خبر الأخطار الكامنة في قصف اسرائيلي لايران -هآرتس

الساعة 09:21 ص|16 يوليو 2012

بقلم: أري شبيط

        (المضمون: مقابلة صحفية مع رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق غيورا آيلاند تُبين ان ظروف وشروط مهاجمة اسرائيل لايران للقضاء على مشروعها الذري لم تنضج حتى الآن ويجب نضجها كي تستطيع اسرائيل الحصول على أفضل نتيجة للهجوم - المصدر).

        ان غيورا آيلاند واحد من أشد الاشخاص تضليلا ممن أعرف. وهو يبدو بشعره الأشيب وبسحنته الغافية مثل موظف حكومي رمادي موجود داخل الصندوق، لكن في اللحظة التي يفتح فيها آيلاند فمه يفاجيء الكلام الذي يقوله دائما بتجديده. ولا يوجد مجال يجمد فيه تفكيره. ولا يوجد موضوع تكون فيه آراؤه عابثة وعادية. ان اللواء الذي عمل في الماضي رئيسا لشعبة التخطيط (2001 – 2003) ورئيسا لمجلس الامن القومي (2003 – 2006) هو واحد من أكثر الضباط أصالة وخصوبة في الجيش الاسرائيلي.

        يضع آيلاند دائما اربعة خيارات أو خمسة على المائدة ويقف دائما على معنى كل واحد منها. وهو في الأكثر يختار في نهاية الامر الأقل سوءا بين الخيارات لكنه يطوره على نحو ما. وبرغم أنه عسكري سابق فان مهندس الأفكار المولود في قرية هيس هو ذو تفكير سياسي خلاق متعدد الجوانب. وفي المكتب العصري في رعنانا حيث التقيت آيلاند لا يمكن ألا يؤثر فيّ الازميل الذي يحلل به وضع اسرائيل في مواجهة ايران.

        "ان الاختيار ما بين القنبلة الذرية والقصف هو اختيار بين الطاعون والكوليرا"، يقول آيلاند. "يكمن في قنبلة ذرية ايرانية اربعة أخطار رئيسة. الخطر الاول وهو أشدها ان ايران قد تطلق في ظروف ما صاروخا ذريا على اسرائيل. واذا سقطت قنبلة ذرية في غوش دان فان دولة اسرائيل لن تُدمر بصورة مباشرة لكن التأثيرات ستكون غير محتملة. واحتمال ان تقع هذه الحادثة منخفض لكنه ليس صفرا. وضرب الاحتمال المنخفض بالمعنى الشديد الوقع نتيجته يصعب على اسرائيل ان تصمد أمامها".

        ويتابع آيلاند بصورة منهجية فيقول ان "الخطر الثاني أقل حدة بكثير، لكن احتمال وقوعه أعلى وهو سباق تسلح ذري في الشرق الاوسط. وكذلك ايضا الخطر الثالث وهو سوء وضع اسرائيل الاستراتيجي كثيرا في المجال التقليدي بالذات. فعلى أثر حصول ايران على القدرة الذرية ستحدث كل مواجهة عسكرية على حدودنا تحت مظلة ذرية ايرانية. واذا هددنا الايرانيون في اثناء حرب مع سوريا أو مع حزب الله وأعدوا منظومتهم الصاروخية الذرية فسنُردع ونضطر الى الموافقة على مصالحات سيئة، وستكون نتيجة ذلك ان تضعف قوة ردع اسرائيل الاقليمية وتضطر الى مواجهة عدد أكبر من المواجهات العسكرية التقليدية التي تسفك دمها. والذي سيعقد الوضع أكثر هو الخطر الرابع وهو ان قنبلة ذرية ايرانية سترفع طوفان تطرف في العالم الاسلامي. والرسالة التي ستدوي من أندونيسيا وماليزيا والهند الى مصر والجزائر والمغرب ستكون ان التصميم الاسلامي قد انتصر، وان الانتصار على الغرب ممكن. وسينشأ نتيجة ذلك روح حربية في البلدان الاسلامية تكون لها تأثيرات شديدة ايضا في الغرب وفي اسرائيل ايضا".

        حسن جميل، أقول للضابط المفكر، لكن ماذا عن الأخطار الكامنة في قصف اسرائيلي للمنشآت الذرية في ايران؟ أوليس القصف أخطر من القنبلة الذرية؟.

        لا يضيع رئيس مجلس الامن القومي السابق لحظة وينتقل من وصف مفصل للطاعون الى وصف مفصل للكوليرا: "تكمن في قصف اسرائيلي لايران اربعة أخطار. الخطر الاول ان تفشل العملية. والخوف هو من أننا حتى لو أصبنا فلن ندخل الى العمق، واذا دخلنا ايضا فسنسبب ضررا ماديا ضئيلا، واذا سببنا ضررا ماديا كبيرا لن تكون النتيجة النهائية ناجحة. واذا خسرنا عشر طائرات ووقع عشرة طيارين في الأسر وانتهى تهديدنا الكبير كله بأنين ضعيف فلن يكون وضعنا جيدا. واذا كانت هذه هي النتيجة فسنجد أنفسنا فورا نواجه الخطر الثاني وهو ضعف فظيع لقدرة الردع يشجع مختلف أسماك القرش على مهاجمة اسرائيل التي هددت وفشلت، وهي تنزف الآن في الماء. والخطر الثالث هو انه سواء نجح الهجوم أم فشل فانه سيعطي الايرانيين أفضل سبب للانطلاق نحو المشروع الذري علنا وتركيب قنابل ذرية أولى في غضون زمن قصير. وسيقول الايرانيون انهم لم يقصدوا ذلك ألبتة فقد أرادوا الذرة من اجل السلام، لكن بعد ان هاجمتهم اسرائيل لم يعد لهم مناص ولهم تسويغ كامل ايضا. والخطر الرابع هو ان تهاجم ايران ردا على الهجوم الاسرائيلي الخليج وتهاجم أهدافا امريكية وترفع بذلك سعر النفط الى 200 دولار للبرميل. فاذا حدث ذلك فسيغضب العالم على اسرائيل وسيعمل المجتمع الدولي على مواجهتها بصورة صارمة. وقد تكون التأثيرات بعيدة المدى: من رقابة وثيقة على ديمونة الى عقوبات اقتصادية من الامم المتحدة خاصة علينا".

        أحتاج في هذه المرحلة الى مهلة ويمنحني آيلاند مهلة. وهو يعلمني ان اسرائيل ما كان يفترض ان تصل الى الاختيار بين الطاعون والكوليرا. وان الطريق الصحيح لمجابهة التحدي الايراني كان الطريق السياسي، كما قال. وكان الحل السياسي الجدي الوحيد هو الحل الروسي. فقد كان التعاون الامريكي الروسي فقط يستطيع ان يحاصر ايران في طوق عقوبات تجعلها تستسلم. لكن التعاون الامريكي الروسي أوجب على واشنطن ان تدفع ثمن ذلك الى موسكو في عدد من المجالات الحيوية. وما كانت واشنطن الجمهورية وواشنطن الديمقراطية ايضا مستعدتين لدفع هذه الأثمان، وهكذا لم تكف الولايات المتحدة عن التحرش بروسيا في السنين السبع الاخيرة. وهاجمت ادارة بوش وادارة اوباما ايضا بوتين مرة بعد اخرى وكأنه لا توجد ايران في العالم. وقد جعل هذا الاخفاق الامريكي الكبير الخيار السياسي في مواجهة طهران لم يُجرب قط بجدية. وتمت اجراءات كثيرة جدا باطلة تظاهرية، لكن الاجراء الحقيقي الوحيد لم يتم، ولهذا وصلنا الى المكان الذي نقف فيه اليوم، ولهذا دُفعت اسرائيل الى الزاوية التي قد تضطر منها الى الاختيار بين القنبلة الذرية والقصف.

        كيف نختار اذا، سألت من كان مستشار الامن القومي لاريئيل شارون. وكيف يجب على الوزراء ان يسلكوا اذا جيء بهذا الشأن وحينما يؤتى به الى مائدة التُساعية والى مائدة المجلس الوزاري المصغر؟.

        وقال آيلاند: "يجب على المستوى السياسي في يوم الحسم ان يطلب الى المستوى العسكري اعطاء جواب بالايجاب حاسم عن كل واحد من الاسئلة الاربعة التالية:

        1- هل توجد عندنا معلومات استخبارية جيدة بقدر كاف؟ وهل نعلم بالضبط ما الذي يوجد وأين؟

        2- هل نعلم كيف نجلب كتلة هجوم حرجة الى نقاط الهدف التي تستطيع الاستخبارات تقديمها؟

        3- هل نعلم بيقين ان المادة المتفجرة التي سيجلبها الهجوم الى نقاط الهدف الصحيحة ستدخل الى حيث يجب ان تدخل وتسبب ضررا كبيرا؟

        4- هل ستُسبب النتيجة العامة للهجوم وقف البرنامج الذري الايراني حقا؟ وهل ستمنحنا مهلة لا تقل عن بضع سنين؟".

شعور بين بين

ان أفضل وقت للهجوم العسكري كما يرى رئيس شعبة التخطيط السابق قد كان في 2007 – 2008. "لكن اليوم ايضا الأجوبة عن الاسئلة الاولى جيدة تقريبا. لكن الجواب عن السؤال الرابع الحاسم أقل حسنا. وذاك لأنه ليس السؤال هنا عسكريا فقط بل يؤلف بين العسكري والسياسي. اذا وجد تأييد دولي للهجوم الاسرائيلي فسيصعب على ايران جدا ان تعيد بناء قدرتها الذرية في اليوم التالي. لكن اذا نُظر الى الهجوم الاسرائيلي أنه وحشي وغير شرعي فستحصل ايران على الدعم وتبلغ الى القدرة الذرية العسكرية سريعا. وفي هذا السيناريو سيُعجل القصف الاسرائيلي خاصة تركيب القنبلة الذرية الايرانية. وستخرج اسرائيل صلعاء من هنا ومن هناك".

        يمنح غيورا آيلاند بنيامين نتنياهو واهود باراك درجة عالية جدا لصورة ادارتهما المعركة في مواجهة ايران في السنين الثلاث الاخيرة. وهو يعتقد أنه كان من الصحيح التسلح والتدرب واعداد خيار عسكري جدي. وكان من الصحيح ايضا إحداث انطباع عند المجتمع الدولي ان اسرائيل توشك ان تستعمل الخيار العسكري في كل لحظة. ولا يمكن احراز هذين الهدفين بغير ضغط قادة الجيش وقادة الموساد وإحداث شعور بين بين عندهم. ولا يرفض آيلاند ايضا احتمال ان يكون من الصحيح في ظروف ما تحقيق الخيار العسكري، لكنه لا يبدو متحمسا. وهو يولي الظروف السياسية والشرعية الدولية الأهمية العليا. ويقول بصورة جازمة انه اذا أمر رئيس الولايات المتحدة اسرائيل بألا تهاجم فلا يجوز لها ان تهاجم.

        أقول لآيلاند: تعال نرتب الاشياء. ان ما تقوله هو ان احتمال صد ايران سياسيا منخفض. أصحيح؟ صحيح. وما تقوله هو ان احتمال ان يهاجم الرئيس اوباما ايران منخفض. أصحيح؟ صحيح. وما تقوله هو انه كي يتم هجوم عسكري اسرائيلي ناجح على ايران يُحتاج الى وضع سياسي هو غير موجود الآن. أصحيح؟ صحيح. اذا كان الامر كذلك فانني أقول ان ايران توشك ان تصبح قوة ذرية قريبا.

        يسكت آيلاند. فهو يفهم جيدا معنى سؤالي ويفهم جيدا معنى جوابه. وهو يتردد هذه المرة ويزن كلماته ويقول في نهاية الامر ما يلي: "اذا لم يوجد حل سياسي مفاجيء واذا لم يتم هجوم عسكري في 2012 – 2013 فمعنى ذلك التسليم الفعلي لايران الذرية. وكي تهاجم اسرائيل يجب على المستوى السياسي ان يحصل من المستوى العسكري على أجوبة جيدة جدا عن الاسئلة التي عددتها وعليه ان يتحقق من ان الظروف السياسية للهجوم قد نضجت. وليس احتمال ان توجد كل هذه الظروف صفرا، لكنه أقل من 50 في المائة بكثير. وهكذا فان احتمال ان تصبح ايران قوة على شفا القدرة الذرية هو احتمال عال جدا يزيد على 50 في المائة".