خبر الرئيس.. ممنوع من السفر!..أحمد منصور

الساعة 12:37 م|11 يوليو 2012

الخبر نشر فى مصادر كثيرة أن الرئيس المصرى محمد مرسى ما زال على قوائم الممنوعين من السفر، تلك القوائم التى كانت تضم ما يزيد على مليونى مصرى ما بين ممنوع من السفر إلى ترقب الوصول، وكانت تسمى قوائم الإدراج. وكان ضباط أمن الدولة علاوة على المخابرات العامة وأجهزة أمنية أخرى تضع من تريد على هذه القوائم، حيث مارس ضباط أمن الدولة صنوفا من الإذلال والإهانة للشعب المصرى طوال العقود الماضية، وكانت قوائم الإدراج من أسوأ تلك الوسائل. عشرات الآلاف من المصريين فقدوا وظائفهم فى الخارج بسبب منعهم من السفر أو التلكؤ فى منحهم تصريح العمل، وآلاف آخرون فقدوا المنح التعليمية أو التوظف فى سلك التعليم العالى بسبب تقارير أمن الدولة، وكان رئيس مصر الحالى أحد هؤلاء المدرجين على تلك القوائم السوداء. ورغم أنى كنت أحد هؤلاء المدرجين لسنوات طويلة فلم أكن ممنوعا من السفر، لكنى كنت على قوائم ترقب الوصول والسفر حيث كنت أقضى أحيانا عدة ساعات حتى يسمح لى ضباط أمن الدولة بالدخول إلى مصر! وفى السفر كم أخر ضباط أمن الدولة موعد إقلاع طائرتى، وأنزلت حقائبى عدة مرات من على الطائرة بسبب تعنتهم فى سفرى ثم يسمحون لى فى اللحظة الأخيرة! وكانت المواجهات والمشاحنات بينى وبين ضباط أمن الدولة لا نهاية لها، حتى أصبح موظفو شركات الطيران يعرفون أن سفرى يعنى مشكلة، فكانوا يأخذون الاحتياطات اللازمة ويبقون حقائبى خارج الطائرة إلى اللحظة الأخيرة وهم يبدون أسفهم لى. أذكر فى إحدى مرات وصولى من الدوحة إلى القاهرة على طائرة الخطوط القطرية قبل أكثر من عشر سنوات، كان أحد مندوبى السفارة القطرية ينتظر أحد الوزراء القطريين القادمين على نفس الطائرة لتسهيل إجراءات خروجه، فلما رآنى طلب منى جواز سفرى حتى يختمه مع الوفد المرافق للوزير فأعطيته الجواز وختمه بالفعل وأخذت حقائبى وخرجت، ذهبت لبيتى فتركت حقائبى ونزلت إلى موعد وعدت فى العاشرة ليلا وكانت الطائرة قد وصلت فى الثالثة عصرا، عدت فوجدت نحو خمسة من موظفى السفارة القطرية فى القاهرة فى انتظارى أمام البيت والقلق مستبد بهم، فأدركت أن هناك مشكلة بسبب ختم الجواز، فقال لى أحدهم: «نحن آسفون، ولكن يبدو أن هناك مشكلة فى الختم ويريدونك مع جواز السفر فى المطار»، ذهبت إلى المطار فوجدت أحد ضباط الجوازات يقف فى الخارج وقال لى: «ماذا فعلت بى يا أستاذ أحمد؟ والله أنا أحبك وأحب برامجك وكنت سعيدا أنى ختمت جواز سفرك، لكنى فوجئت بأمن الدولة يقولون لى: لم ختمت هذا الجواز، إنه مدرج؟ يجب أن تعيد المسافر مع جوازه، ورغم أن نوبتى تنتهى فى الساعة الرابعة فإنهم قالوا لى لن تذهب لبيتك دون عودة المسافر»! هكذا كان ضباط أمن الدولة يفعلون مع زملائهم، دخلت على ضابط أمن الدولة وأنا غاضب فاتصل بالمسئول فى لاظوغلى وقال له: تمام يا أفندم وصل، رفعت صوتى حتى يسمع الأفندم غضبى، وطلبت من الضابط أن أتحدث معه ورفعت صوتى عليه وتحدثت معه بحدة، أعطانى بعدها جواز السفر وذهبت إلى لاظوغلى حيث قضيت ليلة مطولة من النقاش الحاد مع عدد من الضباط، وكان مدير قناة الجزيرة آنذاك محمد جاسم العلى معى على الهاتف طوال الليل يتابع معى ما يقوم به رجال أمن الدولة، حتى خرجت من أمن الدولة عند الفجر، وربما كانوا يعملون حساب أنى أعمل فى قناة فضائية تتابع أمرى لذا كانوا إلى حد ما لديهم حساباتهم. وقد بقى محمد جاسم العلى طوال سنوات إدارته للجزيرة يتابعنى لحظة بلحظة خلال رحلاتى إلى القاهرة، وفى إحدى المرات احتجزونى فور وصولى فاتصلت به وأبلغته وكان قد بقى على النشرة عشر دقائق قال: أبلغهم أن احتجازك هو الخبر الأول على نشرة الخامسة، وما إن أبلغتهم حتى ارتبكوا بعد إجراء مكالمة، وخرج ضابط أمن الدولة بنفسه معى إلى خارج المطار مودعا. أما الضابط الذى ختم لى الجواز واحتجزوه حتى أعادونى للمطار فلى معه قصة أخرى وقعت بعد عشر سنوات سأرويها غدا.

