خبر أنتم المجانين هنا- هآرتس

الساعة 08:18 ص|17 يوليو 2012

أنتم المجانين هنا- هآرتس

بقلم: بوعز غئون

        (المضمون: أحرق المتظاهر الاسرائيلي موشيه سيلمان نفسه بسبب بلادة حس المؤسسة الاسرائيلية عامة - المصدر).

        يُحرق اسرائيلي نفسه حتى درجة الموت في قلب تل ابيب. ان يهوديا يسمى موشيه يترك بيته ويُسلح نفسه برسالة انتحار طُبعت بأسطر متباعدة، يوزعها على المحيطين به في نشاط مروج بيع ثم يسكب السولار على نفسه كي تشتعل النار في عظامه وكي تأكله النار حتى لا تبقي منه شيئا، وكي لا تترك النار ذكرا لأظفار البيروقراطية كلها التي انغرست فيه والتي هي ثمرة فاسدة لاستكبار ناس لهم شيء قليل على ناس ليس لهم شيء؛ وناس لهم الكثير على من يضطرون الى ان يواجهوا في كل يوم القرارات القاتمة التي تُتخذ "هناك في أعلى" في قمة جبل ما لا يوجد إله فيه.

        ان يهوديا اسمه موشيه يجلس على الرصيف وتشتعل النار في كل شيء معه في ذكريات طفولته وفي ضحك أخته إذ كانت صغيرة، ولمسة يد أمه حينما كان ولدا، ولحظات فضل قصص حب قديمة، ولمسة يد أمه قبل موتها بلحظة وبكاء أخته التي تأتيه بسلال الطعام، والنور العظيم الذي أضاء في صيف 2011 وذكّر بأن اسرائيل ليست محكمة وبأن اسرائيل ليست سفرا قانونيا وبأن اسرائيل ليست موظفا وبأن اسرائيل ليست مسجل محاضر جلسات شريرا، وليست مصر فراعنة في قصور دامية. وان اسرائيل هي مجموع.

        اسرائيل مجتمع واسرائيل نسيج بشري حي يغلي فيها الشوق الى حديث ناس يجلسون في دائرة، والى حديث ناس يجلسون على الارتفاع نفسه، والى حديث ناس ينتظرون انتهاء محاكمة الآخر قبل ان يضغطوا زرا ما في حاسوب أو يأمرون السائق بضغط دواسة البنزين، أو يبصقون في وجه من ركع كي يطلب شيئا واحدا فقط يهوديا جدا ألا وهو الرحمة.

        كانت هذه اسرائيل صيف 2011، وهي اسرائيل التي ستكون هنا ذات يوم ايضا بعد ان يتعلم الفراعنة الساسة الذين يملكوننا ما هو التواضع. انها اسرائيل التي باسمها خرج موشيه من بيته من اجلها ليحارب من اجل المجموع مع النشطاء الشماليين الذين يقعدون الآن قرب سريره ويمسكون بيده المحترقة.

        لا أحد يجلس معهم هناك، حتى ولا كوبي اريئيلي صديقي الذي كتب هذا الاسبوع ان أصحاب الذنب في موت موشيه القريب ليسا بنيامين نتنياهو ولا يوفال شتاينيتس ولا مؤسسة التأمين الوطني ولا مسجل المحكمة اللوائية ولا وزارة الاسكان بل – وأصغوا جيدا – بل هم نشطاء الاحتجاج الاجتماعي. ولماذا؟ لأنهم حرضوا موشيه الساذج المبلبل على النضال الاجتماعي الذي لم يكن فيه شيء سوى اللذة والأدرينالين.

        ولا يقعد هناك ايضا البروفيسور شلومو مور يوسف. وهو خريج جامعة هارفارد ومدير مستشفى هداسا سابقا والمدير العام للتأمين الوطني. وقد رأى اللهب وقال: "لم يُبرهَن على ادعاء" أن سيلمان أحرق نفسه بسبب الدين. وقال ان "المؤسسة عملت بحسب القانون" وانه يجب ان توجه الادعاءات على موشيه كحلون وزير الرفاه.

        ما كانت تنقص سوى جملة واحدة، جملة واحدة من التواضع والرحمة تقول: سأفعل كل ما أستطيع باعتباري المدير العام للمنظمة الغنية والقوية والأشد تنديدا بها في اسرائيل كي لا تتكرر حالات كحالة موشيه سيلمان أبدا.

        هذه هي الرسالة التي يجب ان تنبعث عن اللهب الذي أحرق موشيه سيلمان. فليس الرجل الذي أحرق نفسه هو المجنون هنا بل ان غير القادرين على الاستماع الى صرخته الصامتة الفخورة هم المجانين، هم وحدهم.