خبر لا يوجد هنا ربيع عربي بل هزة -معاريف

الساعة 08:13 ص|02 يوليو 2012

لا يوجد هنا ربيع عربي بل هزة -معاريف

بقلم: حنان غرينبرغ

        (المضمون: حوار مع اللواء احتياط عاموس جلعاد، رئيس القيادة السياسية والامنية في وزارة الدفاع حول التغييرات الحاصلة في مصر والمنطقة وتأثيرها على اسرائيل - المصدر).

        من بين أكوام الوثائق التي وضعت هذا الاسبوع على طاولة اللواء احتياط عاموس جلعاد، رئيس القيادة السياسية الامنية في وزارة الدفاع، في مكتبه في مبنى الوزارة في تل أبيب، طل أيضا كاريكاتير واحد نشره عاموس بيدرمان في "هآرتس". جلعاد، الذي يلقب في السنوات الاخيرة "برجلنا في مصر" في ضوء مهاماته السرية الكثيرة الى الجارة من الجنوب، يبدو في ذات الجو كمن يوشك على الانطلاق الى سفرية اخرى الى القاهرة بتكليف من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك. هذه المرة، على خلفية انتخاب رجل حركة الاخوان المسلمين، محمد مرسي، رئيسا جديدا لمصر، يمسح جلعاد بضع قطرات عرق تنبع على ما يبدو من الواقع الجديد ويحظى بتلقي بضع كلمات تشجيع من نتنياهو في أن وحدة الانقاذ وضعت في حالة تأهب. "هذا كاريكاتور وهو معد لاثارة الضحك"، يقول جلعاد ويتملص من جواب مباشر على السؤال هل سيطرأ تغيير على شكل سفرياته الى مصر في العصر الجديد. "أنا لا أتحدث عما أفعله او لا افعله، وبشكل شخصي، يمكنني القول بان كل شيء يكون مطلوبا لصالح الدولة – سيتم فعلا. وبشكل ملموس، من الافضل التواضع في هذا الموضوع".

        هذه أيام معقدة في حينا. صعود الاخوان المسلمين في مصر على خلفية جولة تصعيد اخرى في قطاع غزة، حيث ترفع حماس رأسها وتعود الى دائرة اطلاق الصواريخ، يخلق احساسا بالتوتر، وليس صدفة ان قادة الدولة يفضلون وزن كل كلمة. وحتى لو لم يعترف الرجل هنا علنا، فان انتخاب مرسي في مصر ليست النتيجة التي صلت لها اسرائيل.

        في شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي توصلوا قبل أشهر طويلة الى استنتاج واضح بان ما يحصل في مصر تلك الهزة التي دفعت الجماهير الى ميدان التحرير، لم تنشأ كنتيجة لوضع الاسلام لخطة عبقرية وحرصه على اخراجها الى حيز التنفيذ. كانت هذه دوافع اخرى وليست مرتبة بالذات في قائمة منظمة، ولكن الرغبة في مكافحة الفساد الى جانب مطلب الحقوق الاساس والكثير من الاحباط، فعلت  فعلها. ومن أكملها بالطبع وجعلها عظيمة الحجم كانت الشبكات الاجتماعية. ومن ركب على كل هذا بالمجان؟ الاحزاب الاسلامية. نتائج الانتخابات في مصر تظهر كم نجحوا هناك في ترجمة هذه الموجة الهائلة الى رأس مال سياسي.

        ويكشف جلعاد النقاب عن أنه رغم الاحداث الدراماتيكية مصر في الفترة الاخيرة والتوقع المتأهب هناك للاعلان عن هوية الرئيس القادم، كان المصريون لا يزالون يشاركون في التوصل الى وقف نار مؤقت بين اسرائيل وحماس بعد جولة اخرى من اطلاق النار على بلدات الجنوب. "في الجولة الاخيرة أيضا ادوا دورا مركزيا وهاما"، يروي جلعاد، "دورهم كان سائدا. منع اندلاع العنف في هذه المنطقة هو مصلحة مصرية أولا وقبل كل شيء، ولهذا فقد عملوا كما عملوا. هم دولة تعتبر زعيمة في العالم العربي، وفي هذا القول مسؤولية يحققونها".

        ولكن حصل هنا شيء مختلف. حماس على ما يبدو فهمت الى أين تتجه مصر الجديدة وفجأة قررت العودة الى دائرة اطلاق الصواريخ.