الرئيس.. ممنوع من السفر!. (2)

كانت الخطوط الجوية القطرية قد أدخلت خدمة ختم الجوازات على متن الطائرة لركابها القادمين من الدوحة، وكان ضابط من جوازات القاهرة يصاحب الرحلة من الدوحة مما يسهل على الركاب عدم الوقوف فى صف الجوازات عند الوصول، وهذا نوع من الخدمات منتشر على مستوى العالم، وفى إحدى مرات عودتى إلى الدوحة قبل عامين تقريبا عادت المضيفة بجواز سفرى وقالت لى: «الضابط يعتذر عن ختم جوازك»، تعجبت ثم حملت جوازى وذهبت للضابط سلمت عليه وقلت له: «لماذا لم تختم جواز سفرى؟» قال: «أما تذكرنى؟» قلت: «لا؟» قال: «أنا الضابط الذى احتجزونى فى المطار قبل عشر سنوات بسببك ولا أريد أن أكرر التجربة»، ضحكت وقلت له إن اسمى رفع من الإدراج، قال: «ما أعرفه أنهم يرفعونه ثم يدرجونه، لذا اسمح لى سآخذ جوازك حينما ننزل وأنهى لك إجراءاته بمجرد وصولنا»، وأذكر هنا أن معظم الذين كانوا مدرجين فى دول الخليج علموا بالخدمة التى تقدمها الخطوط القطرية فكانوا يركبونها، ويخرجون مباشرة من المطار قبل إيقافهم، فاتخذ قرار بعدم خروج أى راكب إلا بعد فرز الطائرة كلها ثم ألغيت الخدمة فى النهاية!

هذه شواهد على ما تعرض له المصريون طوال العقود الماضية على يد رجال أمن الدولة فى المطار، أذكر أن العلامة الدكتور يوسف القرضاوى احتجز ليلة كاملة فى المطار، أما الدكتور زغلول النجار فقد أبلغنى أنه قضى ليلة كاملة يجلس القرفصاء على كرسى فى المطار حتى الصباح وآلاف آخرون، وفى أحد أيام إيقافى وجدت رجل أعمال إماراتيا غاضبا بسبب إيقافه كلما دخل أو خرج، وأبلغنى أن حجم استثماراته فى مصر تزيد على نصف مليار جنيه وأنه يفكر فى سحبها، لا سيما أنه اشتكى لكل المستويات مما يتعرض له فى المطار.

آلاف مؤلفة من المصريين منعوا وهم يرتدون زى الإحرام من السفر لأداء العمرة والحج، وآلاف مؤلفة خسروا وظائفهم أو حرموا من بعثاتهم التعليمية لأن ضابطا ساديا نصف متعلم كان يقرر مصير الناس، ويدوس على أحكام القضاء ويقيم دولة «أمن الدولة».

مع هذا لم يكن ضباط أمن الدولة كلهم سيئين، وهنا أقر أنى صادفت نوعيات راقية، خلال سنوات معاناتى معهم، من أصول كريمة شأن معظم أبناء الشعب المصرى، لكن النوعيات المريضة التى كانت تتصدر المشهد كانت هى الطاغية وهى التى توجد فى مواقع إيذاء الناس، وقد بقيت سنوات أتصل على أحد هؤلاء قبل سفرى وقبل وصولى حتى أتجنب تأخير الطائرات فى الإقلاع، وإيقافى ساعات فى الوصول، وكان رجلا معى إلى حد بعيد، وما زلت أوده بالاتصال من آن لآخر رغم أنه ترك الخدمة منذ مدة، ورغم جلستى الحادة جدا معه أول مرة فإنه بعدها قال لى: «أنت شخص جدير بالاحترام وسوف أفعل ما أستطيع حتى أزيل عنك هذا الغبن، فأنت شرف لكل مصرى بموقعك وبما تقوم به»، وقد فعل، ويسمح لى أن أذكر اسمه اعترافا بالجميل وهو اللواء طارق الركايبى. لكن هذا لم يكن يمنع أن يوضع اسمى من آن لآخر من طرف هذا الجهاز أو ذاك، لكن كان مغضوبا علىّ من الجميع وكنت أشرف بذلك لأنى ما بحثت يوما عن الرضا ولكنى كنت دائما أفرض الاحترام. وأود أن أنهى بقصة طريفة حدثت لى قبل أسبوعين فى مطار القاهرة وكنت عائدا من باريس، وجدت أحد ضباط الجوازات يرحب بى ويصر أن يختم لى جوازى بنفسه وأنا المغضوب علىّ دائما، شكرته وأعطيته الجواز، حينها جاءه أحد زملائه ركضا وهو يقول: «يا أفندم فلان وفلان وصلا على الطائرة القادمة من باريس وهما وزيران سابقان ممن عمل مع حسنى مبارك»، قال له: «دول مدرجين بلغ فورا أمن الدولة طبعا»! قلت: «يا سبحان الله! دارت الأيام».

حينما علمت أن الرئيس محمد مرسى ما زال مدرجا على قوائم الممنوعين من السفر تذكرت هذه القصص، لكنى لا أعرف ماذا سيحدث حينما يغادر الرئيس اليوم متوجها للسعودية فى أول مهمة رسمية له رئيسا خارج مصر؛ هل سيقول له ضابط الجوازات: «سيادة الرئيس أنا آسف أنت ممنوع من السفر»؟