خبر وقائع اغتيال عرفات وقنبلة الجزيرة الإعلامية .. علي بدوان

الساعة 06:41 م|06 يوليو 2012

وقعت أصداء القنبلة الإعلامية السياسية التي أطلقتها قناة الجزيرة الفضائية في البرنامج الاستقصائي الخاص، والمتعلق بكشف الكثير من الوقائع الصارخة عن اغتيال الشهيد ياسر عرفات، وقوع الصاعقة في الشارع الفلسطيني في الداخل والشتات، وعلى رؤوس الكثيرين، الذين بدت لهم الأمور وكأنها انتهت مع الطي المدروس "غربياً" لملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، منذ أن أودعت الجهات الفرنسية الرسمية وقائع القضية في أدراج مخفية، لم يكن لأحد أن يصل إليها.

فما الجديد الذي أتت به قناة الجزيرة عبر البرنامج الخاص الذي بثته عن اغتيال الرئيس ياسر عرفات، خصوصاً وأن الكثيرين كانوا وما زالوا على قناعة تامة بأن رحيل الرئيس ياسر عرفات لم يكن رحيلاً طبيعياً بيولوجياً، بل كان بفعل عملية تصفية مدروسة، تمت بتقنيات عالية جداً؟

تحقيق استقصائي نوعي
نبدأ بالقول، إن الجديد الذي أتت به قناة الجزيرة عبر التحقيق الإعلامي المتعلق باغتيال الشهيد عرفات، أنها الجهة الوحيدة التي قامت بإجراء تحقيق علمي وممنهج، وبمتابعة حثيثة وملموسة، اعتمدت على القرائن والأدلة، وعلى العمل المخبري والتحاليل المعملية في أرقى مشافي ومختبرات التحليل البيولوجي والباثولوجي والإشعاعي في العالم على الإطلاق، بينما اكتفت باقي الجهات وخاصة الفلسطينية والعربية المعنية منها، بإطلاق التقديرات والتكهنات التي تقول وتقّر بالوفاة غير الطبيعية للرئيس الراحل ياسر عرفات، دون أن تُقدم على اتخاذ خطوة ملموسة لإجراء تحقيق بشأن اغتيال الشهيد الرئيس ياسر عرفات

فقد نامت قضية تصفية الرئيس الراحل في الأدراج، واكتفت الجهات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية بتحميل الطرف المعادي تنفيذ عملية تصفية الراحل ياسر عرفات، وهو ما دفع إدارة مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي للقيام بعملية إتلاف كل العينات البيولوجية التي كانت قد أُخذت من جسد الرئيس ياسر عرفات قبيل وفاته وذلك عام 2008 بعد أربع سنوات تقريباً من الاحتفاظ بها، معللة ذلك بعدم مطالبة أي طرف أو جهة فلسطينية أو غير فلسطينية، بالاستفادة منها في إجراء الفحوص اللازمة للكشف عن أسرار الوفاة غير الطبيعية للراحل ياسر عرفات.

إن قناة الجزيرة، سجلت في تحقيقها الدقيق والموثق والممنهج إياه، سبقاً مرموقاً في عالم (الميديا) وصحافة التحقيق النوعي والاستقصاء بعيداً عن "التأويل والتقويل" السياسي الذي بدأ البعض بإطلاقه تجاه قناة الجزيرة.

فقد تم بناء التحقيق الاستقصائي النوعي على دعائم قوية، في معالجة متقنة، بدأت بمرحلة البحث والجمع والتوثيق، وتنسيق المعلومات، وفحص الوثائق اللازمة، وملامسة المعطيات والوقائع، و"استنطاق" من بدت له معرفة من الأشخاص بالموضوع المثار وأحداثه المتتالية خلال مرض الرئيس عرفات، ومتابعتهم في أكثر من بلد يقيمون فيه.

