خبر معضلة غانتس- معاريف

الساعة 08:06 ص|25 يوليو 2012

 

بقلم: عوفر شيلح

ما قاله أمس رئيس الاركان بني غانتس في لجنة الخارجية والامن جاء أولا وقبل كل شيء كي يوضح للجنة وللجمهور – فكل ضابط كبير يعرف بأن اللجنة بكامل اعضائها هي مثابة مؤتمر صحفي – المعضلة التي تقف أمامها اسرائيل في هذه اللحظة في سوريا. يمكنها ان تنتظر اللحظة التي يحاول فيها حزب الله أو محفل من الجهاد العالمي السيطرة على السلاح الكيماوي السوري (وهذا ليس بسيطا إذ انه من اجل الوصول الى قدرة عملياتية يجب ان يُربط معا عدد من العناصر، التي أغلب الظن محفوظ كل منها على انفراد)، وعندها تستطيع الضرب الموضعي للقافلة السائرة نحو البقاع اللبناني أو الحدود العراقية. هذا احباط مركز، مبرر وناجع، ولكنه يلقي بالثقل على منظومة الاستخبارات، التي يتعين عليها ان تقول كيف ومتى يحصل هذا.

من جهة اخرى، فان ضربة مسبقة لكل عناصر المنظومة الكيماوية السورية، مخازن ووسائل اطلاق، من شأنها ان تشعل نارا أكبر بكثير. كما أنها ستحتاج ايضا الى ضربة لمنظومات سورية اخرى من اجل السماح بحرية العمل وقد تؤثر ايضا على الصراع السوري الداخلي. كما ان لها آثار دولية شديدة: فالكثير جدا من الدول، وعلى رأسها فرنسا وروسيا، مشاركة في محاولة احلال نظام جديد في سوريا. وهي ستستقبل بتفهم عملية مبررة من اسرائيل لمنع حصول جهة متطرفة على اسلحة الدمار الشامل، ولكنها ستكون أقل تسامحا مع هجوم واسع. كل هذا شرحه أمس غانتس وحصل على عنوان رئيس مضلل بعض الشيء بموجبه يحذر من هجوم يكون معناه الحرب.

ولكن خلف هذه الامور تختبيء أمور أهم. فلا يوجد انسان معقول مستعد لأن يقبل بنقل سلاح كيماوي الى حزب الله، وليس فقط سلاح كيماوي – فقد سبق لاسرائيل ان حذرت في الماضي من مغبة نقل منظومات مضادة للطائرات متطورة الى لبنان. أذرع الاستخبارات، وليس فقط الاسرائيلية، تستثمر في الاسابيع الاخيرة جهودا هائلة في متابعة اسلحة الدمار الشامل لدى نظام الاسد المنهار. وكما قال أمس غانتس وعاموس جلعاد، في هذه اللحظة لا يوجد أي مؤشر في ان الرئيس الاسد أفلت السيطرة على هذا السلاح.

بالمقابل، بدأت تهب خلف الكواليس عندنا رياح تقول ان هذا هو الوقت لترتيب بعض الامور. فاسرائيل لم تُسوي بعد حسابها مع حزب الله على العملية في بورغاس، بالضبط انطلاقا من تلك الارادة في عدم اشعال النار في الوضع الحالي القابل للاشتعال. وثمة من يقول ان ضربة شديدة ستردع حزب الله من ان يتجرأ على عمل شيء غير مقبول في سوريا، تُذكرة ماذا سيكون مصيره اذا ما رد على هجوم اسرائيلي في ايران وتشق الطريق لتنفيذ هذا الهجوم مع خوف أقل على مصير الجبهة الاسرائيلية الداخلية. وتُذكر هذه الامور ببعض الامور التي قيلت في عهد حرب لبنان الثانية: في حينه ايضا كان هناك من أوصى بهذه المناسبة بضرب سوريا وترتيب بعض الامور معها ايضا. قبل اسبوع من الحرب، وبعد اسبوعين من اختطاف جلعاد شليط، وصل رجل واحد الى رئيس الوزراء اولمرت مع اقتراح أصيل: تصفية خالد مشعل في دمشق. وعندما قال اولمرت ان السوريين سيُعربدون، قال الرجل: "فليُعربدوا. لثلاثة ايام ستكون هنا فوضى، وأنت يمكنك ان تستغلها كي تُرتب هنا الامور: فتضرب سوريا وحزب الله، وبعد ثلاثة ايام العالم سيفزع وسيطلب منا وقف النار". والرجل ذو الفكرة الأصيلة يُسمى افيغدور ليبرمان، اليوم وزير الخارجية.

لقد جاءت اقوال غانتس لتُذكر من يرغب في ذلك، مثل ليبرمان قبل اختطاف ريغف وغولدفاسر وبعده، لترتيب الشرق الاوسط مع اف16، بأن المحاولات الاسرائيلية الماضية لخلق نظام جديد بالقوة بشكل عام انتهت على نحو سيء. وهي تُذكر القيادات بأن معركة في الشمال، تتضمن بالضرورة نارا واسعة على الجبهة الاسرائيلية الداخلية، ستزيد المصاعب أكثر فأكثر على فكرة الهجوم على ايران. الجيش الاسرائيلي، وأكثر منه الجبهة الداخلية، سيجد صعوبة في الصمود أمام هاتين المهمتين في نفس الوقت أو في ترتيب قصير.

هذه ايام معقدة جدا في أمن اسرائيل. لكل خطوة آثار، والخيار ليس بين الخير والشر بل بين البدائل التي كل واحد منها يحمل خطرا غير قليل، وواحد على الأقل، السلاح غير التقليدي بيد منظمة ارهابية، غير مقبول بأي حال. ليس مثلما في المرة الاولى، فان رئيس الاركان بالذات هو الذي تصدى لمهمة تذكير كل من يسارع الى القوة بأن مثل هذه الامور أكثر تعقيدا بكثير في الواقع.