خبر قضية مُقتلعي إقرث وبرعم: حكاية عبثية .. اسرائيل اليوم

الساعة 12:16 م|27 يوليو 2012

(المضمون: حكاية عودة سكان اقرث وبرعم الى جزء من قراهم ما زالت تقرع أبواب الحكومات الاسرائيلية منذ عام 1948 حتى يومنا هذا. حكاية اسبوعين أصبحت حكاية أجيال لا تعرف الكلل - المصدر).

هذه احدى الحكايات الأكثر غرابة في تاريخ الدولة. حكاية ظلم واجحاف غير مفهوم كان من المفترض ان نتخلص منها منذ زمن. قرار حكومة غولدا مئير قبل اربعين سنة الصادر في الثالث والعشرين من تموز 1972 كان أحد الحجارة البارزة في حكايتنا: حكومة اسرائيل اتخذت قرارا واضحا لا لبس فيه ومن دون عراقيل مصطنعة وذرائع بعدم اعادة مقتلعي اقرث وبرعم.

هذا الامر لم يحدث صدفة. قبل ذلك بشهر صرح مناحيم بيغن انه اذا صعد حزبه للحكم فسيعيد مقتلعي القرى الى اماكن سكنهم. هذا على ما يبدو أغاظ غولدا جدا فقررت اتخاذ القرار الحكومي الرسمي والنهائي. القرار أفاد بأنه يتوجب منع تسجيل سابقة.

مقتلعو اقرث وبرعم توجهوا على الفور الى ما تبقى من قراهم وأعلنوا عن اضراب عن الطعام: كانوا حينئذ يأملون انه ستكون هناك حكومة اسرائيلية تسمح لهم بالعودة، وها هو هذا الأمل يتبدد الآن أمام أعينهم.

الشرطة وصلت الى المكان وكان هناك صدام صعب بين المضربين وبين رجال الشرطة، وتم اعتقال عدد كبير من المضربين، إلا ان الاضراب لم يتوقف. في اليوم الثلاثين بعد قرار الحكومة تظاهر أبناء القريتين في القدس، وطلبوا الالتقاء برئيسة الوزراء. غولدا رفضت. بعد ستة اسابيع اضافية تواصلت المظاهرات الى ان اندلعت حرب الغفران وتحولت المسألة كلها فجأة الى مسألة هامشية.

القصة أصبحت حكاية. اقرث وبرعم هما قريتان مسيحيتان تقعان في شمال البلاد. في اقرث القرية المسيحية المارونية سكن نحو 600 نسمة وفي برعم، القرية المسيحية الكاثوليكية كان يسكن نحو 1050 نسمة. القريتان احتُلتا في خريف 1948 قُبيل انتهاء حرب التحرير. الجيش الاسرائيلي لم يسعى لطردهم من منازلهم، وعندما جرت عملية احصاء السكان الاولى في اسرائيل في السابع من تشرين الثاني تحول سكان هاتين القريتين الى قسم من سكان دولة اسرائيل. بعد ستة ايام طُلب من السكان مغادرة القريتين مؤقتا من اجل مصلحتهم. سكان اقرث انتقلوا الى الرامة، اما سكان برعم فقد طُلب منهم لسبب ما الابتعاد 5 كم والتواجد في لبنان، ولكنهم فضلوا التوجه الى الجش التي هي غوش حلاف.

بعد اسبوعين من عملية الاخلاء التقى سكان القريتين مع وزير الأقليات بخور – شلوم شتريت فأوضح لهم بدوره أنهم قد رُحلوا حتى لا يتعرضوا لهجمة محتملة من لبنان، ووعد باعادتهم خلال اسبوعين، ولكن شيئا من هذا لم يحدث. في شهر حزيران 1949 أُبعد الحراس عن القرية وأعلنت الحكومة عن اقرث وبرعم "منطقة أمنية" وفقا لانظمة الطواريء. عندما كتب أبناء القرية رسالة استهجان للوزير شتريت رد عليهم: "تحلوا بقليل من الصبر من فضلكم".

وهم قد تحلوا بالصبر بالتأكيد، ولكن بعد عامين قدموا دعوى قضائية ألزمت حكومة اسرائيل بالسماح للمقتلعين بالعودة الى قراهم. الحكومة لم تنفذ الامر القضائي وقررت ان تنفيذه ليس من الممكن في الوقت الحالي بسبب قرب القريتين من الحدود الشمالية. ولكن الحكومة لم تكتف بذلك.

في آب 1953 سجلت الاراضي على اسم الدولة بواسطة سلطة التطوير، وهكذا صودر 24 ألف دونم. 5 آلاف منها أُعلنت كمحمية طبيعية، وحتى لا يساور أحد الشك قام سلاح الجو بقصف القريتين بعد شهر من ذلك. الامر واضح وصريح. التناقض الأكبر هو ان مصادرة اراضي القريتين قد تمت بادعاء ان هذه الاراضي ليست قيد استخدام أصحابها أو في حيازتهم، ولذلك يحق للدولة مصادرتها – إن لم تكن هذه حكاية عبثية كلاسيكية فما هي اذا؟.

سكان اقرث وبرعم لم يسلموا بهذا المصير السيء، وقدموا توجهات كثيرة للمحكمة، إلا ان المحكمة بدورها أحجمت عن الزام الدولة بالتصرف وفقا للقرار الصادر في عام 1951. المقتلعون الذين قطنوا الجش والرامة ما زالوا يعتقدون ان هذا الوضع مؤقت. رغم ذلك عرف الناس في القرى المستضيفة كيف يشيرون اليهم بأنهم ليسوا جزءا لا يتجزأ من نسيجهم الاجتماعي.

على الاراضي المصادرة أُقيم كيبوتس برعام وكيبوتس ساسا وقرية دوفيف التعاونية وفي تشرين الثاني 1963 أصدر القائد العسكري في اطار الحكم العسكري في حينه أوامر اغلاق تحظر الدخول الى اقرث وبرعم.

بعد انتخاب بيغن لرئاسة الوزراء بشهرين كرر تصريحه بصدد اعادة مقتلعي اقرث وبرعم. ولكن ليس من الممكن اتخاذ قرارات كهذه بمثل هذه السهولة كما نعلم، ولذلك شكل لجنة برئاسة اريئيل شارون. شارون قرر عدم اعادة المقتلعين.

عندما شاهدت اصرار الحكومات ملت الى الاعتقاد بأنه ربما توجد هنا مسألة أمنية عميقة وخفية، تبرر فظاظة الحكومات. إلا أنني كنت مخطئا في ظني. لم تكن هناك أية قضية أمنية وانما خوف من ان يُفتح صندوق بِندورة في وجهنا وأن يُقدم "لاجئون محليون" فروا أو أُبعدوا عن قراهم خلال حرب التحرير على محاولة العودة هم ايضا. هذا الخوف حتى اذا تحقق لا يمكنه ان يحول دون ازالة الاجحاف والظلم الذي لحق بسكان اقرث وبرعم، كما ان تغيير موقع الفلسطينيين – الاسرائيليين في داخل الدولة لا يحمل أي مغزى ديمغرافي.

حكومة رابين شكلت لجنة برئاسة وزير العدل في ذلك الحين، البروفيسور دافيد ليفائي، حتى تتدارس كيفية اعادة سكان اقرث وبرعم الى جزء من اراضيهم. في نهاية الامر أصبح الامر يتعلق بجيل جديد من أصحاب الاختصاصات الحرة الذين يحتاجون الى منازل وليس الى مراعي لرعي اغنامهم.

اللجنة أصدرت تقريرا كان بامكانه ان يحل المشكلة – اعادة 1200 دونم للمقتلعين من المساحة التي صودرت منهم من دون الحاق ضرر بالتجمعات السكانية التي أُقيمت خلال ذلك. التقرير استكمل فقط بعد مقتل رابين والمسألة لم تتوقف عن الوصول الى طاولة الحكومة. نفس الشيء حدث مع حكومة نتنياهو الاولى وحكومة باراك.

الحكاية لم تنته. سكان اقرث وبرعم لم يتنازلوا. والدعاوى المقدمة لمحكمة العدل العليا لم تتوقف. واللجان الحكومية ستواصل تشكلها. بدلا من حل المشاكل نقوم بادارتها. نحن حاسمون في قراراتنا عندما نكون في المعارضة إلا أننا نصبح عاجزين عند الوصول الى الحكم، نخشى من تهديدات مصطنعة وننتظر انتهاء الاسبوعين.