        "في نهاية المطاف لا يهم المواطن في سديروت من يطلق النار ولماذا. سواء كانت هذه حماس أم منظمة أخر. صحيح أن حماس تتحمل المسؤولية. قد يهم هذا الحكومة، اصحاب القرار، إذ يوجد لذلك مضاعفات. حماس تطلق النار ولكنها ايضا توقفت بعد وقت قصير. فهم يفهمون جيدا بان الجيش الاسرائيلي يمكنه أن يتخذ اعمالا واسعة للدفاع عن مواطنيه، وهم غير معنيين بالتدهور".

        بين التحرير وغزة

        ويبدي جلعاد حذرا من الربط المباشر هذه الايام بين حماس والحركة الام في مصر – الاخوان المسلمين – ويحرص على التشديد بانه دون صلة باي تطورات في المنطقة، تواصل حماس التسلح، تزيد حجم الصواريخ وتحسن جودة صواريخها. "ولما كان الايرانيون لا يعتمدون عليهم، فانهم يبحثون عن منظمات اخرى كالجهاد الاسلامي"، يضيف معطى جديد لبرميل البارود المسمى "قطاع غزة". "اذا كانت حماس تريد هدوء في غزة، فيمكنها الوصول الى هذا الوضع. ليس لنا معهم، خلافا لكل أنواع التقارير والشائعات أي اتفاقات او تسويات. عندما يكون هنا هدوء، فعندها سيكون هذا هناك ايضا".

        جلعاد ليس واثقا من أن تعمل حماس في الجولة القادمة ايضا، ولكنه يعترف بان التحدي من قطاع غزة سيبقى يشغلنا. "الردع لا يزال قائما، وحقيقة أن حماس لم تعمل لزمن طويل، لا تنبع من محبتها الكبيرة لنا. نحن، في كل الاحوال، يجب أن نكون جاهزين، ولهذا فان لدينا القدرات التكنولوجية وكذا القدرات العملية المثيرة للانطباع".

        قسم من تلك القدرات التكنولوجية هي منظومة "قبة حديدية". ثمة غير قليل من الاصوات تدعي بان نجاحها يؤدي الى التغيير في المعالجة الحقيقية للمشكلة التي في قطاع غزة.

        ""قبة حديدية" هي فخر الابداع. لا توجد كلمات لوصفها بخلاف ذلك. هذا يظهر قوة العقل الاسرائيلي في الوصول الى انجازات ميدانية كهذه بصفر وقت. فهي تحمي الناس الاحياء، نقطة. الى جانب ذلك فان احدا لا يزوغ بصره من ذلك. لا اسمع هنا بانه يوجد رضى من الوضع، ولهذا فلا توجد تصريحات كهذه. المنظومة نفسها جدير بكل ثناء، وهي تعطي الحكومة مرونة في ممارسة التفكر والنظرة الشاملة لكل العناصر، مصر وغيرها، وبالتأكيد نحن لسنا غير مبالين وزائغي البصر جراء ذلك".

        حالة تأهب عالية

        ليس عبثا ان ذكر جلعاد مصر في منظومة الاعتبارات الاسرائيلية التي تتناول قطاع غزة. ففي كل جولات القتال الاخيرة كان دور مصر ذا مغزى. وعندما سُئل كيف شعر في اللحظة التي اعلنت فيها هوية الرئيس الجديد، أجاب بدبلوماسية: "شعرت بتماثل مع القول الاسرائيلي في أننا ننتظر منهم ان يحترموا الاتفاقات، هذه مصلحة لنا جميعا. ولا يهم هنا ما استنتجوه او لم يستنتجوه من الاقوال التي صدرت من هناك، فالاختبار هو ما سيكون في الواقع. مصر هي زعيمة العالم العربي، دولة هامة للغاية مع تأثير على معسكر السلام واذا تغيرت لا سمح الله، فسيكون لهذا معنى هائل".

        ما الذي برأيه سيحصل في الواقع مع ذلك؟ هل ثمة مجال للقلق؟ جلعاد يحافظ على الخط الحذر الذي أظهرته الحكومة في القدس عندما صدرت نتائج الانتخابات في مصر. "لست معنيا في الغرق في تقديرات متكدرة. الحكومة رحبت بالخطوة الديمقراطية التي جرت هناك ودعت الى احترام الاتفاقات، وعلى رأسها في سيناء. هذه سياسة ترمي الى الحفاظ على الواقع الاستراتيجي الهام للدولتين، وبالتوازي فان الاستخبارات وغيرها من المحافل التي تعنى بالموضوع يجب أن تكون متأهبة جدا لكل تغيير قد يحصل في المحيط. لا يوجد هنا ربيع عربي بل هزة، وينبغي قيادة السفينة في المياه العاصفة، بحيث تواصل الابحار في الاتجاه السليم، وهذه التقديرات تجرى في الغرف المغلقة".

        ويعترف جلعاد بانه الى جانب الرغبة في الحفاظ على ما هو قائم، ففي جهاز الامن والساحة السياسية يستعدون ايضا لسيناريوهات اخرى. "نحن نجري ايضا تقديرات جد عميقة في الغرف المغلقة. توجد هنا دائرتان. الدائرة الفورية هي رؤية كيف نحافظ على الواقع القائم، والدائرة الابعد هي فحص تغييرات محتملة قد تحصل وما هو معناها بالنسبة لتغيير سلم الاولويات، اذا ما تطلب الامر منا خلق سيناريوهات مخاطر على الدولة، تهديدات على الدولة تستوجب ردا، كل هذا يستوجب تقديرات ينبغي أن تبقى سرية".

        رغم المخاوف الكثيرة، فان جلعاد ليس متشائما تماما بالنسبة لمصر، بل يعتقد بان للحكم الجديد في نهاية المطاف مصلحة في القضاء على الارهاب في سيناء. وهو يقول: "أومن بقدراتهم. لا يمكنني القول باننا مهددين في هذه اللحظة، المصريون ملتزمون بشؤونهم الداخلية، الاجتماعية، الاقتصادية ويجدر بالذكر ايضا الرسائل الامريكية التي لن تحتمل الارهاب. اعتقد ان علينا أيضا الحفاظ على كل قنوات الحوار معهم والى جانب ذلك البقاء متأهبين وتعميق الاستماع".

        وفي هذه الاثناء، في ايران

        بالتوازي مع المعاني التي ينبغي استخلاصها من نتائج الانتخابات في مصر، لا ينسى جلعاد المشكلة من الشرق، ايران. في اسرائيل لم يفاجأوا بسلوك ايران في موسكو حيث لم تكف عن اتهام الغرب بمطالب غير منطقية وبالتعالي. كما أن وسائل الاعلام المتماثلة مع ايران لم تتردد في اقوال بان على ايران ان تكون قوية ومصممة لمواصلة المقاومة. جولة المحادثات الثالثة مع الغرب والتي جرت في موسكو، والتي لم تغير نتائجها مثل الجولات السابقة اتجاه طهران، شددت جدا تصريحات المسؤولين في اسرائيل في أن ايران تخدع العالم وتواصل طريقها نحو السلاح النووي. ويلمح جلعاد بان العقوبات التي سيبدأ تطبيقها هذه الايام، هي مثابة المحاولة الاخيرة لحمل الايرانيين على التراجع عن برنامجهم. "الايرانيون مصممون على أن يكون لهم سلاح نووي تبعا لقرارهم"، يقول جلعاد، "هم لا يقررون. إذ انهم مذهولون من شدة معارضة العالم. التصميم لا يزال قائما. واذا كانت عقوبات شالة تعطل ادائهم كدولة، يمكن لهذا أن يؤثر".

        توثيق العلاقات بين اسرائيل ومصر الجديدة هو احد المواضيع ذات المغزى على جدول الاعمال. المجلس العسكري الاعلى في مصر ذو القوة الكبيرة يمكنه برأي الغرب أن يمنع تغييرات من هذا النوع.

        اما بالنسبة لما يجري في سوريا، فيرفض جلعاد المراهنة متى سيصل حكم بشار الاسد الى نهاية طريقه، ولكنه يشير الى أن ما يجري في هذه الجبهة ايضا يقلق وليس بالذات فقط من ناحية نقل الوسائل القتالية لحزب الله. "ما ينفذه الاسد هو ببساطة مس بالاساس الذي يجلس عليه. يقتل بشكل وحشي دون منطق. يكره نفسه على كل العالم العربي. علينا أن نكون يقظين حتى لا يقترب ارهاب القاعدة من هناك نحونا، وكذا من ازمة انسانية شديدة".