خبر إلى أين يسير بنا الدم؟..علي عقلة عرسان

الساعة 11:21 ص|27 يوليو 2012

إلى أين يسير بنا الدم؟ لا أحد يعرف النهاية بالتحديد، لكن معالم طريق الدم واضحة ونهاية السير في مساراته الهلاك.. وحين نكون في بلدنا من قتل إلى قتل، ومن دمار إلى دمار، ومن ثار إلى ثار، ومن حقد إلى حقد.. فإن السبل تفضي بنا إلى دمار شامل، دمار على الأرض ودمار في عمق الأنفس والأرواح، وإلى إفلاس تام بالمعنيين المعنوي والمادي، وقد يصبح مصير بلدنا سورية، إحدى أهم العروة الوثقى من عرى أمتنا العربية، شبه مجهول إن لم نكن قد وصلنا فعلاً إلى المجهول، مع ضراوة الحرب العبثية الدائرة منذ أشهر، ووجود قوى في الداخل والخارج لا يهمها أن نعاني ونموت بل أن تكون لها الغلَبة والهيمنة والنفوذ والسطوة والسلطة.. وهي تعبث بأمن البلد ومصائر الناس ودم أبناء الشعب وأرواحهم، من دون أدنى رادع أو وازع.؟!. الذين يَقتلون والذين يُقتلون هم سوريون، وعلى الأرض السورية يموتون، وليس لموتهم طعم الفخر والعز بمقدار ما له من طعم الفجيعة العامة والفتنة المقيتة، وهو يشير إلى الكوارث القادمة أكثر مما يبشر بالانفراج أو يشير إليه.. نحن لانقاتل من أجل التحرير بل نتقاتل من أجل السلطة، والسلطة وسيلة لأهداف أعلى وأسمى بكثير مما نسمع ونرى.. والذين يفعلون ذلك ببلدنا يضعفون البلد والشعب، والبلد بلدنا كلنا وليس بلد شخص أو فئة أو حزب أو.. أو..   وهم يضيعون سورية بصراعهم وإقدامهم على موت لا يحرر الوطن من الاحتلال الجاثم على صدره منذ عقود، ولا يبنيه ويرتقي به، ولا يخفف عن الشعب المعاناة بل يضاعفها أضعافاً، ويفاقم الضعف، ويوسع دائرة الموت، ويورث الأحقاد التي تدمر البنية الاجتماعية والوطنية، وبنى القيم والعلاقات.

من يقدِّر أو يقرِّر أننا بالاقتتال نبني الوطن وبالموت العبثي نحييه، واهم حتى الجنون، ومن يرى أن القوة وحدها سبيل الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها.. لا ينطلق من فكر سليم يبني ويحرر وينهض بالبلد والناس، ولا يتمتع بتكوين إنساني سليم يمكنه من مراعاة حقوق الآخرين وحرياتهم ويراعي حرمتهم، سواء أكانوا مواطنين أو مراقبين من خارج حدود جغرافية المواطَنة.. السلطة مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية وقانونية، وهي مسؤولية عن الوطن والناس والقيم وليست امتلاكاً للوطن والناس وازدراء للقيم، ومن لا يستطيع أن يحفظ الوطن ويحمي الناس ويراعي القيم يجب ألا يرقى سلم السلطة أو يبقى هناك، بل عليه أن يلقيها أمانة لمن يحفظها، وعليه ألا يستبيح كل محرَّم ويرتكب كل جرم وإثم من أجل أن يبقى فوق هامة الوطن وأكتاف الناس، أو أن يصل إلى ذلك الموقع وليس أهلاً له.. والذين يلجأؤون إلى السلاح ويتنكبون للمنطق، سواء أكانوا في السلطة أو في المعارضة، هم مفلسون من كل منطق ومن إمكانية لأن يقودوا الناس إلى الحياة والصلاح، وأن يصلوا ببلدانهم إلى التحرير والتحرر والتقدم والديمقراطية والاستقرار والازدهار.. لأن الحكم والحكمة منطق.. وفي هذا الوضع يصدق القول: " فاقد الشيء لا يعطيه".. من أجل هذا كانت الشورى للوصول إلى الحكم بحكمة، ومن أجل هذا كانت الديمقراطية، على عيوبها الكثيرة والمثيرة، أفضل أساليب الحكم، ولا تُصحَّح مساراتها وأخطاؤها إلا بالمزيد من الديمقراطية السليمة.

وفي شأننا السوري الذي أصبح يستدعي تحركاً سريعاً جاداً ومسؤولاً، نرى أنه على من يحرك الجمر ويضري النار ويلقي فيها حطباً ونفطاً ويخوض مخاضات الدم غير عابء بما يرتبه ذلك، أياً كان موقعه وهدفه واعتقاده، عليه أن يدرك حقيقة أنه لا يمكن لسورية أن تستقر على حال إذا وصلت إلى نتيجة ما عبر الحديد والنار، وأنه لا يستقر مَن حولها ما لم يكن فيها استقرار على أسس ثابتة ومتوازنة وسليمة وحكيمة. وعلى هذا نكرر ما قلناه مئة مرة ومرة في أثناء هذه الأزمة ـ الكارثة على الوطن الحبيب والمواطن المخلص الأصيل، من أن حلول هذه الأزمة سياسية وليست عسكرية، ولا تفيد فيها العسكرة ولا الاستنفارات العسكرية ولا الحلول الأمنية ولا استدعاء القوى الأجنبية والتدخل الخارجي. حلول القوة والعنف والقتل والموت مرفوضة، بل ممنوعة باسم الوطن الذي هو أعلى من الجميع وأبقى من الجميع.. وعلى من يطرَب من الأشخاص لحمل بندقية أو صاروخ وويرفعه بنظر نفسه ونظر من هم على شاكلته دوي صوت البارود، ويعتقد أنه بذلك اعتلى صهوة الدنيا وملَك، عليه أن يدرك أن أي وضع لأي مُلْك أو حكْم أو عنف أو تمرد أو ثورة أو إرهاب أو..أو.. أو لأي أشخاص يعتمدون هذا المنطق.. لا يمكن أن يدوم، فالقوة الطغيانية ظلم والظلم ظلام تلاحقه الشمس ولا بد أن يزال، ومن يأتي إلى الحكم بوسائل القوة تزيله القوة ومن يتمترس فيه بالقوة ينفعه العدل وتنفعه الحكمة وتنفعه الديمقراطية أكثر مما تنفعه القوة.. وأن قوة السلاح أو قوة الظلم أو قوة الطوائف والعشائر والتحالفات و.. و.. إن علت وسيطرت وأنتجت وأتأمت.. فهي مكلفة، وإن دامت فلوقت، وستترك جراحاً وأوراماً وعقابيل يدفع ثمنها النسل القادم وأبرياءٌ لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل في كل ما حصل قبل أن يعقلوا ويُثقلوا بتحمل مسؤولية القرار والفعل. إنما يدوم الحكم بالعدل، ويتداوله الناس بالمصلحة العليا لهم ولوطنهم وىالعقل، ويزدهي بالحكمة والمنطق والإيمان والأصول، وحينئذ تتفتح في تربته الآمال، وتطمئن إليه الأنفس، ويزدهر في ظله العمران.

آن لبلدنا الحبيب سورية أن يرتاح، وآن لدمنا أن يُحقن، وآن لصوت العقل فينا أن يرتفع، ولصوت البارود الداخلي أن يسكت، وللوطن أن ينتصر.. وعلى من يريد أن يبقى في السلطة أو أن يصل إليها أن يحترم العقل والقيم والناس الذين هم وحدهم أصحاب الحق في إيصاله إليها وانتزاعها منه، وأن يراقبوا مدى التزامه بالمسؤولية وحفاظه على الحياة والقيم والقانون ومصلحة الوطن وحق الناس في أمن من جوع وخوف.

إن أعتى ما يمكن أن يستغربه المرء ويستهجنه ويرفضه هو تصرف أنموذجين في شخصين: شخص ائتمنه الناس على قوَّتهم ففرض نفسه عليهم بتلك القوة وقتلهم بها، وشخص يتوسل بأية قوة ولأية قوة لكي يفرض نفسه على الآخرين ويتسلط عليهم وينتزع منهم قوتهم ليحكمهم بها.. والأشد من ذلك في أبواب الاستغراب والاستهجان في موقف الشخصين الأنموذجين هو ألا يلقي المعني منهم على نفسه سؤلاً بسيطاً مفاده: "إذا رفضني الناس وقتلتهم ليقبلوني متسلطاً فأية سلطة تبقى بيدي، ومن تراني أحكم يا ترى.؟!

وربما جاز لي أن أخلص من بعد إلى القول: إن السلطة أخلاق تتجسد في السلوك. وأن الشعب الذي لا يلتمس هذا الأمر فيمن يوليه تتهاوى قيمه ويسقط في الظلم والمهانة..

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت  فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا