وفي هذه الوكالة تنشط مؤسسة عليا لاعداد العاملين في الاختصاصات العلمية التي هي في الواقع مدرسة عليا لاعداد الوكالة لعامليها في الانشطة المختلفة. في السياق تقوم المؤسسة باعداد مهندسين للاجهزة الالكترونية والميكانيكية ومهندسين للبرامج والاختصاصات الجوية والبيولوجية والكيماوية. مركز الابحاث هذا يقوم ايضا بتفعيل المنشآت المركزية لانتاج وتخزين صواريخ ارض – ارض والسلاح الكيماوي السوري التي يعمل بها حوالي 10 آلاف شخص حسب التقديرات الاستخبارية. هناك منشأتين مركزيتين، الاولى بجانب الموقع الحصين بجوار مصياف الذي بني في القرن الثامن للميلاد، وهي منطقة تقع في منتصف الطريق بين بانياس وحماة شمال غرب سوريا. أما الثاني فهو موقع السفير شمالي دمشق، وفي هذا الموقع ينتج السوريون سلاحا كيماويا من نوع السارين والـ في.اكس وهناك يخزنون ايضا بعض صواريخ وقواعد سكاد. الى جانب هاتين المنشأتين هناك مراكز صغيرة اخرى تعمل كأطر منفصلة داخل قواعد سلاح الجو السورية بجانب حماة وحمص.

          صور اقمار صناعية لموقع السفير المركزي الذي يعتبر المكان الأكثر حماية في سوريا باستثناء المنشآت العسكرية الرئاسية في دمشق، تظهر ان صواريخ سكاد لا تنتج هنا وانما تُجلب للمكان من موقع آخر وتخزن في الانفاق تحت الارض. هذا الموقع هائل الاحجام ويمتد على عشرات الكيلومترات ومركب من عدة أجزاء ومحاط بطرق للدوريات وجدران مزدوجة عالية. صور الاقمار الصناعية تظهر الاستثمارات الهائلة السورية التي بذلت على حماية المكان خشية تعرضه للهجوم الاسرائيلي بما في ذلك منطقة انتاج السلاح الكيماوي الضخمة ومنطقة تخزينه في المخابيء الاسمنتية المضادة للهجمات الجوية ومن ضمن الاسلحة المخبأة هناك صواريخ متطورة جدا وتتسبب بوجع رأس غير بسيط لسلاح الجو الاسرائيلي وهي صواريخ بانتسير اس.إي22.

          من يحاول الاقتراب فقط من السفير سيصطدم على مسافة كيلومترات منه بحاجز الطريق الاول الذي يعتبر مقدمة لسلسلة حواجز وتفتيشات مشددة يجتازها كل من يطلب الدخول الى الموقع.

          وحدات مختارة من سلاح المشاة تعود لسلاح الجو تتولى الحراسة المشددة وهي تعتبر موالية جدا للنظام وللرئيس، حيث لم تتعرض حتى اليوم إلا لحالات فرار قليلة جدا. الصور الجوية تظهر الافضلية والامتيازات المعطاة لمن يعملون في مجالات الصواريخ في سوريا. المساكن في السفير فاخرة وفيها بركة سباحة ومنطقة عشبية وهي أفضل بكثير مما جرت عليه العادة في المنشآت العسكرية السورية الاخرى.

       الاستخبارات شاهدت شاحنات

          بشار الاسد حل محل ابيه في حزيران 2000. وأدخل تغيرات واصلاحات على المنظومة الامنية السورية وعين الجنرال محمد سليمان مركزا لكل المشاريع الخاصة بما في ذلك المسؤولية عن الترسانة الكيماوية السورية. الرئيس الجديد استخدم العلاقات القائمة مع كوريا الشمالية ووقع صفقة لامداده بمفاعل نووي قامت اسرائيل بتدميره في ايلول 2007. بتشجيع من سليمان (الذي تم اغتياله حسب اعتقاد السوريين على يد وحدة خاصة اسرائيلية في آب 2008) عزز الاسد علاقاته مع حزب الله. جل العلاقات أُقيم بوساطة سليمان وعماد مغنية، القائد العسكري للتنظيم الذي اغتيل في دمشق في عام 2008 على يد الموساد كما يشيرون.

