خبر وراء كل رئيس قصة امرأة: حكاية «السيدة الأولى» من تحية إلى نجلاء

الساعة 10:48 ص|28 يونيو 2012

الشروق المصرية

ما أسعدها من لحظة لزوجة رئيس الجمهورية تلك التى تدخل فيها القصر الجمهورى للمرة الأولى.. حيث أول مرة تشعر فيها بكبرياء الحكم  أو إن شئت قل الملك  فهى على موعد مع الأضواء والكاميرات.. التى ستعد عليها حركاتها وسكناتها.. زياراتها ومقابلاتها.. همساتها وابتساماتها.. لحظة تنقلب فيها حياتها رأسا على عقب.. فبعد أن كانت سيدة ضمن أكثر من 40 مليون من بنات جنسها على أرض المحروسة ستصبح «السيدة الأولى» من دون منازع.. الباب الملكى للمتسلقين الباحثين عن موقع قريب من «سيادة الرئيس».. المدعو الأول فى الحفلات العامة والخاصة.

«السيدة الأولى» قد تقود الرئيس لأن يصبح أعظم رجل فى زمانه.. وقد تقوده إلى المهالك.. قد تكون مدعاة لاحترام شعبه له.. وقد تكون نقمة عليه.. خاصة إذا زاد نفوذها وشاركته السلطة.. أو سعت لتبدل لقب السيدة الأولى ب«الملكة الأم» أو من زوجة الرئيس إلى «أم الرئيس».. عندها قد تزورهما معا  الرئيس وابنه  خلف القضبان.. ثم بعد ذلك تأكلها نيران الغيرة على القصر الذى طردت منه.. ودخلته زوجة رئيس جديد.. أو «ضرتها فى السلطة».

فى هذه الأيام التى يتطلع فيها المصريون لأداء رئيسهم الخامس، الدكتور محمد مرسى اليمين الدستورية، ارتفع منسوب الاهتمام بعائلته.. زوجته وأولاده.. فكما أن مصر على موعد مع رئيس جديد.. فهى أيضا على موعد مع «سيدة أولى جديدة»، هى السيدة «نجلاء على محمود»، زوجة مرسى.

الظاهر من تصريحات نجلاء يؤشر على أنها أتت لتقود تغييرا جذريا فى الصورة الذهنية التى انطبعت عند المصريين عن «السيدة الأولى»، وهو اللقب الذى دخل قاموس المصريين على يد السيدة «جيهان السادات».. فأول تصريح لها بعد فوز زوجها حمل رياح هذا التغيير، حيث تحدثت عن أنها أصبحت «خادمة مصر»، كما أن زوجها مرسى هو «خادم مصر الأول».

وتؤكد نجلاء على أنها لن تنشغل بالحياة الصاخبة التى عادة ما تحيط بالسيدة الأولى، ولكنها ستتفرغ للعمل المجتمعى، «أتمنى‏ ‏أن‏ ‏أكون‏ ‏فى‏ ‏وسط‏ ‏الناس.. أعيش عيشتهم.. وأحمل همومهم، ‏فهناك‏ ‏ناس‏ ‏تحت‏ ‏الصفر.. ‏وهى‏ ‏أول‏ ‏فئة‏ ‏سأهتم‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏عمل‏ ‏مجتمعى‏ ‏دون‏ ‏إطار‏ ‏مؤسسى..‏ ‏وكل‏ ‏أنواع‏ ‏العمل‏ ‏الاجتماعى‏ ‏التى أقوم‏ ‏بها‏ ‏فعلا‏ ‏منذ‏ ‏سنوات‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏برنامج‏ ‏تربية‏ ‏للفتيات‏ ‏بجماعة الإخوان المسلمين».

والمدقق لهذه الكلمات سيجد أنها لا تختلف كثيرا عن منطلقات جيهان السادات وسوزان مبارك للظهور فى الحياة العامة عبر نافذة العمل الاجتماعى، ففيما أطلقت هى على بعض الفقراء «ناس‏ ‏تحت‏ ‏الصفر»، قالت عنهم جيهان السادات فى نفس المناسبة «القاعدة اللى تحت»، وهذه المنطلقات تختلف جذريا عن منطق السيدة تحية كاظم، زوجة الرئيس جمال عبدالناصر، التى طبقت حرفيا كل معانى الابتعاد عن الأضواء، والتفرغ لبيتها وزوجها وأولادها.

