خبر فوضى ذرية ..بقلم: بن كاسبيت .معاريف

الساعة 08:34 ص|03 أغسطس 2012

هكذا، الى هذا الحد أو ذاك، يقدرون في الغرب كيف سيبدو الهجوم الامريكي على مواقع نووية في ايران اذا ما وعندما. الضربة ستبدأ بهجوم من عشرات، بل وربما مئات صواريخ "تومهوك" على حشود الدفاع الجوي الايرانية، مراكز التحكم والرقابة، مقرات القيادة المركزية وقواعد الرادار والاستخبارات الهامة. وستطلق الصواريخ من كل مكان يمكن للولايات المتحدة أن تطلقها منها، وهذا يعني تقريبا من كل مكان ممكن على وجه الكرة الارضية. بالمناسبة، من قواعد في البحرين والسعودية أيضا أو من السفن التي تبحر في البحر المتوسط، من طائرات، من قواعد استراتيجية ومن سفن الاسطول التي احتشدت امام شواطيء ايران (ولكن خارج مضائق هرمز). اصابة الصواريخ ستكون موضعية، دقيقة وفتاكة حتى جدا. وعدد القتلى من بين "غير المشاركين" يفترض أن يكون بالحد الادنى. هجوم منسق كهذا سيستغرق دقائق عديدة وبعدها ستكون سماء ايران آمنة نسبيا للطائرات الامريكية.

هذا سيبدأ قبل ذلك. حسب قرار الرئيس الامريكي براك اوباما (او ميت رومني وان كانت فرص انتخاب رومني، كما تبدو الان، هزيلة جدا. فهو يتخلف تخلفا كبيرا في ثلاث ولايات حرجة، فيلادلفيا، اوهايو وبنسلفانيا) ستحشد القوة العظمى الامريكية قوة بحرية وفيها ثلاث حتى أربع حاملات طائرات امام شواطيء ايران. والتقدير هو أن الامريكيين سيمتنعون عن الدخول الى مضائق هرمز، الامر الذي قد يشعل المنطقة بأسرها حتى قبل تقلع القاذفة الامريكية الاولى. ليس لهذا حاجة حقيقية. قوة مهمة في مركزها ثلاث حاملات طائرات بما في ذلك عشرات السفن الحربية من أنواع مختلفة. ولكل حاملة طائرات جيش يرافقها خاص بها يضم سفن مساعدة عديدة، بارجات، غواصات، كاسحات الغام، سفن صواريخ، سفن رادار واستخبارات وسفن توريد. هذا الاسطول يحمل عليه قوات التدخل الخاصة للبحرية والقوات الخاصة الاخرى (navy seals) للحالات التي تكون فيها حاجة الى عمل بري دقيق داخل ايران.

كيف نفهم: حاملتا الطائرات الامريكية تحملان على دكتيها ما مجموعه حجم سلاح الجو الاسرائيلي. توجد فيها أكثر من أربعمائة طائرة للقتال والقصف من كل الانواع. لدى الامريكيين 11 حاملة طائرات. في هذه اللحظة يوجد في الخليج الفارسي حاملتا طائرات كهذه. بالمناسبة، هما تكفيان لتنفيذ المهمة. ولكن الامريكيين هم شعب جذري وعنيد. بشكل عام يستغرقهم الامر الكثير من الوقت الى ان يحركون انفسهم ويفعلون شيئا. ولكن عندما يفعلوه فانهم لن يتخذوا مخاطر زائدة. اذا كان سلاح الجو الاسرائيلي يحتاج الى الطيران 1.200كم كي يصل الى اهدافه فوق ايران، ويعود ايضا المسافة نفسها، فالحديث يدور عن 2.500 كم بالاجمال يفترض بالطيارين ان يقطعوها فوق اراضٍ معادية كثيرة الدفاعات الجوية الفتاكة، ان يشحنوا الطائرات مرة أو مرتين في الهواء، وبعد كل وجع الرأس هذا ستتبقى لهم دقائق قليلة ليكونوا فوق الاهداف، فان الامريكيين ببساطة يأخذون سلاح جو اسرائيلي كامل، او اثنين، ويضعونه أمام ايران، في مدى لمسة، يا له من بسيط.

أن نكون أو لا نكون

بعد الانتشار في الميدان، سيأتي الانذار. الرئيس الامريكي سيلقي خطابا حازما يعرض فيه أمام القيادة الايرانية الخيار البسيط: الوقف الفوري للبرنامج النووي، اخراج اليورانيوم المخصب من الدولة، اغلاق مواقع أجهزة الطرد المركزي (وبالاساس الموقع التحت أرضي في قم)، وقف البرنامج العسكري ونشاط "مجموعة السلاح". بالمقابل، يزود الغرب ايران بمفاعلات نووية مدنية لاغراض الطاقة. ويحصل الايرانيون على ايام معدودة للاستجابة لهذا العرض (الذي لا يمكن رفضه)، او يرفضون. لن تكون مفاوضات جديدة، لن تكون تأخيرات ولن تكون اتصالات. هذا سيكون مثابة إما أن تأخذه او تدعه (Take it or Leave it). اذا قرر الايرانيون التجاهل، فسينزل عليهم هجوم صواريخ التومهوك وفوره، الجحيم.

الهجوم على العراق أسماه الامريكيون shock and awe الصدمة والذهول، وهذا بالفعل حقق نجاحا مثيرا للدوار وشتت جيش صدام حسين الى كل صوب (وان كان لاحقا تعرض الامريكيون أنفسهم لموجة من الارهاب). هذه المرة، حسب التقدير، لا تعتزم الولايات المتحدة الدخول بريا في ايران في أعمال هامة. هذه المرة ستستخلص دروس العراق وافغانستان. لن يكون تدفق لمئات والاف التوابيت المغلفة بالاعلام الامريكية الى واشنطن، ولن يكون "وحل ايراني".

بعد صواريخ تومهوك سيأتي دور القاذفات الاستراتيجية. الولايات المتحدة دشنت الاسبوع الماضي رسميا "كاسحة الخنادق" الجديدة لديها. فتفضلوا للتعرف على GBU-57، والذي يسميه الامريكيون bunker buster بالاجمال 300 مليون دولار للبحوث، التطوير والاطلاق (شركة بوينغ) تزن اكثر من 13 طن، منها 5 طن مادة متفجرة. لها أيضا اسم محبب: MOB والتي هي الاحرف الاولى من كلمات "أُم كل القنابل". وأنتم لن ترغبوا في أن تكونوا في المكان الذي تسقط فيه. وكان تطويرها اكتمل قبل بضعة اسابيع من البشرى الرسمية وحسب مصادر في واشنطن باتت على خط الانتاج. قدرة اختراقها هو 61 متر اسمنت او صخر جبلي. اكثر بكثر من قدرة اختراق قنابلنا. مثل هذه القنبلة لا يمكن حملها على اف 15 او اف 16. وهي تزن اكثر بكثير من كل الطائرة. مثل هذه القنبلة تلقى من قاذفة استراتيجية ثقيلة، تقلع من قاعدتها في مكان ما (للامريكيين قواعد كهذه حول العالم، ومعقول الافتراض بانها في حالة ايران ستقلع من "دييغو غارسيا" التي في المحيط الهندي).

لدى الامريكيين توجد كمية كبيرة من القاذفات الاستراتيجية، بعضها متملصة، يمكنها أن تصل بسهولة الى سماء ايران. وهي لا تهبط الى الهدف (هذا العمل انتهى منذ زمن بعيد) وهي ايضا لا تطلق اليه القنبلة وتوجهها بالليزر او بطريقة اخرى. أُم القنابل تلقى على هدفها بشكل ذاتي. ومثلما ذات مرة، الطائرة تمر فوق الهدف وببساطة تحرر القنبلة فوقه. لا يدور الحديث عن أهداف صغيرة، بل عن مواقع كبيرة. في احدى الحالات، عن مبان اسمنتية هائلة. في حالة ثانية، ينبغي حلاقة صخر الجبل. ما سنراه في سماء ايران هو طيران قاذفات استراتيجية تطير في ارتفاع هائل، تكاد لا تكون قابلة للاصابة بنار مضادات الطائرات وترهات هذا العالم، ببساطة تضع على مواقع النووي الايراني كميات كبيرة من القنابل بوزن 13 طن لكل منها. لن يبقى الكثير هناك بعد كل هذا.

ضربات قاتلة

          الهجوم الامريكي يفترض أن يستمر بين يومين وشهرين. هذا منوط بالايرانيين. مبدأ واحد واضح سيوجهه: حد ادنى من الاصابة للمواطنين الايرانيين. ولكن الامر سيشترط بالرد الايراني. اذا رد الايرانيون بشكل معقول، حاولوا اعتراض او اسقاط الطائرات الامريكية وضرب الاسطول الامريكي، فان الامر سيستقبل في الولايات المتحدة بتفهم. هذه هي قواعد اللعب. اذا حاول الايرانيون احراق الخليج، ضرب السعودية، الامارات، وبالطبع اسرائيل، سواء بأنفسهم أم من خلال وكلائهم في لبنان، في سوريا او في غزة، ففي مثل هذه الحالة ستصعد الولايات المتحدة المعركة جدا: ستهاجم اهداف استراتيجية في ايران، قواعد للحرس الثوري، وستبذل محاولة لتوجيه ضربة حقيقية للقوة العسكرية الايرانية والحاق اكبر قدر من الضرر بها. وهكذا دواليك: رموز السلطة المباشرة، اهداف اقتصادية وهامة وهلمجرا.

          كلما رفع الايرانيون السقف هكذا سيرد الامريكيون، حين تكون المعادلة واضحة من اللحظة الاولى: الايرانيون سيقفون أمام خيار السير في التيار مع الهجوم الامريكي في اطار قواعد اللعب، او محاولة احراق النادي واخذ المخاطرة في ان يحترق عليهم. لا تستبعد امكانية أن يرسو المزيد من حاملات الطائرات الامريكية امام شواطىيء لبنان مع وحدتها البحرية، كتلميح واضح على نحو خاص لنصرالله.

          وسيكون المسعى باتجاه احتواء الحدث قدر المستطاع وتركيزه على النووي الايراني كي لا يتطور الى حرب اقليمية واسعة. معظم المقدرين في الولايات المتحدة يعتقدون بانه في مثل هذا الوضع ستتغلب الحكمة الايرانية وايات الله سيفهمون، على جلدتهم، بان من الافضل لهم أن يخفضوا الرأس وان ينتظروا مرور هذا، من أن يعربدوا فيتلقوا ضربات قاتلة. الحساب يمكنهم ان يجبوه من الامريكيين بوسائل كثيرة اخرى، ولا سيما بالارهاب، عندما يكون الامر مريحا لهم.

          التقدير هو أن مثل هذا الهجوم لن يمحو البرنامج النووي في ايران، ولكنه سيعيده شوطا بعيدا الى الوراء. بين خمس وعشر سنوات. وهذا تغيير استراتيجي. لا حاجة الى أكثر. وهو ممكن فقط باستخدام قوى قوة عظمى. من ناحية الولايات المتحدة هذا ليس حدثا بحجم تاريخي. طالما لا تشارك قوات برية، فليس هنا قصة كبيرة. لا مخاطرة استراتيجية اكبر مما ينبغي. سعر النفط؟ هذا ايضا ليس فظيعا بالقدر الذي يبدو عليه. مع بدء الهجوم الامريكي ستتوقف تجارة النفط لاسبوع حتى اسبوعين. ولدى الولايات المتحدة والغرب مخزونات استراتيجية هائلة من النفط ستدخل الى حيز الاستخدام. وعلى فرض أن الايرانيين سيختارون الخيار العاقل ولن يحرقوا الخليج بأسره، فان هذا الحدث يمكن أن يمر بسلام نسبي بل وربما يؤدي الى انخفاض دراماتيكي في اسعار النفط للمدى المتوسط، حين يكون واضحا بان الازمة باتت خلفنا وليس هناك ما نخاف منه. او لا. في كل الاحوال، هذا لا يعود يهم اوباما حقا، إذ انه سيكون في أعماق ولايته الثانية.

لا يزال يوجد وقت

كل من له عينان في رأسه يفهم بان هجوما امريكيا كهذا أفضل بالاف المرات من كل ناحية كانت، من عملية عسكرية. سواء من حيث القدرة، أم من حيث النتائج ، ام من حيث الاثار المباشرة وغير المباشرة على اسرائيل. لقد سبق لكل شيء أن قيل وكتب في هذا الموضوع. ايهود باراك قال مؤخرا انه في حالة هجوم كهذا، لن يكون في اسرائيل 50 الف قتيل ولا 5 الاف. ربما 500. هذا الاسبوع اعلن بانه يستعيد كمامات الغاز لانه لا خطر بهجوم كيماوي على اسرائيل (نسي أن يبلغ بذلك ايضا مئات رجال وزارة الدفاع والجيش الذين يعالجون بالتوازي توزيع الكمامات على الاف المواطنين القلقين).

يوجد آخرون يعتقدون خلاف ذلك. وعلى حد قولهم، تحليلات باحثي التنفيذ على أنواعهم، تميل الى الاسفل. قسم كبير من اعداء اسرائيل، ممن قد يطلقوا نحوها صواريخهم، مزودون بصواريخ أدق واثقل مما تعرضنا له حتى اليوم. صواريخ طيرانها موجه تلقائيا ويعدل نفسه وهو يطير. يكفي ان يصيب صاروخ كهذا اصابة مباشرة هدفا استراتيجيا كي يضيف منزلة صفر آخر لعدد المصابين. نار مكثفة من الاف الصواريخ على اسرائيل ستجبرها على الخروج الى خطوة برية في لبنان، معناها الحرب، واذا كان خلف كل هذه القصة سيتأجل البرنامج النووي الايراني بسنة ونصف، كما نشر بان هذا ما نستطيع فعله، فان السطر الاخير سيشكل ضربة ساحقة للردع الاسرائيلي بصفته هذه.

