خبر جدار حي- يديعوت

الساعة 08:37 ص|27 يونيو 2012

 

بقلم: يوعز هندل

        بوابة نيتسانة، الحدود المصرية. ليلة من صواريخ القسام نزلت على الجنوب، معظمها شمالي وشرقي غزة. الى بلدات الحدود ليس من جهة غزة، احتمالات اصابة السكان القليلين متدنية، ونسبة الاصابات غير مثيرة للانطباع. بعد يوم من العملية في الاراضي الزراعية في برنيع تعج الحدود مع مصر بالنشاط العسكرية. السلام لم يبدو أبدا مهددا بهذا القدر.

        على الطريق الترابي الموازي للجدار تسير مجنزرة  تابعة للواء غولاني وتجر خلفها سحابة من الغبار تخفي باقي الطريق. وتطل منها رؤوس الجنود الذين أنهوا كمينا ليليا. وفي نقطة الرقابة تقف دبابة، ونحن في الوسط نندفع في سيارة جيب مدنية نحو مشهد مغبر من الآخرة الان. على المقود ايرز ايتان، صديق قديم من الجيش ومزارع حاليا.

        في الطرف الاخر من الجدار  عديم التواصل يتواجد أفراد من الشرطة المصرية. الاسطورة تروي أن الحديث يدور عن سجناء صغار حصلوا على خيار اعادة التأهيل. وبدلا من قضاء المحكومية يبعثون بهم لحراسة الحدود. الحقيقة هي بعيدة، فأفراد الشرطة الذين على الحدود هم في اسفل السلم – فقراء يرابطون على مدى اشهر طويلة دون تلفزيون أو مصادر ترفيه. أحدهم يلوح لنا بالتحية، بلباسه المهترىء، ووجهه المحترق بالشمس.

        على هاتف ايرز المحمول يصل بلاغ ساخن عن تسلل. خدمة البلاغات تكيف نفسها مع الواقع. من الجهة الاخرى تمر سيارة جيب مع ضابط من جولاني. "خطير هنا"، يقول ويعدل الخوذة على رأسه، "أولم تسمعوا بان أمس تسلل من هناك مخربون؟"

        نودعه ونقطع شمالا عبر الجدول الأبيض – مسار التهريب المركزي للبدو. المشهد المفتوح مضلل: يوجد عدد لا يحصى من القنوات الخفية لتمرير السودانيين وباقي منتجات الاستهلاك.

        سوق التهريب يساوي مئات ملايين الدولارات. لا ضرائب ولا رخص. 400 ألف بدوي في سيناء يعتاشون عليها. احتمال أن يتخلوا عن هذا الرزق المريح بسهولة – ضعيف جدا. منذ بدأ بناء الجدار، اخترع المهربون آليات التمويه. مجموعة صغيرة تطلق النار نحو الحراس المصريين. هؤلاء يردون بالنار، وتنشأ جلبة الى أن يصل الجيش الاسرائيلي. في هذه الاثناء يمر مهربون آخرون مع البضاعة من مكان آخر. أحيانا يستخدمون تفجيرات موازية. المزارعون في برنيع يرون كل شيء، ولكن لا يوجد مع من يمكن الحديث. الجيش الاسرائيلي يهرع على مكان الضجيج.

        لا يوجد للمهربين والمزارعين في المنطقة خرائط. هم الوحيدون الذين يعرفون المنطقة. أما كل من تبقى – الجنود والمهربون – فيأتون ويذهبون.

        قبل 30 سنة انتهى الانسحاب من سيناء. بوابة نيتسانة أصبحت حدودا. في آذار 1982 تجادل في الكنيست حنان فورات ورئيس الوزراء مناحيم بيغن على اخلاء المستوطنات. فورات حذر من بكاء للاجيال، بيغن وشارون ردا بتحذير من جانبهما عن أقلية لا تعرف حدود الاحتجاج. منذئذ شيء لم يتغير.

        قبل سنة كان يخيل أن بيغن وشارون كانا محقين. توقع البكاء الذي طرحه فورات تأخر على الاقل سنوات جيل. السلام البارد صمد رغم كل العوائق. فالمصالح تغلبت على الكراهية. من غض عينا واحدة كان يمكنه أن يتخيل صورة نجاح غير مسبوقة. سياح اسرائيليون سمح لهم بزيارة مصر، السفارة بقيت على حالها في حي مغلق ومحروس، رجال أعمال عقدوا الصفقات دون ضجيج كبير.

        هنا وهناك كانت احتكاكات، مع مقاطعات من اتحادات الكتاب والصحفيين (خلافا للمادة 3 من الاتفاق)، مع نشاط دبلوماسي جماهيري مناهض لاسرائيل وبرامج تلفزيونية عن التجس بنجومية عزام عزام – ومع ذلك السلام نجا. كل عقد من الزمان احتفل – في اسرائيل فقط – بالتوقع على الاتفاقات، أُمتدحت الحكمة السياسية واتفاق على أن الثمن كان مجديا. السلام مع مصر أصبح بقرة مقدسة محظور على أحد التشكيك بنفعها.

