خبر قراءات جديدة في نتائج حربي لبنان الأولى والثانية وأثرها على حروب إسرائيل المستقبلية

الساعة 10:54 ص|16 يوليو 2012

حلمي موسى

جمع مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب مناسبــتين في واحـدة، ذكرى حربي لبنان الأولى والثانية، في محاولة للقراءة واستخلاص العبر. وقد مرت على الحرب الأولى الذكرى الثلاثون في حين مرت على الثانية ست سنـوات. وهناك من يرى الكثير من الفوارق بين الحربين إلى جانب من يرون سمات مشتركة. غير أن ما يجـمع بين الحـربين بشـكل مبدئي ليس الأهداف المتباينة لكل منهما إنما الدافع الأساس لكلتيهما وهو الرغبة في الإثبات أن في قدرة إسرائيل بالقوة تحقيق ما تعجز عنه العلاقات والمفاوضات والاتصالات السياسية.

ومعلوم أن حرب لبنان الأولى رمت إلى إحداث تغيير جوهري في المنطقة العربية عبر دفع لبنان إلى تغيير نظامه السياسي ومعادلاته الداخلية وإبرام معاهدة سلام مع اسرائيل. وجرى تصوير المسألة على أنه انطلاقا من اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، تم ثلم السلاح والإرادة العربية بخروج مصر من دائرة الحرب، ما خلق اختلالا يجدر بإسرائيل استغلاله لإنشاء نظام إقليمي جديد. كما أن حرب لبنان الثانية انطلقت أساسا من حقيقة أن النظام الإقليمي الذي عجزت حرب لبنان الأولى عن إنشائه بات حقيقة واقعة وأن بوسع إسرائيل إنهاء المقاومة وتحطيم محور الممانعة الأخير باسم محور الاعتدال الذي ترعاه أميركا.

ومن المؤكد أن تختلف القراءات الإسرائيلية والعربية في ما بينها إزاء هذين الحدثين. فانسحاب إسرائيل من طرف واحد من الجنوب اللبناني في العام 2000 شكل نهاية رسمية للحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان. ومن المؤكد أن شعورا عاما بالخيبة رافق الإسرائيليين الذين تمنوا لو أن اتفاقية 17 أيار 1983 بقيت حية ترزق وأن نوعا من السلام ولو البارد نشأ بين الدولتين. كما أن كثيرا من الإسرائيليين كانوا يتمنون لو أن الانسحاب عام 2000 تم باتفاق أو بنوع من الاتفاق مع الحكومة اللبنانية حتى لا يبدو كأنه تراجع «والذيل بين الرجلين». وعلى الصعيد العربي نظر في الغالب للانسحاب الإسرائيلي على أنه نصر تاريخي سرعان ما تزاحمت الخلافات حوله لاعتبارات مختلفة.

أما تقرير فينوغراد فتحدث ليس فقط عن إخفاق إسرائيل في حرب لبنان الثانية وإنما أيضا عن سوء إدارة وضعف تقدير في مؤسستيها السياسية والعسكرية. وانشغل الجيش الإسرائيلي مطولا في تحليل أخطائه ومحاولة إيجاد إصلاحات لها. وهناك من يعتقد أن الحرب الإسرائيلية على غزة مثلت ذروة استيعاب هذا الجيش للدروس بينما يرى آخرون أن إصلاح العيوب كان شكليا ولذر الرماد في العيون. واختلف العرب جدا في ما بينهم حول تلك الحرب حيث وجه البعض اتهامات للمقاومة بالتسبب فيها بينما رآها آخرون فاتحة لعصر عربي جديد أساسه المقاومة.

ومن المؤكد أن مركز درسات الأمن القومي الإسرائيلي ـ خصوصا رئيس مشروع «الجيش والاستراتيجيا» فيه الدكتور غابي سيبوني ـ أراد توفير قراءة مختلفة ليس فقط عما يدور في ذهن الشارع والإعلام وإنما أيضا عن تصورات الساسة. وما اختيار الشخصيات التي اختارها لتقديم محاضرات، ساسة سابقين كرئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع موشيه أرينس، وحاليين مثل الوزير دان ميريدور، وباحثين عسكريين مثل رئيس شعبة التخطيط الأسبق غيورا آيلاند ومستشار الأمن القومي الحالي يعقوب ميريدور، وأكاديميين، إلا دليل على الرغبة في الخلوص باستنتاجات متنوعة. فالمسألة لم تكن محاسبة لمجريات الأمور وإنما محاولة قراءة التغييرات ليس فقط في الواقع وإنما أيضا في مفاهيم الأمن القومي.

وحاول الدكتور سيبوني (وهو يحمل رتبة مقدم في الجيش الإسرائيلي أيضا) عند افتتاحه الندوة لفت الأنظار إلى وجوب التركيز على قضايا أربع، هي كيفية تطور المخاطر على إسرائيل، أهداف الحرب، ضرورة توفير توافق عام على الحرب، ومحاكمة الحروب بمنظور زمني متأخر. ولاحظ سيبوني أن حرب لبنان الأولى شهدت تغيير نظرية القتال الإسرائيلية من المواجهة مع جيوش عربية إلى مواجهة تنظيمات. كما أن حرب لبنان الثانية شهدت تطور ردود التنظيمات، وهي هنا حزب الله في لبنان، بالاستفادة من عبر الحرب الأولى. وأشار إلى المفارقة الكامنة في أنه كلما أفلحت تنظيمات في السيطرة على مكان غدت تتسم أكثر فأكثر بسمات تصرف الدول وخصوصا نقاط ضعفها وهذا ما هو قائم في لبنان وقطاع غزة. ويقول ان هذا يزيد من القدرة على التأثير في هذه التنظيمات ويمس بذخائرها التي تحاول المحافظة عليها.

وبشأن أهداف الحرب رأى أن حكومة إسرائيل خرجت عن نظرية الأمن التي صاغها بن غوريون والتي كانت ترى بعدم إمكانية تغيير الواقع السياسي المحيط بالقوة. فكان هدف الحرب المستتر هو إنشاء دولة حليفة في لبنان ولكن هذه الدولة تراجعت إلى حدود الشريط الأمني ثم اضمحل الشريط وانتهى بالانسحاب عام 2000. عموما حدد أن هدف الحرب كان تحقيق الهدوء لأطول فترة ممكنة. وقال ان حربي إسرائيل على لبنان واجهتا في مراحل مختلفة درجات مختلفة من انعدام التوافق العام. وشدد على أن الحربين لم تشهدا نصرا ولا حتى بالنقاط، كما جاء في تقرير فينوغراد. واستدرك أن مفاهيم النصر من الناحيتين الاستراتيجية والتاريخية لا تقاس ولا تظهر بفترة الحرب.

ومن الواضح أن هناك اليوم مدرسة كاملة في إسرائيل تحاول إعادة قراءة الحربين بنظرة مختلفة. ويرى مؤرخون إسرائيليون أن حرب لبنان الأولى قادت إلى تحويل النزاع في لبنان إلى طابعه المتشظي داخل كل طائفة وسواها، وأن حرب لبنان الثانية أسهمت في انتقال هذا الطابع إلى بقية المناطق العربية.

عموما، محاضرة دان ميريدور أدناه فيها الكثير مما يستحق القراءة.