خبر طريقة فريدة من نوعها لعمل الخير.. بقلم: د. رمضان طنبورة

الساعة 01:37 م|02 أغسطس 2012

(( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون))

بينما وأنا في إحدى جولاتي وزياراتي دولة قطر العزيزة من أجل تسويق مشاريع الجمعية التي تساهم في تخفيف معاناة شعبنا الفلسطيني وتعزيز صموده على أرض الرباط في فلسطين الحبيبة، شاء القدر أن التقي بشابان أحدهما قطري والأخر فلسطيني، وقد كان قد وقع على مسمعي ان هذان الشابان قد ابتكرا طريقة مميزة وفريدة من نوعها في تطوير الأعمال الخيرية، وبذلك ضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء، وسنوا سنة حسنة فلهم أجرها وأجر من عمل بها من بعدهم.

انطلقت فكرة الشابان المسلمان من غيرتهما على الاسلام والمسلمين، ومن اخلاصهما لله عز وجل وحبهما للخير والعطاء؛ للسائل والمحروم، والضعيف والفقير، والمريض واليتيم.

بدأت تجربة هذان الشابان باتفاقهما على تأسيس شركة صغيرة تقوم بأعمال التجارة، وبدأت هذه الشركة برأس مال بسيط، ولم يهتم هذان الشابان بتحقيق اقصى ربح لهما فقط، بل دفعتهما الغيرة على المسلمين وحرقتهما على الضعفاء والمحرومين والايتام والارامل والمساكين لأن يبتدعا سنة جديدة في عمل الخير لأجل المداومة عليه وتنميته واستمراريته جنبا إلى جنب تنمية اموالهم وعوائدهم، امتثالاً لقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح"من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا"أخرجه مسلم في صحيحه.

فما هي هذه السنة الحميدة التي ابتكرها الشابان؟

اتفق الشريكان على تخصيص يوم في كل شهر ليكون ايراده كاملاً للمشاريع الخيرية، ونقول ايراده وليس أرباحه، اي قيمة المبيعات كاملة دون استبعاد رأس مال البضاعة المباعة، ولأجل تحديد اليوم قاما بإجراء قرعة لاختيار يوم من أيام الأسبوع ليكون مخصصا للصدقات والمشاريع الخيرية والوقفية، وقد رست القرعة على يوم الإثنين، فاتفقا على أن يكون كامل إيراد يوم الإثنين من كل أول شهر مخصص لما سبق.

وقد كان ليوم الإثنين وقفات مشجعة وممحصة

وقفات مشجعة

تمحورت الوقفات المشجعة والتفاؤل باختيار يوم الاثنين، بأنه يوم مبارك، فيوم الاثنين له فضائله عند المسلمين، فهو اليوم الذي ولد فيه نبي الاسلام وحبيب الرحمن محمد رسول الانام عليه الصلاة والسلام، وهو اليوم الذي بعث فيه محمد صلي الله عليه وسلم، وهو اليوم الذي وصل فيه الرسول الي المدينة مهاجرا وكان صلي الله عليه وسلم يصوم هذا اليوم ويقول: "هذا يوم ترفع فيه الاعمال إلى الله واحب ان يرفع عملي وانا صائم".

وقفات ممحصة

تميز هذا اليوم عن باقي الأيام بأن المبيعات فيه قد تضاعفت مقارنة بالأيام الأخرى، وهذا من شأنه أن يحدث تآكل في رأس مال الشركة الذي أسسا به شركتهما وقدره حوالي 170 ألف ريال، وذلك لأن الشريكان قد قررا أن يتبرعا بايرادات ذلك اليوم وليس بربح مبيعاته، فاحتار الشريكان في هذا الأمر، فهما يريدان ان يحافظا على رأس مال الشركة من جهة، وبنفس الوقت يخشيان من تغيير نيتهما في تغيير اليوم، فازدادا حيرة من امرهما، ومن كثرة التمحيص... تارة يفكران بعمل قرعة لعل اليوم يتغير فتكون فيه المبيعات اقل، فيحافظان على رأس المال الذي به ينميان اموالهما، وتارة اخرى يتشاوران... إلا أن التردد كان سيد الموقف وقتئذ.

نداءان يتنافسان... نداء الدنيا ويلح على المحافظة على رأس مال الشركة بذريعة تنمية المال وزيادته، ونداء الحق جل في علاه (( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) وقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (( ما نقص مال من صدقة)) وأن التصدّق هو من صفات المؤمنين الكاملين الذين يعرفون أنّ ما عند الله باق وما عند العبد يفنى، وقول الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى، وما ورد عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم حينما دخل على عائشة رضي الله عنها وكانت توزّع شاة في سبيل الله فقال:”ما بقي منها؟“ فقالت عائشة: ”ذهبت كلّها وبقي كتفها“. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”بل بقيت كلّها إلا كتفها“ وذلك لأن ثوابها باق لا يضيع عند الله عزّ وجلّ.

وبعد أن علا صوت الحق، عزما اخوينا بالله أن يبقيا على يوم الإثنين دون أي تغيير، وما أن مضت فترة وجيزة إلا وفتح الله عليهما من بركاته وعطائه، صدق قول الحق في كتابه العزيز: ((مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ))

وبعد مرور ثمانية سنوات بلغ رصيد الشركة مبلغ ما يقارب 30 مليون ريال، وأصبح للشركة عدة فروع

وبينما كنت جالسا عند احدى الشريكان فإذا بالمحاسب يزوده بايراد يوم الاثنين للشهر الجاري لجميع فروع الشركة، فإذا به يبلغ 64 ألف ريال، أي بما يزيد عن ثلث رأس مال الشركة عند تأسيسها

هذا إيراد يوم في شهر، فتخيل معي ايها القارئ الكريم كم سيكون المبلغ الذي تبرعا به هذان الشابان خلال الثمان سنوات الماضية؟

قد سألت أحد الشريكين لأخفف عنك ايها القارئ عناء الحساب والتقدير، إلا انه لم يفصح ابتغاء الأجر من الله تعالى، فكانت الاجابة: فاعلا خير تبرعا بمبالغ طائلة لأعمال البر والإحسان....وعند الله عطاء غير مجذوذ، قال تعالى: ((وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ))

وكذلك فقد خصصا الكثير من المشاريع الخيرية في فلسطين الحبيبة وخاصة قطاع غزة في ظل الحصار الغاشم ، وكذلك فقد عم الخير الكثير من البلدان الاسلامية التي تعاني من الفقر ، وقد أكرمهما الله بأن إعتنق عدد من عمال شركتهما الإسلام لما لمسوه من أخلاق ومعاملة حسنة للمسلمين.

وقد استأذنت منهما بنشر المقالة بقصد التشجيع ونقل تلك التجربة الفريدة في العمل الخيري للإقتداء بها وللتنافس الشريف، لقوله تعالى (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )) وقد طلبا عدم ذكر الأسماء حتى لا يضيع الأجر والثواب.

وقد ذكرا وبكل حرقة أن شركات يهودية تخصص أرباح يوم في الشهر أو في الأسبوع من أجل دعم وتثبيت اليهود في فلسطين المحتلة الذين يعيشون على المساعدات الخارجية وهي ليست أرضهم، فمن باب أولى نحن المسلمون أن نخصص أياما لدعم وتثبيت إخواننا أصحاب الأرض في فلسطين، في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وقد قررنا أن نتميز ونبتكر فكرة التبرع بإيراد يوم في الشهر وليس ربحه فقط.

فبارك الله لهما في دينهما وصحتهما وأهلهما وذرياتهما ومالهما ووالديهما الذين كان لهم شرف تربيتهم التربية الصالحة، ونسأل الله أن يوفق اخواننا المسلمين عامة والأغنياء منهم خاصة بأعمالهم وأن يقتدوا بتجربة هذان الشابان ويسيروا على نهجيهما، فلو خصص الأغنياء ايراد يوم في الشهر، وبعضهم يوم في السنة، فقد لانجد فقيراً واحدا يسأل الناس. نسأل الله أن نكون ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه.