خبر الخيارات الصعبة أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية

الساعة 12:41 م|26 يوليو 2012

وكالات

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الاميركية مقالا للمحلل السياسي الدكتور هيليير، الخبير الاستراتيجي في شؤون منطقة الشرق الاسط، تناول فيه الموقف الذي يواجهه المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية في اعقاب نتائج انتخابات الرئاسة واختلاف مدى شعبيته، ووجود اكثرية تريد منه الانسحاب الى ثكناته واقلية تعتقد ان من الافضل ان تظل له يد مسيطرة على شؤون البلاد. وفيما يلي ما جاء به هذا المقال:

 

مرت أمس ذكرى مرور 60 عاما على ثورة الضباط الاحرار العام 1952 وخلال اليومين القادمين يمر 18 شهرا على الانتفاضة المصرية التي خلعت ورثة الحكم العسكري. وامام المؤسسة العسكرية الان الفرصة لاتخاذ قرار بشأن الخيارات المتاحة لها، من حيث مصلحة تلك المؤسسة ومستقبل مصر. هل تبقى لها السيطرة وتحتفظ بموقف الوصي على السلطة المدنية الى الابد، في اطار مجالات معينة على الاقل؟ ام ان عليها اتخاذ الاستعدادات الضرورية للانخراط فيما سيكون تغييرا ثوريا حقيقيا وتسليم مفاتيح السلطة ليس بصفة رمزية ولكن بشكل كامل؟

 

أبلى المجلس الاعلى طوال الاشهر الـ 18 الفائتة بلاءً حسنا. فقد خرج من الانتفاضة مؤسسة بطولية وقفت الى جانب الشعب المصري بدلا من قتلهم عندما قاموا بالثورة ضد واحد من أقرانهم، الرئيس السابق حسني مبارك. ولم يهبط مستوى الثقة به عن 80 في المائة. وظلت وسائل الاعلام، وهي المصدر الرئيسي للمعلومات في البلاد، تحظى بالثقة وتعرض دراسات مشرقة للجيش. ولم يحصل معارضوه في جماعة الاخوان المسلمين على الحظوة نفسها.

 

وتسليم المجلس لمقاليد السلطة لمرشح الاخوان الدكتور محمد مرسي جعله يتمتع بمخرج آمن من الاضواء، وانتشر الان في الاماكن التي يريدها – مثلما كان عليه الحال في الايام الماضية، بعيدا عن الرقابة الشعبية داخل ثكناته.

 

غير ان الوضع ليس على هذه الصورة تماما. ففي الوقت الذين يرغب الجيش، بلا ريب، ان تكون عليه الحال، فانه اكثر تعقيدا في واقع الامر. وقد تمكن المجلس الاعلى ان يتجاوز عدداً من الدوائر المختلفة، وهذا صحيح، وان كانت لديه اولويات استراتيجية رئيسية. ففي فترة الانتفاضة، ضحى بمبارك، وانما لكي يوقف مزيدا من عدم الاستقرار الذي كان من الممكن ان يلحق به الاذى – ولا شك ان الخشية من استمرار عدم الاستقرار (بل الفوضى) صبت في مصلحة الجيش. وكانت اهم الاصول التي يعتمد عليه المجلس الاعلى عدم وحدة الثوار، ولا مبالاة الشعب بالاحتجاجات، والسيطرة على ما تنشره وسائل الاعلام الشعبية والخشية الواسعة من الفوضى. ولم يلبث مع مرور الاسابيع والاشهر ان برز امر آخر وهو "الدولة الخفية" ( التي تضم فلول بيروقراطية الدولة التي لا ترغب في التغيير) وان ظلت باقية.

 

وفيما يتعلق بتسليم مرسي السلطة، فان من المشكوك فيه ان الامر كان مدبرا سلفا. واذا كان هناك ما يبدو على انه غير ذلك، فانه كان عملا محرجا نتيجة التخبط الكبير للمجلس الاعلى. فانتخابات الرئاسة وضعت المجلس، وربما للمرة الاولى، في وضع لا يمكنه فيه ان يغير من اوراق اللعبة.

 

واظهرت استطلاعات الرأي ان معظم المصريين كانوا "عائمين" من حيث الشخص الذي سيدلون باصواتهم لصالحه قبل الانتخابات باسابيع قليلة. وفي ذلك الوقت ارتكبت "الدولة الخفية" خطأ حيويا. اذ تناثرت أنباء بان شبكات الحزب الديمقراطي الوطني وبنيته اتحتية عادوا لممارسة نشاطهم وتجمهروا لدعم احمد شفيق، آخر رئيس لوزراء مبارك، في قمة الانتفاضة، لكنه نُحي عن منصبه نتيجة احتجاجات واسعة في ميدان التحرير.

 

وفي تخبط اخر، حاولت "الدولة الخفية"انواع اخرى من الوسائل لتأمين منافعها. اذ سمحت اولا بالغاء الانتخابات النيابية وحل البرلمان. وادى توقيت ذلك (حتى وان كان له ما يبرره من الناحية التشريعية) الى تاكيد القول بانه حتى وان فاز مرسي، فانه لن يحظى ببرلمان ودي يعمل لصالحه.

 

كانت الثقة في الجيش وصلت الى اكثر من 90 في المئة خلال الاشهر الـ18 الماضية، الا انها هبطت باستمرار الى 83 في المائة في نيسان (ابريل)، وهي نسبة تظل مرتفعة تشير الى ان المجلس الاعلى ظل محتفظا بمكانته في اعين الجمهور حتى ذلك الوقت. وفي كل الاحوال فان المجلس العسكري لا يزال يمسك بيديه بعض التشريعات والسلطات التفيذية، وقد اشارت استطلاعات الرأي الاخيرة بان اغلبية المصريين لا يريدون ان يواصل الجيش القيام بدور سياسي بينما هناك اقلية (وان كانت مهمة) تعتقد ان من المفيد ان يظل في الساحة. وسيهبط مستوى الثقة به اذا بدأ المزيد والمزيد من المصريين يرون ان الجيش يتجاوز دوره في المعترك السياسي.

 

وامام الجيش الان خيار اما ان يؤجل مسيرة التاريخ ويخاطر بخسارة كل فوائده وشعبيته مع الايام نتيجة الضغوط المدنية، او ان يقبل بالامر المحتوم ويخطط لمسيرة تدريجية بحيث يخرج كمؤسسة بطولية في مصر، بمد يد المساعدة في مؤسسة شاملة تمارس اعملها كاملة في الدولة المدنية. الدولة التي لا يسود فيها "الوصي المختار"، عسكريا كان ام لا، على نظام ديمقراطي للتدقيق والموازنة، وفق دستور يمثل ارادة جميع قطاعات المجتمع المصري.