          الاسد غير نهج والده تجاه حزب الله كليا واستبدل غض الطرف عن امدادات السلاح الايرانية احيانا عبر الاراضي السورية بمساعدة عسكرية مكثفة. في صيف 2006 في حرب لبنان الثانية سيطر الجيش الاسرائيلي على ترسانة السلاح التابعة لحزب الله واكتشف وسائل قتالية سورية فيها حيث لم يتمكنوا من حذف اسم المنتج عنها. مركز الابحاث والدراسات العلمية SSRC. الاسد قام بأمر أكثر أهمية: نقل 70 – 100 صاروخ من كافة الانواع الموجودة في ترسانته الى حزب الله في المواقع التي بنيت من اجل تنظيم حزب الله في غرب سوريا. المقصود كان امداد هذا التنظيم بقدرات استراتيجية وكذلك تحصينه من الهجمات الاسرائيلية من خلال وضعه داخل سوريا حيث تخشى اسرائيل من التحرك هناك.

          في الوضع الناشيء اليوم يمكن لحزب الله ان يطلق صواريخ الى كافة أجزاء اسرائيل تقريبا. مع اندلاع الحرب في صيف 2006  قال رئيس الموساد حينها مئير دغان ان لا جدوى من مهاجمة حزب الله من دون ابادة القواعد الموجودة في سوريا، وفي نهاية المطاف قرر اولمرت عدم شن الهجوم على هذه القواعد خشية نشوب حرب شاملة مع سوريا.

          في شباط 2010 شخصت الاستخبارات الاسرائيلية قافلة شاحنات تنطلق من السفير مجتازة الحدود الى داخل لبنان. في اسرائيل اعتقدوا ان الشاحنات تحتوي على قطع من صواريخ سكاد التي يزود بها حزب الله في لبنان. هذا كان اجتيازا للخطوط الحمراء في نظر اسرائيل وطرح اقتراح على نتنياهو بضرب القافلة. نتنياهو تردد وفي نهاية المطاف قرر عدم شن الهجوم. بدلا من ذلك نقلت المعلومات للامريكيين. في الاول من آذار دُعي السفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، على عجل لوزارة الخارجية وهناك تلقى تحذيرا شديد اللهجة مفاده ان نقل الوسائل القتالية لحزب الله  يخرق التوازن وقد يؤدي الى نشوب حرب. السوريون توقفوا عما يفعلونه على الأقل في تلك الفترة.

          مصدر استخباري اسرائيلي مختص في مجال السلاح الكيماوي السوري يقول انه اذا نقل السلاح الى حزب الله فهذا لا يعني انه سيعرف كيف يستخدمه لأنه سلاح معقد ويحتاج الى عدد كبير من الاشخاص والمعلومات لاستخدامه بنجاعة. التطورات المختلفة بصدد الترسانة الكيماوية والصاروخية السورية لم تمر من دون تطرق من قبل اسرائيل. هذه الترسانة كانت في أساس قرار اسرائيل بذل ميزانيات هائلة بدعم امريكي لتطوير منظومة "حيتس" المضادة للصواريخ التي تعتبر اليوم المنظومة الأكثر تطورا في العالم والتي يفترض بها ان تحمي اسرائيل من الصواريخ التي تطلق باتجاهها من ايران أو من لبنان. وفي موازاة ذلك تبذل اسرائيل جهودا كبيرة للتأكد من ان اغلبية السكان سيحصلون على أقنعة واقية من المواد الكيماوية.

 

       الورقة الاخيرة

          في اسرائيل وخصوصا في شعبة الاستخبارات العسكرية بذلت في العشرين سنة الاخيرة موارد كثيرة في محاولة لدراسة المنظومة الصاروخية السورية. في اسرائيل يتابعون الاستراتيجية القتالية السورية بالغازات – أي متى ستستخدم سوريا هذا السلاح وما هو خطها الاحمر وإن كانت على العموم ستتجرأ على مهاجمة اسرائيل بهذا السلاح الذي قد يثير رد فعل اسرائيلي صعب. "بصورة عامة"، يقول مصدر استخباري اسرائيلي، "من الواضح انهم يرون بالسلاح الكيماوي عموما منظومة استراتيجية تحاول موازنة القدرات الاسرائيلية. في العادة يوجه السلاح الاستراتيجي لأن يكون المخرج الاخير لمن يستخدمونه. ونحن نعتقد ان السوريين ينظرون اليه على هذا النحو".

