خبر العلمانيون يتخلون عن الجيش-هآرتس

الساعة 10:05 ص|04 يوليو 2012

العلمانيون يتخلون عن الجيش-هآرتس

بقلم: يغيل ليفي

          (المضمون: ان طلب تجنيد العرب والحريديين قسرا للخدمة في الجيش الاسرائيلي سيضعضع الروح التأسيسية للجيش الاسرائيلي والروح العسكرية الاسرائيلية - المصدر).

          تعالوا نفترض أنه في مكان ما تعمل مجموعة سرية ترمي الى توجيه برنامج العمل السياسي بحيث يتم تحطيم ما يسمى "جيش الشعب". ان هذه المجموعة لو وجدت تحتفل الآن بمقدمات انجازاتها. ان طلب الخدمة العسكرية للجميع وتقاسم العبء في ظاهر الامر تعبير عن ثقافة عسكرية. وهذا الطلب من زاوية مختلفة يُجسد تراجع العسكرية الثقافية في اسرائيل.

          الى ثمانينيات القرن الماضي كانت الطبقة الوسطى العلمانية ترى الجيش حصنا بل ملكا جماعيا. ومنح الاسهام العسكري هذه الطبقة المجد وسوغ انجازاتها المادية والرمزية وتفوقها على مجموعات اخرى، وجعلها تُعرّف بأنها طبقة "تبني أمة"، وجُندت بلا شرط للحرب الدائمة مع اغماض العين عن خيارات سياسية.

          لهذا لم تُظهر هذه الطبقة اهتماما خاصا باقصاء مجموعات اخرى – الاقصاء التام للعرب والحريديين والاقصاء الجزئي وبخاصة عن النواة المحاربة في الجيش للمتدينين واليهود الشرقيين والنساء. وكانت الخدمة العسكرية تُرى ذخرا يؤتي ربحا جيدا للمتمسكين به ولم تكن تُرى عبئا. ولم يكن ابعاد مجموعات مختلفة يُرى انه يُثقل العبء بل كان يُرى انه يُبعد "الآخرين" عن الحلبة التي تُصاغ فيها الاسرائيلية السليمة.

          وهكذا الحال ايضا في جيوش اخرى في العالم حيث عملت مجموعات كثيرة على أن تُقصي عن الجيش ولا سيما ذاك الذي يعتمد على التجنيد الالزامي، مجموعات أقليات ونساءا لمنع تغيير صبغة الجيش وهي صبغة كانت تتماهى ورموز مجموعة الأكثرية، ولمنع التقسيم من جديد لموارد المجتمع لأن مجموعات الأقليات تستطيع ان تطلب جزءا أكبر لخدمتها العسكرية. ولم تؤدِ اعتبارات تقاسم العبء دورا. وتصبح هذه الاعتبارات ذات شأن حينما تبتعد مجموعة الأكثرية فقط عن الجيش وتضعف تمسكها به حينما تشعر بأن الفائدة من خدمتها العسكرية أخذت تقل.

          هذا ما حدث للطبقة الوسطى العلمانية في اسرائيل منذ ثمانينيات القرن الماضي لاسباب شتى المركزي منها هو نشوء المجتمع في اسرائيل ليصبح مجتمع سوق. وفي نفس الوقت عززت المجموعات المُقصاة بالتدريج اقترابها من الحقوق مقطوعا ذلك عن امتحان الخدمة العسكرية، وآنئذ بدأ مصطلح "تقاسم العبء" يُسمع في الخطاب العام.

          من وجهة نظر الطبقة الوسطى العلمانية، اذا كانت الخدمة العسكرية عبئا لا كنزا فينبغي ان يشارك فيها آخرون ايضا، وآنذاك سُمع طلب تجنيد الحريديين، والعرب ايضا بالتدريج. وذلك الى جانب جهود كثيرين من هذه المجموعة للحصول على اعفاء شخصي والابتعاد في الأساس عن الخدمة القتالية التي تشتمل على الخدمة الاحتياطية ايضا.

          هذا تراجع للعسكرية الثقافية في اسرائيل. فالمجموعة التي ما تزال تملك كثيرا من موارد القوة تحاول ان تُبعد نفسها عن الجيش وان تعرضه بأنه عبء حتى لو كان ثمن ذلك تغييرا ذا شأن لصورته بحيث يُصاغ ليصبح "جيش ضواحي" الأمس. ان طلب تقاسم العبء ليس عسكريا اذا وبخاصة انه لا يختلف عن طلبات اخرى تطالب بتقاسم العبء تنشأ عن روح السوق مثل العبء الضريبي.

          بل ان طلب تقاسم العبء يؤخر العسكرية الثقافية أكثر. ان الطلب الذي لا هوادة فيه لتجنيد العرب والأقليات قسرا سيفضي الى انهيار نموذج التجنيد الالزامي، وذلك اذا فشل الاجبار وأصبح العبء الملقى على عدد من السكان أقل شرعية مما كان في الماضي وحتى لو كان الاجبار ناجعا. ان روح الجيش الاسرائيلي المؤسسة، وهو تعبير واضح عن العسكرية الاسرائيلية، كانت في ان الجنود يُدعون الى الخدمة الالزامية لكنهم يأتون كمتطوعين. وتريد الحركة التي تعارض العسكرة لطالبي تجنيد العرب والحريديين قسرا ان تضعضع هذه الروح العامة.