خبر قولوا له الحقيقة- معاريف

الساعة 08:41 ص|26 يونيو 2012

 

بقلم: بن كاسبيت

فلاديمير بوتين استقبل هنا أمس وكأنه كان واحدا من أسلافه "شمس الشعوب"، الذي ليس سوى جوزيف ستالين. في حينه أعلن الحداد كثيرون في اليسار الاسرائيلي على ستالين وكأن أباهم هو الذي قضى نحبه. اما اليوم فلا يمكن لاحد أن يلومهم. شرف الملوك أغدقته أمس الدولة اليهودية على بوتين، احد الحكام الاقوياء وموضع الخلاف الذي يتقدم بهم العالم اليوم. دشنا على شرفه نصبا تذكاريا رائعا في نتانيا، أنصتنا الى خطاب التزلف والعطف من الفم الذي يقطر جواهره لرئيس الدولة شمعون بيرس، بل ان بوتين استمتع حتى بجولة شخصية في منزل رئيس الوزراء مع العقيلة الملكية (بيبي نفسه مقعد بالجبصين)، والبلاد بأسرها فرحت وازدانت. بالفعل، ليس في كل يوم يصل الى هنا رئيس قوة عظمى هامة كهذا. وخلافا لباراك اوباما، مثلا، الذي لم يكلف نفسه عناء القفز للزيارة، قرر بوتين بان فور "انتصارنا" في الانتخابات سيقفز الينا. اما نحن ، الاولاد، فذبنا أمامه.

ليس عندي لوم لرئيس الوزراء، للرئيس ولكل الباقين على الشرف الذي أغدقوه على الزعيم الروسي. ومثل النكتة الشهيرة، التي يطرح فيها السؤال أين تجلس غوريلا تزن 800 كغم (أينما تريد، بالطبع)، هكذا هو الوضع مع روسيا. ليس لدينا امتياز اهانة بوتين او مقاطعته. تكاد تكون كل المصالح الحيوية لاسرائيل في هذه الايام العاصفة جدا، تمر عبره. عندها فاننا نغلق الانف ونلعب اللعبة.

ولا يزال، احد ما يجب أن يقول لبوتين الحقيقة. لطيف حتى على الاقل لو لمح بها أمس كيفما اتفق بين السطور. ينبغي لاحد أن يشرح لبوتين بان السلوك الروسي، في كل ما يتعلق بالمذبحة الجارية في سوريا، لا يطاق. ينبغي لاحد أن يشرح له بان الازدواجية الروسية التي تسمح للاسد بان يواصل ذبح شعبه ولمحور الشر الممتد من طهران عبر دمشق، بيروت، غزة، ربما حتى القاهرة بمواصلة تهديد السلام العالمي هو أمر لا يدرك وان استمرار التأييد الروسي، بالعمل وبالقصور، بايات الله في طهران والحملة البطولية نحو السلاح النووي هو عمل اجرامي.

ينبغي لاحد ما أن يقول للروس انه باستثناء المصالح في الخليج، من سعر النفط وكل أنواع المصالح الصغيرة الاخرى، هناك أمور اكثر اهمية ومحملة بالمصائب وانهم يلعبون بالنار التي قد تنفجر لهم في الوجه (انفجار نووي).

ولكن هذا ليس كل شيء. أحد ما ملزم بان يجعل فلاديمير بوتين يفهم بان حتى سلوكه "الديمقراطي" يثير احساسا شديدا بالغثيان ان لم نقل القلق العميق. أحد ما ملزم بان يهمس له بانه لا يحتمل ان يحبس او يقتل هذا العدد الكبير من الصحفيين فقط لانهم انتقدوه. بانه لا يحتمل ان يزج بالخصوم السياسيين في السجون. ان يختفي الناس او يخفوا، فقط لانهم هددوا حكمه. وانه في كل مرة تدغدغه فيها المعارضة يصدر أنظمة طوارىء أو يغير القانون او يحيك حبكة اخرى ما لمواصلة طريقه وتخليد حكمه. فقد سبق أن كان رئيسا وقام بمهلة منهاجية لاربع سنوات لارضاء الدستور كي يعود اكثر قوة وتعزيزا.

وعندنا، بعد أن نقول (او لا نقول) لبوتين كل هذه الامور، يجدر ان نقف للحظة أمام المرآة ونسأل أنفسنا اذا كان هنا أيضا، في الوطن، لا تبدأ بوتينية متسارعة. فلم يسبق ابدا أن كان هذا العدد الكبير من الصحفيين مهددين في دولة اليهود مثلما في عصرنا ولم يسبق أن سقط قدر كبير من ابراج الحراسة في اسرائيل ولم يسبق ابدا أن كان تهديد ملموس جدا على وسائل الاعلام ولم يسبق أن كانت معارضة ضعيفة جدا ولم يسبق أبدا أن كانت قوة مطلقة جدا مركزة في ايادي قليلة جدا، يشعرون وكأنه لا تهديد عليهم، لا انتقاد، قوتهم لا جدال فيها او قيد عليها والسماء هي الحدود. إذن ما العجب في اننا نُنكس الرأس بمتعة امام بوتين. فهو، في واقع الامر، نموذجنا.