خبر تنبهوا واستفيقوا....علي عقلة عرسان

الساعة 06:33 ص|06 يوليو 2012

نجح اجتماع جنيف وما تلاه مباشرة من مؤتمرات صحفية وتفسيرات لمقرراته وبيانه العام والمفاهيم التي انطوى عليها، في الكشف عن وجود وجه وقناع لدى أطراف ضالعة في تأجيج نار الأزمة السورية التي تزداد دموية، وهي أطراف لا تريد أن تظهر رغبتها في إفشال مهمة كوفي عنان ولكنها تعمل كل ما في وسعها لإفشالها من خلال الممارسات والإيحاءات والألغام التي تضعها في طريق الحل الوحيد الممكن. وهي في الوقت الذي توافق فيه على دعوة جميع الأطراف لوقف العنف، كما تضمنه نص البيان، تستمر في التسليح والتجييش والتحريض على إسقاط النظام بالقوة المسلحة وعلى رحيل الرئيس قبل الدخول في الحوار الذي تنص المهمة في نقاطها الست وفي بيان جنيف على أنه طرف قيادي في الحل السياسي الذي يتم بين السوريين أنفسهم وتحت السيادة السورية وهو يمثلها عملياً، كما ينص البيان على وضع آلية لانتقال السلطة تتفق عليه الأطراف السورية المعنية.؟! ولا يمكن أن يكون مثل هذا الاختلاف في التفسيرات والمفاهيم ناتجاً عن سوء تعبير أو سوء فهم وتفسير لنص المهمة ذي النقاط الست، ولا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع، ولا عن بيان " وثيقة" جنيف المصاغة بدقة ووضوح ولا عن خطة أو آلية العمل التي تبناها المجتمعون هناك، وصولاً إلى حقن الدماء ووقف العنف وجلوس السوريين إلى طاولة الحوار بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة.!؟ وحين ووجهت تلك التصريحات المباشرة التي صدرت عن كلنتون ولوران فابيوس وحملت تفسيرات ومفاهيم مغايرة لما دار في الاجتماع مما لا يحتملها النص المتفق عليه، بمواقف قوية وحازمة من روسيا الاتحادية والصين الشعبية، ولم تعد صالحة للتداول بعد ذلك، بدأ الضخ الإعلامي باتجاه الاختلاق والافتعال والإرباك وزرع الشكوك في الأرض الرخوة.

وجاء مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة الذي عقد برعاية جامعة الدول العربية، ليؤكد على التسليح والعسكرة بصور وأساليب مختلف، والعودة إلى مجلس الأمن للاستصدار قرار على الفصل السابع والتمهيد للتدخل الخارجي المباشر، وسبقت ذلك وواكبته تصريحات ومواقف لأذرع مسلحة في المعارضة أكيدت على رفض الحوار مع النظام والاستمرار في خيار القتال حتى إسقاطه.. وبتقديري أن مؤتمر باريس لما يسمى " مؤتمر أصدقاء سورية" الذي تحضره مئة دولة ومنظمة دولية، يضع لمسات أخيرة شديدة الوضوح والأهمية على توجه المعارضة في الخارج وخياراتها، وهي خيارات تختلف عليها بعض الأطراف المعارضة ولا تقبلها أطراف في المعارضة الداخلية في سورية.. ليصبح العالم أمام حقيقة المشهد أو المشاهد التي تشكل بمجموعها لوحة الأزمة السورية بعد خمسة عشر شهراً على ابتدائها.. وبهذا الصدد لا ينبغي أن نتجاهل ما أعلن عنه الجنرال روبرت مود في مؤتمر صحفي له مؤخراً في دمشق عن إعادة هيكلة المراقبين الدوليين وإعادة توزيعهم في "فرق ميدانية وإقليمية"، ومن شأن ذلك أن يدعم الشعب السوري الذي من مصلحته ألا يتصاعد العنف وألا يتم التسليح، وأشار إلى أن هانك التزاماً أخلاقياً من البعثة حيال سورية، وهذا يعبر عن إمكانية تجديد مهمة المراقبين بقرار من مجلس الأمن الدولي الذي سيناقش وضع المراقبين والمهمة خلال الأيام أو الأسابيع القادمة.. وهذا يضيف إلى اللوحة شيئاً كما يلقي ضوءاً على بعض خلفياتها؟ 

لم تعد الأزمة السورية المعقدة موضوعاً سورياً خالصاً وربما لم تكن كذلك أصلاً، وفي أثناء التعامل العربي والإقليمي والدولي معها أصبحت ذات أبعاد أوسع من المنطقة، وأخذت تدخل ولو جزئياً في إعادة ترتيب الوضع الدولي بصورة عامة، حيث تحترم سيادة الدول بعد أن دام التبشير بزوال تلك السيادة لسنوات وسنوات، وكانت تنتهك وما زالت تحت ذرائع شتى تبدأ من حقوق الإنسان وتنتهي بالإرهاب، حسب التعريف الأميركي للإرهاب.. هذا من جهة، وأن ينتقل العالم من هيمنة من قطب وحيد الطرف تقوده الولايات المتحدة الأميركية بتحالفاتها وذراعه الضاربة هي حلف شمال الأطلسي، وهو قطب سيطر على السياسة الدولية لعقدين من الزمن على الأقل، لينتقل العالم إلى وجود قطبين على الأقل يحققان شيئاً من التوازن والعدالة الدولية.  ويتشكل القطب المضاد للقطب الأميركي وحلفائه من روسيا والصين وحلفائهما.. وهناك من يذهب إلى أن روسيا الاتحادية  تجرجر أوربا إلى مقاصدها من خلال الأزمة السورية، لكي تؤسس لذلك القطب وتعلن عن وجوده عملياً، ليكون طرفاً دولياً قوياً وفاعلاً، وهو قطب عماده روسيا والصين وفي إطاره مجموعة من دول آسيا الوسطى التي كانت في الإطار السوفييتي سابقاً، ودول من مجموعة بريكس أو كلها، وربما كوريا الشمالية وطهران وسورية وبعض الدول العربية، ودول من أميركا اللاتينية، وقد تتعاطف معه دول أخرى منها مجموعة شنغهاي.. وهو قطب ينهي على الأرض سيطرة الولايات المتحدة الأميركية القطب الذي انفرد بالتحكم بالسياسة الدولية منذ عقدين من الزمن، وانتهك القانون الدولي وما زال، وناصر الاحتلال الصهيوني وإرهابه وعنصريته، ودمر دولاً مثل العراق وأفغانستان، وألحق الكوارث بشعوب تحت ذرائع الإرهاب، وما زال يحلم بالسيطرة المطلقة أو باستعادة تلك السيطرة المطلقة، بأشكال مختلفة، على الرغم من أنه أخذ يتهاوى اقتصادياً على الأقل.

في السياسة الدولية يستمر الصراع ولن يتوقف، والاستراتيجيات تتقدم بالأقوياء ومن خلالهم لتفرض نفسها وتقوي مواقعها وتثبت نفوذها وتوسع دائرة ذلك النفوذ.. وهذا شأن لا أظن أنه سيثبت على حال وإن استقر مؤقتاً.. وما يهمني ويقلقني أنه على الأرض السورية، في المدن والبلدات والقرى، في الأحياء والساحات والطرقات.. يستمر نزف الدم، ويستمر التدمير والتخريب والقتل والإرهاب والممارسات التي لا يقبلها عقل ولا ضمير ولا بشر سوي، ولا تحقق لسوري مصلحة من أي نوع، وتدمر الوطن والعلاقات الاجتماعية بين أبنائه، حيث يواجه فيها الأخ أخاه، ويدخل من بينهما من يواجه بالنتيجة الأخ وأخاه..  وفي الوقت ذاته يستمر النفخ في الأبواق، ويستمر التجييش والتسليح والتحريض والدفع بالمتقاتلين إلى الاقتتال.. ويسقط الأبرياء تحت الأرجل، ويزداد الوطن ضعفاً، وتحقق إسرائيل وحدها أهدافاً ومصالح وتنفذ برامج واستراتيجيات، استيطانية وغير استيطانية، على حسابنا وحساب غيرنا من العرب والمسلمين على الخصوص.. وبينما يجري دمنا ونلهث وراء الأمن والاستقرار والرغيف والغاز والكهرباء والماء..إلخ، يستمر الساسة في السياسة، وتستمر بعض وسائل الإعلام في التحرض والتشويه والتشويش والكذب والانتفاخ، ويقترب شبح الأفظع والأدهى والأمر، شبح الكارثي والأشد إيلاماً من الوطن والشعب والأمة لا سمح الله..

أيها السوريون إن انتصارنا على أنفسنا بلجوئنا للحكمة وحضن الوطن والمصارحة السلمية الجادة وحتى الحادة سيخرجنا من دائرة أن نكون ورقة في مهب الريح، أو أوراقاً بأيدي اللاعبين الدوليين، أياً كان ما يظهرونه لنا من معسول أقوال ويزرعونه في دروبنا وعقولنا من " آمال"، أو ما يقدمونه لنا من .. من.. ماذا؟ من ثمن بخس لدم طهور لا يقدر بثمن، ولوطن هو زينة الأوطان.. أيها السوريون لن تنتصرَ سورية بالانتصار على دمها وعمرانها ووجودها وتاريخها وأبنائها، بل تنتصر بذلك كله حين يكون لها بكل طاقته وفاعليته، وعليها أن تنتصر لذلك كله ولكل جزء منه ليبقى المجتمع والوطن والشرف.. فليحكمنا جميعاً العقل والضمير والدين والشرف والانتماء لوطن هو مهد حضارت، ومهبط رسالات، وموطن أبجديات وثقافات.. وليكن العقل والتسامح لدينا أكبر من ثورة الانفعال وثوران القلوب ووأكبر من فوران الثارات والضغائن فينا.. ليس لنا إلا نحن، ولن تقتلع أشواكنا التي تدمي مقَلنا ألا أصابعنا..

تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب  فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ

ولا حول ولا قوة إلا بالله.