كما سجلت قناة الجزيرة، سبقاً مهماً في هذا الشأن، فقد جاء تحقيق قناة الجزيرة، خطوة جريئة وشجاعة لكشف المستور والمخفي عن أسرار جريمة سياسية بامتياز تم السكوت عنها لعدة أسباب، كان أولها ضعف الحيلة والإمكانية لدى الجانب الفلسطيني الرسمي لإثبات الأسباب الحقيقية للوفاة أولاً.

وكان ثانيها سوء التقدير لدى الطرفين العربي والفلسطيني في ظل الاشتباك السياسي مع الاحتلال وضغوط الإدارة الأميركية ثانياً، وكان ثالثها غياب قرار فلسطيني على أعلى مستوياته، كان لا بد منه للسير قدماً في العمل بكافة وشتى السبل الممكنة للكشف عن القتلة وطريقة التصفية التي اتبعت في إنهاء حياة الشهيد ياسر عرفات القائد التاريخي للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، ومُفجر الثورة الفلسطينية ومطلق رصاصاتها الأولى فجر العام 1965.

تجاوب السلطة الإيجابي
في هذا السياق، إن التعاطي الإيجابي من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية مع ما أتت به قناة الجزيرة، والتجاوب مع مطلب أسرة الراحل ياسر عرفات باستكمال التحقيق في الموضوع، خطوة جيدة وإيجابية، عاقلة وحكيمة، تغلق الأبواب أمام "التقويل والتأويل" وأمام ردود الفعل السريعة غير المحسوبة التي أطلقها، وقد يطلقها بعض المتسرعين دون تمحيص وتدقيق، والذين بدت لهم الأمور وكأنها تصفية حسابات تقوم بها قناة الجزيرة، وأن هناك فخاً سياسياً منصوباً بإحكام، وقد أرادت منه قناة الجزيرة وضع الحالة الفلسطينية في الداخل تحديداً وفي صفوف حركة فتح خاصة، أمام تساؤلات صعبة قد تفتح الطريق أمام انقسامات واتهامات جديدة ومن العيار الثقيل في البيت الفلسطيني.

إن التعاطي الإيجابي الرسمي الفلسطيني، مع وقائع ما بثته قناة الجزيرة، يجب أن يستمر، ويجب أن يسير بالأمور نحو استكمال التحقيق حال توافرت إمكانية الاستمرار به وفق الروحية التي انطلق منها والقائمة على مقاربة الأدلة والقرائن والوقائع علمياً، لكشف الحقيقة المغيبة والمتعلقة بالتفاصيل الحية عن واقعة استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

فالأمور يجب أن تؤخذ بنواصيها وبمسارها العام الذي يفتح نحو كشف الوقائع التفصيلية الغائبة، دون التطرق لقراءات سلبية في تقدير قيمة التحقيق الإعلامي الاستقصائي لقناة الجزيرة عن اغتيال ياسر عرفات، أو رده لأسباب ذات طبيعة تآمرية.

إن القناعة الراسخة عند الجميع تقول بتورط "إسرائيل" في عملية الاغتيال من ألفها إلى يائها قولاً واحداً، لكن كشف الوقائع الحسية القاطعة والملموسة في واقعة الاغتيال أمر هام جداً، نظراً لما سيحمله من معان راسخة وقاطعة أمام العالم بأسره وأمام المجتمع الدولي ومنظوماته السياسية وعموم مؤسسات القرار الأممي فيه، وسيفضح "إسرائيل" هذه المرة بطريقة دامغة لا تستطيع النفاذ منها.