قبل اقل من سنة اصطدم وزير الدفاع الامريكي ليئون بانيتا مع من كان رئيس شعبة الاستخبارات عاموس يدلين حول الموضوع. لا أحد في العالم، قال يدلين لبانيتا يصدق بانكم جديون حين تقولوا ان "كل الخيارات على الطاولة". منذئذ مرت سنة. اليوم بات الكثيرون يصدقون. الامريكيون أنفسهم شددوا جدا شكل صياغاتهم. الجدال يتبقى حول الجدول الزمني. الامريكيون يشرحون للاسرائيليين ان من ناحيتهم لا يوجد "مجال حصانة" ولا توجد قيود. مع قوة الولايات المتحدة يمكن مهاجمة ايران، حتى عميقا داخل الحصانة، وحتى اذا كانت حققت قدرة نووية ولم تبني بعد سلاحا نوويا. ويدور الحديث عن هدفين مختلفين. اورانيوم مخصب بالكميات اللازمة لقنبلة نووية ليس كل شيء. للايرانيين لا يزال شوط طويل غير بسيط الى ان يعرفوا كيف يركبوا رأسا متفجرا نوويا تنفيذيا على صاروخ شهاب. عندها فقط يصبح الامر تهديدا استراتيجيا يقيد الهجوم الوقائي. وعليه، على حد قول كل محافل التقدير، الامريكية والاسرائيلية على حد سواء، لا يزال هناك "مجال احباطي". وهذا يعني أننا لا نوجد بعد مع السكين على الرقبة. هذه ليست الدقيقة التسعين. ولهذا فان الامريكيين ينظرون الى الاسرائيليين في العيون ويقولون انهم سيسيرون في ذلك. وانه لن تكون لايات الله قنبلة. نقطة.

لا ثقة

ومن هنا نصل الى نقطة ارخميدس في كل القصة: نتنياهو وباراك لا يثقان باوباما وبانيتا. نقطة.  لا يوجد اليوم لرئيس وزراء اسرائيل علاقات ثقة استراتيجية مع الرئيس الامريكي يمكنها أن تخلق وضعا يجلس فيه اوباما مع بيبي في الغرفة البيضوية، ينظر اليه في العينين ويقول له: "يا بيبي، اعتمد علي. هذا لن يحصل، نقطة".  كانت ذات مرة علاقات كهذه. بين رابين وكلينتون. بين شارون وبوش. بين اولمرت وبوش. علاقات ثقة عمياء بين الزعيمين لا يكذب فيها الواحد على الاخر. اليوم هذا ينقص. غير موجود. وعليه، عندما جلس شاؤول موفاز مع نتنياهو وقال له: "يا بيبي، ابقِ هذا لهم، فهم يستثمرون الكثير، يعدون، يتدربون، يدرسون ايران"، اجابه نتنياهو ان "اوباما لن يهاجم". موفاز قال انه "يجب منحه فرصة"، وبيبي قال ان "هذا خطير. في الولاية الثانية سيهمه هذا أقل مما يهمه الان". هذا هو الجدال.

موفاز كان يمكنه أن يروي لبيبي حتى صباح الغد كيف قال له اوباما "انه مصمم على منع النووي عنهم". بيبي نفسه يسمع هذا على اساس شبه يومي من بانيتا، كلينتون، دونيلون واوباما نفسه. ولكن بيبي لا يصق. باراك ايضا لا يصدق او على الاقل يجعل نفسه لا يصدق. لو كانت ثقة تسود بين الطرفين لكان يمكن ببساطة النوم بهدوء. مواصلة بناء القدرة الاسرائيلية، الخيار العسكري، مهما كان محدودا، ولكن النوم بهدوء. اما في الوضع الحالي، فاننا سننام بهدوء في القبر. ليس مع هؤلاء الاصدقاء. قيد لنومنا ان يقض لزمن طويل آخر. وإن كان هذا الاسبوع على الاقل، في أعقاب زيارة بانيتا، ساد مرة اخرى هدوء ما في خطوط الجبهة المختلفة. الى حين اندلاع الفزع التالي.

ليس أقل توترا، في الزمن الاخير، في الجبهة الداخلية. بنيامين نتنياهو وايهود باراك لم يعودا صديقين مثلما من قبل. هذا ليس قطيعة استراتيجية بعد ولكن العلاقات متوترة. خط الشرخ الاول كان تقرير المراقب في موضوع مرمرة الذي توصل فيه بيبي، وسارة ايضا الى استنتاج صغير وهام. فقد تعلما ماذا يحصل لمن يلقي حماسته على عبقرية باراك. هذا ينتهي بشكل عام بالبكاء وهذه المرة وجدا نفسيهما في الجانب المتباكي.