خبر الميت الحي -معاريف

الساعة 01:47 م|05 يوليو 2012

ترجمة خاصة

الميت الحي -معاريف

بقلم: عوديد غرانوت

(المضمون: سؤالان محيران. الأول لماذا استيقظت سهى الان بعد ثماني سنوات والاخر اذا كانت اسرائيل مسؤولة عن الاغتيال فلا بد أنها استعانت بأقرب دائرة حول عرفات لدس السم في طعامه - المصدر).

لنبدأ باعتراف. كاتب هذه السطور اضطر مرة واحدة على الاقل في حياته أن يتذوق الضيافة التي قدمت على طاولة عرفات. فعرفات كان يحثك دون انقطاع على تناول الطعام. نوع من المضيف المطلق. يأخذ بيده شيئا من الصحن، يمده نحوك ويطلب منك على نحو ظاهر: "كُل، كُل". قد تكون هذه طريقته لخلق هدوء، نوع من الهدنة، بين الاسئلة، التي توجه اليه ولم يرغب دوما في أن يجيب عليها.

النبأ الذي كُشف النقاب عنه امس، وحظي بتأكيد العلماء، في أن الطريقة الاكثر ضمانة لتصفية انسان دون أن يشعر هي ادخال بولونيوم 210 الى طعامه أصابني كالبرق. الفهم في أن الحديث يدور عن السم الاكثر فتكا في العالم والذي يكاد لا يمكن كشفه في فحوصات مختبرية دفعني لان أحسب نهايتي الى الوراء.

وهدأت فقط بعد ان شرح العلماء بان السم الاشعاعي هذا يتبدد تماما في غضون أربع حتى خمس سنوات على الأبعد. ومع ذلك، قلت لنفسي، مرت حتى الان عشر سنوات على لقائي الاخير بعرفات.

غير أن العلماء في المختبر في سويسرا يصرون الان على أنه رغم مرور ثماني سنوات حتى الان على موت عرفات، فقد نجحوا في أن يجدوا على ملابسه في المستشفى كمية بقايا كبيرة وغير مفسرة من البولونيوم 210. بل ويصر علماء المختبر في سويسرا على أنه اذا ما سارعوا وحصلوا الان على رفاة عرفات من القبر فانه يمكن اكتشاف كميات أكبر من السم الفتاك هذا. الامر الذي سيثبت بالقطع بان عرفات لم يمت موتا طبيعيا بل قتل.

+ + +

عرفات توفي في العام 2004، ولكنه لا يزال حيا في ذاكرة العديد من الفلسطينيين. معظمهم يسيرون على مدى هذه السنين بإحساس بان زعيمهم صفته إسرائيل كونه أمر بالشروع في الانتفاضة الثانية – ولهذا السبب فرضت اسرائيل عليه حصارا في المقاطعة. ولم ينقصهم سوى الأدلة ظاهرا، الامر الذي وفرته لهم شبكة "الجزيرة" في تحقيق البولونيوم الذي استثمرت فيه. رغم أن السويسريين حذرون، ورغم أن حتى هذا التحقيق غير قادر على أن يقرر بيقين بان الحديث يدور عن تسميم أو عن ان اسرائيل هي التي تقف خلف الفعلة.

وفضلا عن التناقضات والجدال بين العلماء حول مدة نفاد مفعول السم، يوجد على الاقل سؤالان آخران يطرحهما هذا التحقيق، الذي يستند بكامله الى نتائج المختبر في سويسرا.

الاول – ما الذي دفع الأرملة، المتورطة في مصاعب مالية ونزاعات مع السلطة ومع عدة دول عربية اخرى، الى الانتظار ثماني سنوات حتى تمتشق من خزنة محاميها ملابس المستشفى لعرفات وتنقلها الى "الجزيرة" لتنفيذ التحقيق؟

ناهيك عن أن سهى عرفات كانت هي التي عارضت في حينه بكل حزم اجراء تشريح ما بعد الوفاة للجثمان.

والسؤال الآخر، الذي طرح أمس بصوت عالٍ في محطات البث العربية – إذا فرضنا أن يد إسرائيل في الفعلة، فهل كان بوسعها أن تتدخل في غذاء عرفات دون مساعدة معاونين من الدائرة المقربة منه؟

ولعل هذا هو المفتاح لفهم الخلفية لما نشر في "الجزيرة". ينشأ الانطباع بان من يدفع نحو النشر (الذي حظي بالمناسبة بتجاهل تام في شبكة "العربية" المنافسة) أراد ليس فقط توريط إسرائيل في قضية قتل زعيم فلسطيني، بل وأيضا توريط واحراج السلطة الفلسطينية، التي تحقق منذ ثماني سنوات في ملابسات وفاة عرفات ولم تفلح في ذلك. "أيادٍ فلسطينية ضالعة في القتل"، هتف أمس صلاح البردويل، من كبار رجالات حماس، وزملاؤه ألمحوا بانه يجب التقديم الى المحاكمة لجنة التحقيق التي أقامها أبو مازن ايضا بتهمة "الاهمال وجر الأرجل".

+ + +

كيفما اتفق حصل أن في سويسرا الصغيرة كشف هذا الاسبوع العلماء عن كشفين صاخبين. الاول يرتبط بـ "الجزيء الرباني" وسر خلق الكون والاخر – سر وفاة ياسر عرفات.

وفي الحالتين، كما ينبغي القول، لا يزال العلماء غير مقتنعين تماما بان في أيديهم الانجاز الحقيقي، ولكن في الحالتين يواسون أنفسهم بالصخب الهائل الذي حققوه حتى الان حولهم.