خبر الدور الإسرائيلي في جنوب السودان يتعاظم بعد عام من الانفصال.. عامر خليل

الساعة 09:16 ص|09 يوليو 2012

عام بعد انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة عن شماله وانضمامه إلى الأمم المتحدة في التاسع من تموز 2011 كعضو الـ 193  فيها فان أزمات السودان بشماله وجنوبه لم تتوقف كما ان الدور الإسرائيلي في جوبا تعاظم وبات اكثر خطورة على الامن القومي العربي حيث تفجرت معارك حدودية في اكثر من منطقة بين الشمال والجنوب فيما اضحت الاخيرة قاعدة لحركات التمرد السودانية التي عرفت نفسها بـ"الجبهة الثورية السودانية" والتي تحظى برعاية دولة الجنوب لاحداث انفصال جديد في جمهورية السودان، وضمت الجبهة ثلاث حركات انفصالية في غرب السودان "دارفور" والحركة الشعبية - فرع شمال السودان، وتطورت الاحداث بين جنوب السودان وشماله الى ما يشبه حرب الاستنزاف في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة على مدى عدة شهور.

 

مثل الهجوم الجنوبي على منطقة هيجليج في شهر نيسان الماضي التي يقع فيها 60% من نفط السودان آخر الاعتداءات الجنوبية على السودان واستمرار الدور الذي تريده اطراف عدة في نشر عدم الاستقرار وقد اكدت وزارة الدفاع السودانية ان "الهجوم على هيجليج ليس سوى حلقة من إستراتيجية تتضمن ثلاث خطوات هي: الدخول لهجليج بالقوة، ثم احتلال جنوب كردفان ومدينة الأبيض واستخدام مطار الأبيض لإنزال طيران مرتزقة إسرائيلي واستخدامه في تدمير بعض الجسور النيلية، وصولاً للهدف الرئيسي وهو الانقضاض على الخرطوم بدعم من طابور خامس في الداخل".

 

 لم يكن الانفصال الذي صوت عليه الجنوبيون نهاية لخمسين عاما من الصراع السياسي والعسكري فقد تفاقمت قضايا النزاع ولم يتمكن اتفاق "نيفاشا" عام 2005 من منع وقوعها وهو نزاع طال ترسيم الحدود وحقول النفط وحرب استنزاف طالت لعدة شهور اوقفها مؤقتا تدخل افريقي نجح في جمع الخرطوم وجوبا على مائدة واحدة لتسوية تلك القضايا وهو امر مشكوك فيه بحيث يمكن ان يتجدد القتال في أي لحظة.

 

لم يؤد انفصال جنوب السودان الى انتهاء مشاكله الداخلية اذ اندلعت اشتباكات عنيفة بين  قبائله على مدى عدة اشهر قتل فيها الاف الجنوبيين فيما الفقر والاوضاع الاقتصادية المتردية لا تزال معلما لهذه الدولة حيث يتدفق الاف الجنوبيون على جوبا العاصمة من اجل العمل ولا يجدونه فيما اثرت مشكلة بيع النفط الجنوبي عبر الشمال على موارد الدولة حيث لم يتم حل الخلاف حتى حول ثمن النقل فخسر وما يزال الجنوب اموالا تقدر بمئات الملايين كان ينتظر ان تساهم في التخفيف من حجم ازمته الاقتصادية.

 

الدور الاسرائيلي لم يتقلص في الجنوب وهو انتقل الى مرحلة رسمية مباشرة مع اعتراف تل ابيب بدولة الجنوب واقامة سفارة وتعيين سفير في جوبا وكانت الزيارة التي قام بها سيلفا كير في العشرين من شهر كانون اول 2011 مؤشرا واضحا على قوة تلك العلاقات فخلال اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس قال سلفا كير "بدونكم لم نكن لنوجد"، وهو تأكيد على ان ولادة هذه الدولة يرجع بشكل أساسي الى مصلحة اسرائيلية من خلال ارساء وجود أمني وعسكري واقتصادي يرتقي الى درجة التحالف الاستراتيجي، والذي عبرت عنه صورة شمعون بيريس وهو يرفع كأس خمر الحب الجديد مع سلفا كير.

 بيرس كشف بعض خفايا العلاقة الإسرائيلية مع الحركة الانفصالية في جنوب السودان عندما اشار الى أن العلاقات معها بدأت في زمن حكومة ليفي أشكول في منتصف الستينات، حيث تولى منصب نائب وزير الحرب في حينه، قائلا"عقدت أول لقاء بالسودانيين في باريس وقدمنا لكم مساعدات كبيرة في مجالي البنى التحتية والزراعة"، مضيفا" إن إسرائيل ما زالت تقدم المساعدات لجنوب السودان في شتى المجالات "في سبيل تقويتكم (...) فنحن نعرف كيف ناضلتم بشجاعة وحكمة وتغلبتم على الصعاب وأقمتم دولتكم المستقلة".

 

وقد دلل إعادة اسرائيل تقييم عمل أجهزتها الاستخبارية وقواتها العسكرية في منطقة القرن الأفريقي وكان قرار وزير الاستخبارات الاسرائيلي دان مريدور ورئيس الموساد تامير باردو باقامة محطة إقليمية رئيسية للموساد في  عاصمة جنوب السودان"جوبا" على حجم الاعتماد الاسرائيلي على جنوب السودان وهذا القرار يتعلق برؤية إستراتيجية جديدة لدولة جنوب السودان كدولة حليفة ويعيد انتاج العلاقات التي سبق وان نشأت بين اسرائيل وأثيوبيا التي جعلت من اثيوبيا ليس مجرد حليف وانما قاعدة تدار منها جميع الانشطة الاسرائيلية الامنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية على مستوى منطقة القرن الافريقي واجزاء اخرى مهمة في افريقيا.

مهام محطة الموساد الجديدة حددت في ضوء التطور الاستراتيجي الاسرائيلي تجاه افريقيا عامة وشرقها خاصة أو ما يسمى بـ"قوس الازمات" في الصومال وجنوب السودان ومنطقة حوض النيل ودارفور، وستتركز اهدافها في مواجهة المقاومة الفلسطينية "تهريب السلاح" وبناء عمق امني واستخباري يكون بمثابة عين راصدة وكاميرا تنقل لحظة بلحظة المعلومات المهمة عن وجود مصادر تهديد بالاضافة الى العمل المنسق مع شركاء أفارقة في جنوب السودان ودول حوض النيل وكينيا واثيوبيا واوغندا في نطاق منظومة استخبارية  قادرة على العمل الدفاعي والهجومي.

المصادر الإسرائيلية اشارت الى ان محطة الموساد الجديدة في جوبا تمارس نشاطها في البعد البري أي المناطق البرية شرق أفريقيا وحوض النيل مع استخدام المنظمات الالكترونية الثابتة مثل محطات الرصد والمتابعة، ومحطة تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية ومقرها المدخل الجنوبي للبحر الاحمر" ارخبيل"و"ودهلك"، وهذه المحطة وفقا لتلك المصادر تعمل من قواعد متحركة تستخدم طائرات الاستطلاع"سكاي-سكاي" وكذلك الموهوك وفالكون  والزوراق السريعة من طراز علياء مزودة بحوامة "سوبر دفورا" وزوراق دورية وميادين عملها البحر الاحمر من مدخله الشمالي الى المدخل الجنوبي وبحر العرب والخليج والساحل الغربي للمحبط الهندي في كينيا واهم نشاط ومهام هذه المحطة هو النشاط المعلوماتي ثم النشاط  العملياتي من اجل الهجوم.

اتضح دور تلك المحطة في الهجومين المنفصلين اللذين نفذهما الطيران والبحرية الاسرائيلية خلال تشرين ثاني 2011 في عمق الأراضي السودانية ضد قوافل سيارات وادعت تل أبيب أنها تحمل سلاحا معدا للوصول الى غزة ما يشير الى عمق التغلغل الأمني والعسكري الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي فهذا الهجوم لم يكن الاول ولن يكون الاخير في سلسلة من الهجمات غير المتوقفة خلال الاعوام الثلاثة الماضية والتي تشير مصادر إسرائيلية الى انها بلغت في العام 2010 ثمانين عملية قام بها سلاح البحرية الإسرائيلية جرت على بعد  نحو ألف كيلومتر عن الحدود الإسرائيلية، الا ان سلاح الجو الإسرائيلي كان فاعلا في عمليات اخرى جرى الكشف عنها ووصل عددها الى خمسة خلال الاعوام الثلاثة الماضية.

 

الوجود الاسرائيلي في جنوب السودان لا يهدد فقط الامن القومي السوداني بل الامن القومي العربي خاصة المصري حيث تسعى اسرائيل الى محاصرة مصر بعد سقوط نظام مبارك وانحسار النفوذ الاسرائيلي، وخلال زيارة د. أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني السوداني الى مصر في التاسع من الشهر شباط 2012 اوضح أن إسرائيل وضعت أقدامها في أفريقيا بهدف تطويق المصالح المصرية، وناشد الحكومة المصرية إلي الإسراع بالعودة إلي أفريقيا التي يتسابق العالم للاستثمار بها نظراً لإمكاناتها الواسعة حتى تتمكن القارة من الإفلات من محاصرة النظام الغربي لها الذي يستنزف مواردها.

*كاتب مختص في الشأن الاسرائيلي.