 والفارق بين نجلاء وزوجتى السادات ومبارك هو أن جيهان وسوزان لم يكن حاملات ل«أيديولوجيا» بعينها يستهدفان طبعها على نساء مصر، اللهم إلا بعض الأحاديث عن حقوق المرأة، ومحاولات للتدخل فى «قوانين الأحوال الشخصية»، وهى أمور لم تحظ برضى الشعب.

نجلاء أول زوجة لرئيس جمهورية فى مصر ترتدى الحجاب.. ستحتفظ باسمها كما هو.. لن تبدله إلى «نجلاء مرسى».. فوفق خلفيتها الإسلامية فإن «المرأة لا تنسب إلا لابيها».. كما نقل عنها أنها «لا تتمنى أن تسكن القصر الرئاسى وتصبح سيدته. وهى ابنة خال محمد مرسى، ومن مواليد عام 1962 بحى عين شمس بالقاهرة، وتزوجت مرسى عام 1979، ولها منه أربعة أولاد وفتاة، هم: أحمد وشيماء وأسامة وعمر وعبدالله، وله 3 أحفاد. وولد ابنا مرسى، أحمد وشيماء، فى أمريكا أثناء دراسة الوالد للدكتوراه، وبالتالى حصلا على الجنسية الأمريكية.

وتعرف مرسى على زوجته أثناء تردده على منزل خاله عندما كان يدرس فى كلية الهندسة بجامعة‏ ‏القاهرة، وتزوجا وهى فى سن 17 سنة، وكانت تدرس فى السنة النهائية من الثانوية العامة. وعقد قرانه عليها قبل أيام من سفره لاستكمال الدراسة فى الولايات المتحدة، ولحقت زوجته به بعد أن حصلت على شهادة الثانوية‏ ‏العامة‏.‏

وعملت نجلاء فى أمريكا مترجمة‏ ‏فورية‏ ‏للأمريكيات‏ ‏اللاتى ‏اعتنقن الدين الإسلامى، وإجادتها للغة الإنجليزية سيساعدها حتما على التواصل مع زوجات السفراء والرؤساء الأجانب فى الزيارات والمقابلات الرسمية، التى يحتم البروتوكول وجود زوجة الرئيس فيها.

تحية عبد الناصر

الحديث عن زوجة الرئيس الخامس لمصر مناسبة مهمة لنلقى بعض الأضواء والظلال على زوجات الرؤساء السابقين، وطبيعة الأدوار التى لعبنها فى المجتمع المصرى، واقتراب أو ابتعاد كل منهن من عالم الشهرة والأضواء.

 

البداية مع السيدة تحية كاظم، زوجة الرئيس عبدالناصر، التى اختارت كأى أم مصرية فى زمانها أن تجلس فى بيتها لتربية أبنائها، ورعاية أمور زوجها الذى لم يكن يميل مطلقا إلى مظاهر الفخامة والأبهة.. عاشت هذه السيدة فى الظل ولم يكن يعنيها طوال 18 عاما كان فيها زوجها ملء السمع والبصر الا أنه «زوجى الحبيب.. أى لا رئاسة الجمهورية ولا حرم رئيس الجمهورية»، كما تقول فى مقدمة مذكراتها التى نشرتها دار «الشروق» العام الماضى تحت عنوان «ذكريات معه».

ومن بين عشرات الصور لعبدالناصر فى مصر وخارجها لا توجد صور رسمية لزوجته باستثناء صورة واحدة بصحبة زوجة رئيس زائر وكتب تحتها «(تحية) فى أحد الاستقبالات الرسمية بالمطار».

ويبدو أن شخصية عبدالناصر الزاهدة فى ترف العيش قد انطبعت على زوجته، وهو ما تؤكده تحية فى مذكراتها حين تقول: «إنه لم يكن يحب البذخ والترف وأنه لا يرى ضرورة لأن يكون أصحابه فى سفره باعتبار ذلك رفاهية لا يرضى بها».

وكشفت تحية فى مذكراتها حادثة طريفة تعبر عن شخصية عبدالناصر «الخجول»، فى المرات النادرة التى سافرت معه فيها، وكانت إلى اليونان فى زيارة رسمية، وأبلغ عبدالناصر بدعوة الملك (قبل أن تتحول اليونان إلى جمهورية فى يونيو 1973) إلى عشاء يجب أن يكون بملابس السهرة للرجال والنساء، فقال عبدالناصر إنه لن يرتدى ملابس السهرة أو يلغى اللقاء فرد الملك قائلا إنه يرحب بحضور عبدالناصر وينتظر زيارته «المهم أن يزور اليونان».

وفى اليونان «وقفت الملكة بجوار الرئيس (عبدالناصر) لتتأبط ذراعه وتمشى بجواره فقال لها.. سأمشى بجوار الملك وأنت تمشين بجوار زوجتى. فسألته الملكة.. وماذا لو تأبطت ذراعك؟ قال لها.. انى أخجل.. فرجعت الملكة ووقفت بجوارى وقالت لى بالانجليزية.. أعطنى يدك أو اخذ يد زوجك..».

وتحية التى تزوجت عبدالناصر يوم 29 يونيو 1944 تكتب بعفوية عن دهشتها حين ترد على التليفون «وكنت أسمع كلمة وزير ولم أعتد سماعها اذ كيف يتحدث وزير ويطلب بيتنا فى التليفون؟» أما المكالمة التى سعدت بها تحية فكانت من أم كلثوم التى قابلت عبدالناصر وطلبت أن تزور زوجته.

جيهان السادات

تعتبر السيدة جيهان صفوت رءوف وشهرتها «جيهان السادات» أكثر النساء إثارة للجدل فى المنطقة العربية خلال القرن العشرين، حيث لايزال هناك كثير من علامات الاستفهام تثار حول طبيعة الدور الذى لعبته فى الحياة السياسية فى مصر.

ولدت جيهان فى حى الروضة بالقاهرة عام 1933 لأم بريطانية هى السيدة «جيلاديس تشارلز كوتيريل» وأب مصرى هو السيد «صفوت رءوف». التقت السادات للمرة الأولى فى السويس لدى قريب لها صيف عام 1948، وكانت فى الخامسة عشرة من عمرها، حيث وقعت فى غرامه وقررت الزواج منه رغم أنه كان متزوجا ولديه ثلاث بنات، وبالفعل تزوجته فى 29 مايو 1949، بعد طلاقه لزوجته الأولى، وولدت له جيهان أربعة أولاد، هم: لبنى وجمال ونهى وجيهان الصغيرة.

منذ البداية حسمت جيهان أمرها لجهة الثورة على طريقة تعاطى زوجة الرئيس عبدالناصر مع المجتمع كزوجة للرئيس، وقد عبرت عن هذه الثورة التى كانت تدور داخلها بصراحة فى كتابها «سيدة من مصر» بقولها: «.. وحين جلست مع السيدة حرم الرئيس عبدالناصر فى عزاء زوجها، كنت أتصارع نفسيا مع الاختيارات التى أمامى.. فكزوجة رئيس الجمهورية الجديد.. هل سأسير على خطى حرم الرئيس عبدالناصر التقليدية.. فأبقى دائما فى البيت وأعرف كزوجة طيبة وأم مؤدية الحد الأدنى من الالتزامات الاجتماعية؟ أم سأسير فى خدمة الشعب؟

كنت أعرف أن أى شىء أفعله سيكون موضع خلاف، إذ إنه لم يسبق لزوجة زعيم فى بلدنا أن عملت خارج البيت، بينما نجد النساء فى مصر القديمة ينلن الاحترام الكبير بصفتهن قادة، فالملكة حتشبسوت أرسلت حملات حربية أقامت سلطان مصر على الصومال وجيبوتى (..) كنت أعرف أن البعض سينتقد عملى، وأن الهجوم سيوجه لأنور أيضا لأنه سمح لى بالظهور فى المجتمع وقد صممت على أن أتجاهل هؤلاء الذين يعارضون دورى».

وبعد عدة سنوات على نشر هذا الكتاب المهم قالت جيهان فى شهادتها على العصر ل«قناة الجزيرة» استكمالا لهذا الحديث «كان من السهل على أن أجلس فى بيتى، وأن أنتبه لصحتى، وأن أحضر الحفلات، وأحضر أشياء أخرى خفيفة جميلة وأكون سعيدة بحياتى، لكنى اخترت الطريق الصعب الذى هو أن أنزل إلى الشعب، وأنزل إلى القاعدة (اللى) تحت، بدليل أن أول شىء قمت به فى العمل الاجتماعى هو جمعية (تلا) للتنمية الاجتماعية فى المنوفية فى الريف».

إقدام زوجة الرئيس على لعب دور اجتماعى أو سياسى يتوقف غالبا على شخصية الرئيس، فتقول جيهان فى كتابه «سيدة من مصر»، أنه بعد أن ترشح السادات لرئاسة الجمهورية بعد رحيل الرئيس عبدالناصر فى سبتمبر 1970، أقيم حفل استقبال للسفراء الأجانب فى قصر عابدين «ولكى يبين أنور للعالم أن إدارته ستكون مختلفة عن غيرها، فإنه قام بعمل لم يسبق له مثيل، فعندما دخلت مع زوجى إلى حفل الاستقبال طلب منى أن أسير بجانبه، وليس على بعد خمس خطوات بعده كما كانت حرم الرئيس عبدالناصر تفعل دائما. وزيادة على ذلك فعندما وقف طابور الاستقبال جعلنى أنور قبله بحيث يصافحنى الضيوف قبل أن يصافحوه، وحتى أنا ذهلت لأنه لم يحدث أن زعيما عربيا أبدى مثل هذا الاحترام لسيدة من قبل، ولكن أنور أراد للعالم أن يعرف أن مصر ستكون من الآن تحت قيادة جديدة وحديثة.. ولم تتوقف أضواء التصوير عن تسجيل هذا الحدث الذى لم يسبق له مثيل».

ومن هذه اللحظة بدأت جيهان تعمل فى مصر باعتبارها «سيدة مصر الأولى» الذى أصبح لقبا رسميا لها، تقدم به فى الصحف ووسائل الإعلام، وزاد اهتمامها بقضايا المجتمع المصرى، وبخاصة الأسرة والطفل، واهتمت بإدخال تعديلات على قانون الأحوال الشخصية كانت مثيرة للجدل وقتها، وتبنت تأسيس جمعية الوفاء والأمل الخيرية، كما تجلى دورها الوطنى فى مؤازره جنود مصر البواسل من مصابى العمليات الحربية فاطلق عليها «أم الأبطال».

الكثيرون من معاصرى السادات أكدوا أنها كانت أكثر من مجرد سيدة تضطلع بالعمل العام فكانت لها لمساتها المباشرة وغير المباشرة على قرارات السادات السياسية، وفى هذا السياق يقول الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين  وكان يكن لها احتراما كبيرا جدا  فى كتابه «محاوراتى مع السادات» ما نصه: «.. ولا شك أن نفوذها عليه (السادات) كان قويا، وهو ما لا يقبله الناس فى بلادنا من الرجل العام (...) وقد بقى نفوذها على السادات طاغيا حتى انتزع منها عثمان أحمد عثمان جزءا من هذا النفوذ، وصار الرئيس يقضى من الأوقات فى شتى الاستراحات مع عثمان أكثر مما يقضى فى بيته معها.. وتضاءلت سمعة نفوذها إلى جانب تنامى سمعة نفوذ عثمان، الأمر الذى جعلها رغم المصاهرة تكرهه إلى حد بعيد».

ويضيف الأستاذ بهاء الدين قوله: «وقد بلغ من تصاعد عداء الرأى العام المصرى لها (جيهان) بسبب ما شاع بينه من نفوذ سياسى لها، ومن تبنى (عادات أمريكية)، إننى أذكر أننى كنت فى لندن ثانى يوم اغتيال السادات.. وكنا نتابع على التليفزيون كل ما تلا ذلك من أحداث، ومن بينها ظهورها أثناء دفنه صامدة مماسكة إلى آخر حدود (...) وصاح الجالسون والجالسات معنا وكلهم من المصريين المتفرنجين الذين يعيشون فى لندن: انظروا! حتى الحزن لا يبدو عليها.. وهندامها كامل.. وشعرها كأنه خارج من بين يدى الكوافير.. وزوجها مقتول منذ يومين فقط.

وقلت لهم: هل إذا ظهرت جاكلين كيندى بعد مقتل زوجها فى هذا الثبات والهندام انطلقنا نشيد بهؤلاء الأمريكان.. فإذا فعلت سيدة مصرية ذلك أخذناه عليها.. إننى بالعكس أحييها على هذا الثبات».

سوزان مبارك

سوزان مبارك آخر سيدة أولى فى مصر قبل ثورة 25 يناير، وهى من مواليد 28 فبراير 1941. ولدت سوزان لطبيب مصرى هو الدكتور صالح ثابت وممرضة إنجليزية من ويلز «ليلى ماى بالمز» التى تعرف عليها عندما يدرس بإنجلترا الطب فى جامعة «كارديف». وجاء مولد سوزان ثابت بمدينة مطاى بمحافظة المنيا حيث مسقط رأس أسرة والدها.

ومع صعود زوجها سلم السلطة كان لابد أن تتطور لتصعد معه لذلك التحقت بقسم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، وحصلت على الليسانس عام 1977، وحصلت على درجة الماجستير فى رسالة بعنوان «العمل الاجتماعى فى المناطق الحضرية فى مصر دراسة حالة فى مدرسة ابتدائية ببولاق».

عائلة مبارك كانت مثالا صارخا على تدخل أسرة الرئيس فى شئون الحكم، وهو ما عبر عنه أحد المحللين السياسيين الغربيين عندما قال «فى العقد الأول من الرئاسة حكم مبارك مصر وحده.. وفى العقد الثانى كان يحكم هو وزوجته.. أما فى العقد الثالث فكان يحكم هو وزوجته وولداه علاء وجمال».

ففى العقد الأول من ولاية مبارك للحكم كانت تبدو سوزان شخصية متواضعة للغاية وركزت اهتمامها على الطفل والأسرة، وأنشأت المجلس القومى للطفولة والأمومة علاوة على اهتمامها بالهلال الأحمر، ومن هنا عرفت إعلاميا ب«ماما سوزان» فى إشارة إلى اهتمامها بالأطفال. وفى بداية ايام مبارك من السلطة أعلن صراحة للمقربين منه أن مصر «لن تعرف سيدة أولى جديدة» يقصد بعد جيهان السادات.

وفى العقد الثانى لزوجها فى الحكم زاد طموحها السياسى، فبالتعاون مع وزير الثقافة فاروق حسنى، وخططت لدعم المكتبات والمتاحف لتظهر بصورة المدافعة عن الثقافة من خلال مشروع مكتبة الأسرة ثم انتقلت إلى قضايا المرأة وأنشأت المجلس القومى للمرأة. كما سعت بقوة للظهور على المسرح الدولى، فأنشأت مؤسسة «سوزان مبارك الدولية للمرأة والسلام» عام 2003. وركزت جهودها فى الأيام الأخيرة لزوجها فى السلطة فى «مكافحة الإتجار بالبشر»، وهى ليست من المشكلات المهمة فى المجتمع المصرى. وذلك فى إطار مساعيها للحصول على جائزة نوبل للسلام، وهنا حملت لقب «السيدة الفاضلة»، الذى كان يسبق اسمها فى صحف النظام وتليفزيونه.

فرخندة حسن الصديقة المقربة لسوزان مبارك قالت لمجلة «نيوزيوك» الأمريكية فى ديسمبر الماضى عن شخصية سوزان «بينما كانت القاهرة تحترق فى الأيام الأولى للثورة اتصلت بحرم الرئيس وسألتها عن أخبارها وكانت هادئة جدا.. ولم تكن تتصور أن هذه الحرائق هى بداية انهيار نظام زوجها بل انهيار عائلتها وتصفها كانت سوزان شخصية متعالية وواثقة من نفسها وجاءت الثورة مباغتة لها لتنهار معها أحلام سيدة فى السبعين من عمرها».

 

النفوذ السياسى لسوزان مبارك بدأ يطفو على السطح مع بداية الألفية الجديدة، التى شهدت آخر عقد من حكم زوجها، ففى عام 2002، توفى الرئيس السورى حافظ الأسد، وورثه فى الحكم نجله بشار طبيب العيون، الذى يقتل شعبه الآن منذ أكثر من عام تشبثا بالسلطة، وهنا دفعت سوزان فى اتجاه توريث نجلها الأصغر جمال ما اعتقدت أنه «ملك أبيه»، الذى كانت متاعبه الصحية فى تفاقم، وهو ما حد من قدرته على مقاومة طموح زوجته وولديه، ومن هنا بالضبط بدأت الهمسات تكثر عن ضلوع السيدة الأولى فى اختيار وزراء.. والإطاحة بآخرين، ممن لا يخدمون على مشروع التوريث.

هذا الحلم الكبير الذى حلقت فيه سوزان مع ولدها جمال هو ما قاد لانهيار مهين لعائلة مبارك بقيام ثورة 25 يناير، وبدلا من أن تصبح «الملكة الأم» أو حتى «أم الرئيس»، أصبحت تأمل فى رؤية زوجها الرئيس السابق وولديها مرة فى الأسبوع وهم خلف القضبان.. فكم من الأحلام أزالت عروشا.. وتحولت لكوابيس مرعبة

أصل لقب «السيدة الأولى»

يقول الأستاذ الكبير أنيس منصور فى كتابه الرائع «السيدة الأولى» الذى تناول سيرة زوجات الرؤساء الأمريكيين من أول المؤسس جورج واشنطن إلى الرئيس رونالد ريجان إن لقب «السيدة الأولى اخترعته صحفية أمريكية اسمها «مارى أيمزفى فى أواخر القرن التاسع عشر.. فقد كتبت مقالا عن (لوسى) حرم الرئيس الأمريكى هيز.. وجدتها تمشى وراء الرئيس ثم إلى جواره.. وتشجعت فتقدمت الرئيس، وسارت وراءها النساء ووراءهن الرئيس.. وضحك الرئيس ردرفورد هيز وقال: احترسوا.. إذا نحن تركنا المرأة تتقدمنا خطوة، سبقتنا خطوات واحتلت الطريق واستدارت تحرمه علينا»!

 

ويضيف الاستاذ منصور «لم يظهر دور حقيقى تاريخى لزوجات رؤساء أمريكا إلا ابتداء من السبعينيات من القرن العشرين. وقبل ذلك كانت الزوجة هامشا على حياة الرئيس». لكنه يؤكد أنه بالرغم من أن الدستور الأمريكى «لم يجعل للسيدة الأولى وظيفة.. ولكن زوجها هو الذى جعل لها هذه الوظيفة.. وهيأها لهذا الدور استعدادها الشخصى.. ففى مؤتمر القمة سنة 1985 تحدث الرئيس رونالد ريجان عن زوجته نانسى وقال: إنها كانت سفيرة لبلادنا فوق العادة. وأنها بذلت جهودا عظيمة لتقوم بدور البسيط، مما تستحق عليه تقديرنا وامتننا لها (...) وفى سنة 1986 استطاعت نانسى أن تقفز من مجرد «السيدة الأولى» إلى «مساعد» الرئيس.

 

وكانت السيدة روزالين زوجة الرئيس جيمى كارتر تحضر اجتماعات مجلس الوزراء.. كما أن الرئيس كارتر أوفدها فى مهام سياسية لأمريكا اللاتينية.