          وفقا للتقديرات في اسرائيل منذ عشر سنوات هناك في كل لحظة معينة عدة صواريخ مزودة بسلاح في.اكس جاهزة للاطلاق في سوريا في حالة حدوث هجوم اسرائيلي فجائي. اسرائيل تخشى من ناحيتها من الهجمة السورية الفجائية كما حدث في تشرين الاول 1973 ولذلك طالبت في اطار مباحثات السلام السرية التي جرت في فترة اهود باراك كرئيس للوزراء بضمانات شديدة بأن لا تهاجم سوريا اسرائيل بما في ذلك تحريك"فرقة الصدمة" السورية الى الخط الواقع شمالي دمشق. بصورة غريبة قضية السلاح الكيماوي تحديدا لم تطرح على المداولات حتى من قبل اسرائيل نفسها.

          أحد المشاركين الكبار في تلك المفاوضات يقول: "قبل توجهنا الى الولايات المتحدة تلقينا تقريرا كاملا حول مواقع وكميات انتاج وتخزين السلاح الكيماوي والتهديد الشديد الذي يلوح منه لمواطني اسرائيل. في نهاية المطاف نشأ حول طاولة المفاوضات نوع من توازن الرعب بالغمز: نحن لا نذكر السلاح الكيماوي السوري ومطلبنا بتفكيكه – وهم لا يتحدثون عن مفاعل ديمونة وما يحدث فيه. كان من الواضح للجانبين من دون ان نتحدث عن ذلك علانية ان طرح القضية سيعقد المسألة بصورة ملموسة".

          في نهاية المطاف فشلت المباحثات رغم ان قضية السلاح غير التقليدي لم تطرح. تهديد الصواريخ السورية المزودة بالرؤوس الكيماوية ما زال مركزيا في خارطة التهديدات التي تواجهها اسرائيل والتي تستوجب الاهتمام بها في الخطط القتالية الاسرائيلية. من الناحية الاخرى يتوجب ان نذكر  ان اسرائيل قد هاجمت سوريا ثلاث مرات في السنوات الثلاث الاخيرة على الأقل من دون استفزاز مسبق – قصف المفاعل في دير الزور وتصفية عماد مغنية في دمشق وتصفية الجنرال سليمان في طرطوس. رغم ذلك لم يرد الرئيس الاسد لا بالوسائل الكيماوية ولا بأي وسيلة اخرى. هناك في اسرائيل من يعتقد ان من الممكن اعتبار ذلك تلميحا ايجابيا بأنه شخص منضبط ومعتدل يمكن عقد اتفاق سلام معه.

          افتراض اجهزة الاستخبارات في غرب اوروبا هو ان الاسد لا يمتلك مصلحة في نقل اسلحته الكيماوية الى حزب الله. هو يعتبرها ورقة أخيرة في الساعة الاخيرة التي لم تصل بعد، وهو لا يريد فقدان السيطرة على هذه الورقة بالتأكيد. كما ان نصر الله من ناحيته لا يسارع الى حيازة سلاح الابادة الجماعية خشية ان يثير الامر حربا شمولية مع اسرائيل، وهو ليس معنيا بذلك الآن. في اوروبا يدعون انهم لم يروا بعد أية تدريبات أو تحضيرات من قبل حزب الله لاستيعاب السلاح الكيماوي، كما ان هذا التنظيم لا يمتلك القدرة على استخدامه.

          فهل يمكن ان يستخدم الاسد هذا السلاح كمخرج أخير؟ هنا ايضا تعطي المصادر الاوروبية تقديرا معتدلا ومطمئنا ومفاده: اذا كان الحكم في دمشق سيصل الى شفا الانهيار الحقيقي فسيفضل قادته التفكير بايجاد ملجأ لأنفسهم على ان يقوموا بخطوة انتحارية كاستخدام السلاح الكيماوي. المطلوب الآن فقط التأكد من صحة اعتقادهم.