        كانت هناك أسئلة كان جديرا بالذات طرحها، ولكن في حماسة الاجماع والامل نسيت. دليل آخر لمن يبحث عن قيود الخطاب عندنا.

        وها هي قائمة جزئية طرحت في حينه وهي صحيحة اليوم ايضا: "اسرائيل فقدت في اتفاق السلام مجال المناورة الوحيد الذي كان لها، مجال كان بوسع الدبابات ان تسير فيه مسافات بعيدة وتبعد منفذي عمليات محتملين؛ القواعد العسكرية في النقب والمنشآت الاستراتيجية أصبحت في خط الجبهة؛ مصادر دخل، مقدرات طبيعية وامكانيات سياحية هائلة سلمت الى مصر؛ الجيش المصري الصدىء من عهد السوفييت اصبح جيشا غربيا متطورا، وفي بعض المجالات تجاوز اسرائيل؛ وأخيرا: الثمن الباهظ في التخلي عن حل المشكلة الغزية.

        الحدود بين مصر والقطاع قسمت رفح الى قسمين، وبالاساس منعت امكانية النمو الفلسطيني جنوبا – مجالات يوجد فيها قاطع من الشاطيء، مياه جوفية وامكانيات تجارية كامنة. منظمات اليسار، التي تسمي غزة السجن الاكبر في العالم، تنسى الاشارة الى أن هذه هي نتائج السلام. وحسب التشبيه المحبوب لدى السياسيين في المنطقة، تحولت غزة من برميل بارود الى عبوة جانبية موجهة نحو اسرائيل.

غزة، على حد قول الفكاهي هي فوهة القمقم. اذا ما اشتعلت مصر، من هناك سيخرج البخار.

جوع ونزاع على المياه

        عندما لا تكون هناك اسئلة، لا حاجة للاجوبة. فقد اكتفت اسرائيل بحدود غافية، علاقات باردة واحساس باحتمال خلق اوروبا في الشرق الاوسط. اليوم من تلك الحدود يبدو المستقبل اقل وعدا. وفضلا عن عدم القدرة على الحكم في سيناء، فان الوضع الاقتصادي يتدهور: السياحة، أحد فروع الدخل الهامة اختفت تماما تقريبا منذ الثورة. النيل، مصدر الماء لمصر، يتقلص (اثيوبيا والسودان يطالبان باعادة فتح الاتفاقات التي تقرر بان مصر هي المستفيد الاساس – 75 في المائة – من المياه). الجوع والنزاع على المياه يمكنهما أن يؤثرا أكثر من أي اتفاق سلام.

        وأخيرا، الاخوان المسلمون سيتعين عليهم أن يقرروا كيف سيتعاطون مع اسرائيل. رسميا شيء لم يتغير بعد "الثورة الديمقراطية". الاخوان المسلمون يعلنون بنصف فم عن نية ما للحفاظ على اتفاق السلام، وضباط الجيش يطلقون رسائل غير مباشرة عن الرغبة في العلاقة مع اسرائيل.

 

        عمليا، الواقع معاكس. السلام مات. لا توجد زيارات، ولا توجد دبلوماسية مباشرة، وفي لحظات الازمة، مثل الهجوم الجماهيري على السفارة، هناك حاجة لوساطة امريكية من اجل الاتصال. اسرائيل ومصر توجدان في حالة عدم الحرب، وكل ما تبقى هو الأمل في ان هكذا يستمر الوضع ايضا.

        المتفائلون يقولون ان "المساعدة الامريكية بمبلغ 1.3 مليار دولار في السنة، ستبقي مصر ملاصقة لاتفاق السلام. بدون هذا، فانهم ببساطة سيفلسون. طوبى للمؤمنين.

        مهما يكن من أمر، ثمن ذلك الحين يثير اسئلة صعبة عن جدوى ومدى عمر اتفاق السلام مع مصر. وهذه اسئلة نظرية فقط، صحيح حتى اليوم.

        فوضى في بدوي لاند

        في دفيئات ايرز، على كأس قهوة سوداء، نلتقي يوآف كاتس. منذ 12 سنة وهو يسكن في قرية برنيع الزراعية، يربي أربعة ابناء واقتصاد ناجح. صباه قضاه في نهاريا في أجواء حربية. والى هنا جاء من أجل الهدوء والزراعة. عندما اقام هنا منزله، احتفل بعشرين عام على اتفاق السلام. وكانت النبرة تجاه اسرائيل حازمة، ولكن الحدود كانت غافية. اما اليوم، فالنبرة مشوشة والحدود متوترة.

        من ناحية يوآف وايرز المصريون لا يثيرون القلق. اما الطوفان السوداني فيثيره بالفعل. فقد بنيا بيوتا في واقع توجد فيه اراض زراعية في متناول اليد، دعم حكومي وتهريبات برعاية غض النظر. في نصف السنة الاخيرة غيرت اسرائيل قواعد اللعب وهي تحاول اتباع القبضة الحديدية ضد المهربين. في الفوضى السائدة في بدوي لاند هذا يفسر كخطر.

        كلاهما اعتبرا العملية هذا الاسبوع محاولة من المهربين لكسب مزيدا من الوقت للاعمال التجارية، لتأخير بناء الجدار وكسب المزيد من المال. "والا لماذا الانفجار هنا بالذات؟". كلاهما يفهمان معنى الطلب والعرض في المنطقة. اذا لم تكن مداخيل من التهريب، فسيدخل المال من الارهاب.

        في الطريق الى الشمال أمر عبر كتسيعوت، بجوار منشأة الحبس لاحتجاز المطرودين من افريقيا. السكان في بوابة نيتسانة وجدوا أنفسهم رغم أنفهم في العناوين الرئيسة. السودانيون يمرون عبرهم، المهربون يجتازونهم، منشآت الحبس تبنى الى جانبهم. والان الارهاب ايضا يصل حتى اراضيهم. مجلس واحد، القليل من الاسرائيليين، بعيدا عن تل أبيب والقدس. ربما بسبب هذا تستغرق القرارات الكثير جدا من الزمن كي تصل.

        ما هو الاستنتاج؟ السلام، على حد قول الكلاشيه، وان كان يصنع مع الاعداء، الا انه ليس هناك الكثير مما يعول عليهم عندما يدور الحديث عن ديكتاتوريين. للزعيم الفرد هناك يوجد ميل لان يتغير، ومعه المصالح ايضا.

        باراك، اولمرت وحتى نتنياهو يمكن ان نحييهم في أنهم لم ينجحوا في التقدم في مسيرة سلام اخرى – في القناة السورية. فتصوروا واقعا كان حصل فيه نظام الاسد المنهار على الاذن بالسيادة وبانزال الاقدام في مياه بحيرة طبريا. اتفاق سلام للاجيال كان سيصمد لسنتين.

        رئيسان لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" اخطآ عندما أوصيا بالسير نحو الاتفاق، اعضاء مجلس السلام والامن اخطأوا، وجدعون ليفي اخطأ كعادته حين كتب في 11 تموز 2010: "ماذا يمكن للاسد أن يقوله أو لا يقوله؟ كم مرة يتعين عليه أن يعلن عن نواياه السلمية، كي يستيقظ احد ما عندنا؟... أتذكرون كيف قالوا هذا عن مصر؟ ولكننا على حالنا: رئيس الوزراء يفوت على نحو اجرامي فرصة تاريخية للسلام، ونحن نتثاءب بعدم اكتراث".

        في الايام التي تنشر فيها تقارير مراقب الدولة عن اخطاء الزعماء، يخيل أنه لا ضير في انتقاد اخطاء كبار الشخصيات العامة.

        لجان وتغطية القفى

        أصبحنا مدمنين. نحقن في الوريد لجان رقابة، لجان توجيه، نتنفس الهواء عبر مرشح فتوى رجال القانون. لا يوجد اختبار النتيجة، لا توجد مسؤولية ولا يوجد قرار شجاع، السياسة الاسرائيلية تتلخص في اختبار المحامي واللجنة.

        الحقنة باتت حقيقة ناجزة، لدرجة أنه يصعب القول من هي البيضة ومن هي الدجاجة. هل مريح للسياسيين تأخير القرارات بسبب قوة عليا أم أنهم ضحية اخرى للمنظومة. ليس عندي شيء ضد رجال القانون، الحرب ضد الفساد السلطوي هامة، ولكن المبالغة ضارة.

        لا يمكن اليوم التقدم دون فتوى، لا يمكن اتخاذ قرار دون إذن قانوني. مستوى اصحاب القرار انتقل من الحكومة الى مكاتب القانونيين. ذات مرة كانوا يسمون هذا تغطية للقفى، أما اليوم فهو الادارة السليمة.

        وأنا أصف هذا لانه الى لجنة بلاسنر وصلت منذ زمن بعيد فتوى مساعد المستشار القانوني للحكومة، مايك بلاص، عن أن قانون طل لا ينبغي أن ينطبق على عرب اسرائيل. بلاص هو رجل نزيه وكفؤ، ولكن أحدا لم يعينه لرسم السياسة.

        والاخطر من هذا، لا يوجد اي سبيل للشرح كيف تتبدد قضية توزيع العبء حين يدور الحديث عن عرب اسرائيل. لماذا تتوقف المنظمات التي تؤيد تطبيق القانون على الجميع عند هذه النقطة. اين هي الدعوات للمساواة.

        بالمناسبة سبب ذلك لا يعود الى اقتسام العبء. العكس هو الصحيح. فتجنيد الاصوليين قد يصبح عبئا بحد ذاته. وهكذا ايضا بالنسبة للوسط العربي. الدولة يمكنها أن تتدبر امرها جيدا دون الفتيان المتطوعين من أم الفحم.

حتى بدون رجال القانون لا تنقص المشاكل. فليس كل شيء قابل للقضاء. احيانا ينبغي فقط اتخاذ القرار. على فرض أن لهذا الغرض تشكلت اللجنة.