من البيولوجي الى النووي
من جانب أخر، إن الجديد في التحقيق، يأتي الآن للتأكيد بشكل أو بأخر وبتقديرات عالية الصحة، على إدانة "إسرائيل" باغتيال الراحل ياسر عرفات بشكل كاد يقترب من تثبيت الواقعة، ليس فقط انطلاقاً من حسابات صاحب المصلحة بتصفية عرفات وهي "إسرائيل" بالطبع صاحبة التاريخ الحافل في هذا الميدان، بل من خلال المؤشرات القوية جداً التي أطلقتها الفحوص المعملية التي أجريت على ملابس الرئيس ياسر عرفات التي كان يرتديها في المستشفى ومنها قبعته الشخصية والبيجاما وشعرات رأسه، حيث دلت الفحوص على وجود تَسمم إشعاعي من جانب، وعلى وجود عنصر البولونيوم المُشع (PO210) في ملابس عرفات، وهو عنصر لا تملكه على الإطلاق سوى دولة نووية كالدولة العبرية الصهيونية، فعنصر البولونيوم المشع جزء رئيسي في الصناعة النووية، وعنصر إستراتيجي هام لا بد من وجوده لدى الدول التي تَملك مفاعلات وصناعة نووية.

لقد سبق أن قامت "إسرائيل" بتنفيذ عشرات الاغتيالات السرية باستخدام السموم (الاغتيال البيولوجي) كما حصل عند محاولة اغتيال خالد مشعل عام 1996، وكما حصل من قبل مع اغتيال الشهيد الدكتور وديع حداد مسؤول فرع العمليات الخارجية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1978 الذي اغتيل بالشوكولاتة البلجيكية المسمومة التي أرسلت للشهيد وديع حداد بطريقة معقدة من أوروبا إلى العراق، وبعدما تناول حداد هذه الشوكولاتة تدهورت حالته الصحية بصورة خطيرة وعانى كثيراً في مستشفى في ألمانيا الشرقية "السابقة" إلى أن توفي العام 1978.

لكن الجديد في الأمر، أن الدولة العبرية الصهيونية، انتقلت في تنفيذ عملية الاغتيال نقلة نوعية خطيرة من "البيولوجي إلى النووي" في استخدامها لتقنيات الاغتيالات والتصفيات السرية، من التسميم البيولوجي للجسم البشري بواسطة مادة سامة يتم إدخالها للجسم بطريقة ما، إلى عالم أخر عنوانه القتل بالإشعاع النووي، وهو طريق لم يسلكه أحد من قبل على سطح المعمورة، ولم تتفتح أو تتفتق به عبقرية شياطين التصفيات والقتل والإرهاب في أنظمة الطغاة على امتداد المعمورة في أجهزة الأمن والاستخبارات في عديد الدول التي تلجأ عادة لتصفية خصومها في الداخل والخارج.

البولونيوم المشع
في هذا السياق، ومن موقعي كحائز على شهادة البكالوريوس في الفيزياء النظرية من جامعة دمشق منذ أكثر من ربع قرن، أُشير بأن عنصر البولونيوم المشع (PO210)، أُكتشف عام 1894 على يد (ماري وبيير كوري) في مختبرات الفيزياء النظرية في فرنسا، ويملك هذا العنصر نظيراً آخر (يختلف عنه بعدد النترونات في نواة العنصر)، ويحتوي في نواته على (210) جسيم صغير تُسمى (نيكلونات) وهي عبارة عن (126 نترون + 84 بروتون)، بينما يدور في فلك نواته وبمسارات على شكل سحابات إلكترونية متعددة الأشكال (84) إلكتروناً، بينما تحوي المفاعلات النووية منه أقل من واحد من الألف من باقي العناصر المشعة المستخدمة.

وبالتالي فإن سمية هذا العنصر المشع عالية جداً، فهو في نشاطه النووي الإشعاعي يطلق إشعاعات (غاما) عالية التواتر والخطيرة, فضلاً عن تحريره للطاقة أثناء التفكك النووي المتسلسل لنواته.

فاستخدام الإشعاع النووي في عملية التصفية لإنسان ما، تتطابق إلى حد كبير مع منطق استخدام الطاقة النووية في عمليات الإبادة للبشر كما حصل أثناء الحرب الكونية الثانية في شهر أغسطس/آب 1945.