خبر السلام وتحطمه- يديعوت

الساعة 08:48 ص|26 يونيو 2012

 

بقلم: دوف فايسغلاس

عدتُ قبل بضعة ايام من زيارة أعمال في الاردن. من تحدثت معهم – بعضهم مسؤولون كبار سابقون في الحكم – يعرفون اسرائيل والاسرائيليين جيدا كلهم اناس مثقفون، علمانيون وعقلانيون، معفيون من كرة الكراهية العربية لاسرائيل. وبالفعل، السلام الاسرائيلي – الاردني – المصري كان منذ البداية سلاما بين النخب، بين الحكومات وبين أجهزة الامن، بين كبار رجالات الحكم وبين رجال الاعمال. السلام لم يحدث أبدا أن تغلغل في الاسفل، الى الشعوب، والشارع المصري – الاردني بقي غارقا في الكراهية لاسرائيل وللاسرائيليين.

غير أن عند الطبقات ايضا تغير شيء ما. المعاملة الشخصية بقيت طيبة مثلما في الماضي، ولكن المواقف التجارية في كل ما يتعلق باسرائيل مجمدة ومعادية مثلما لم يسبق لها أن كانت ابدا: انصات أديب، ولكن رفض مطلق للنظر في اي مبادرة تجارية فيها عنصر اسرائيلي وردود فعل على نمط "نحن قبلناكم وانتم ورطمونا".

لسنوات طويلة وأنا ضالع ومشارك في تجربة العلاقات بين اسرائيل والاردن، بما شهدته من صعود وهبوط. والان، هكذا شعرت، وصلت الى نهايتها. وليس لان الناس الاخيار الذين تحدثت معهم غيروا موقفهم منا، لا لانهم يخافون من الشارع. أنظمة الحكم التقليدية، تلك التي أقامت السلام مع اسرائيل أو ايدته، اختفت أو ضعفت. الشارع هو الذي سيقرر من هنا لاحقا.

الشارع المصري حطم حكمه وأحدث فوضى سلطوية تامة. في الاردن، بسبب اختلاف المبنى الديمغرافي، لم يحصل الامر بعد، ولكن هناك أيضا يفرض الشارع رعبه على الحكم. وبرأي الشارع - المصري والاردني على حد سواء فان النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني هو المبرر الاعلى، شبه المطلق، للكراهية الشديدة لاسرائيل وللسلام معها.

ومع أن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني اشغل بال الحكم المصري والاردني دوما، إلا انهما امتنعا عن المس بالسلام. وأذكر أنه في احد اللقاءات بين رئيس الوزراء شارون والرئيس مبارك قال الرئيس انه ابدا لن "يضحي" بالسلام المصري – الاسرائيلي على مذبح النزاع مع الفلسطينيين. هذه الايام انقضت. الجماهير المصرية وان كانت منشغلة الان بالهزة السياسية الداخلية، ولكن ما أن تتفرغ حتى تعود الى كراهيتها لاسرائيل، التي تتغلف بالقلق على مصير الشعب الفلسطيني، وعندها سيرتفع الى رأس جدول الاعمال مطلب الغاء معاداة السلام. انظمة الحكم الضعيفة قد ترد بتهديد مطلق لاسرائيل كي تسارع الى انهاء خلافها مع الفلسطينيين، الامر الكفيل بان يمنح الفلسطينيين تفوقا حاسما في المفاوضات التي ستجري؛ او لا سمح الله، الاستجابة للمطلب الجماهيري والمس باتفاقات السلام. ولن "ينتحر" اي نظام حكم عربي من أجل السلام مع اسرائيل. كما أن رد فعل أمريكي سلبي على الغاء اتفاقات السلام لم يعد مخيفا مثلما كان في الماضي.

اسرائيل من شأنها أن تجد نفسها عالقة بين بديلين أليمين: مفاوضات تحت تهديد مصري واردني – او فقدان معاهدات السلام. لا حاجة الى الاثقال بالكلمات في المعنى الخطير، في كل جانب محتمل، وفي الحاجة الى اعادة تشكيل القيادة المركزية وقيادة المنطقة الجنوبية.

وكل من يدهش من وهن رد فعل الجيش الاسرائيلي على الهجوم منفلت العقال من حماس على بلدات الجنوب: رد الفعل هذا لا يعكس "تبطلا" او اعتدالا لذاته، بل تخوفا من أن يؤدي عمل عسكري اسرائيلي ذو مغزى الى اشتعال الشارع المصري فيجر الحكم المصري الى الرد ضدنا. هذا بداية ثمن لخوف اسرائيل من مصر الاخرى.

اسرائيل فشلت في توقع "الربيع" العربي الفوضوي. ولكن ما أن حصل هذا، والشارع صعد الى الحكم، فان اسرائيل ملزمة بان تبعد بالسرعة الممكنة السبب الاساس للكراهية لها: النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. الشروع فورا في مفاوضات جدية للسلام لن يجلب المحبة لاسرائيل، ولكنه سيفرغ من مضمونها الذريعة الجماهيرية للمطالبة بقطع العلاقات. لعله ليس متأخرا: استئناف المفاوضات، حسب صيغ التسويات التي بحثت في الماضي، كفيل لانقاذ اتفاق السلام.