خبر أزمـــــــــــة بطـــــــــــــعم الكــــــــــرز

الساعة 06:22 م|22 يونيو 2012

وكالات

يحمل كرز الجولان، القادم من الهضاب المحتلة، على أغصانه الغضّة قصصًا عن معاناة وفرح، معاناة الفلاحين من تضييق الحقول وصعوبة الريّ وإنهاك التسويق، وفرحًا بموسم أضحى عرسًا لياليه مسرحيات رحبانية وبهجة، سهرات وأغنيات تصدح رغم كل شيء.

رغم أنّ زراعة الكرز حديثة نسبيًا، ليست كما التفاح العريق في الجولان، فهي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي. يزرع الجولانيون 30 ألف دونم من الكرز والتفاح، وهي المساحة التي تبقت لهم منذ العام 1967. هذه الحقول تنتج الى جانب محصول التفاح الذي لا يقل عن 25 ألف طنٍ سنويًا عشرات الاطنان من الكرز.

بساتين الكرز، التي تتوسط بساتين التفاح في قمم هضاب الجولان، والمنبسطة على امتداد المرج والهضاب المحاذية لبلدة مجدل شمس، لم تعد مشروعًا اقتصاديًا فحسب، بمقدار ما هي متنفس اجتماعي يحمل بين طيّاته دلالاتٍ ومعاني التكافل الإجتماعي والفرح والصمود. فموسم الكرز والتفاح يشبه إلى حد كبير موسم الأعراس التقليدية.

"فصل المقال" تجولت في المروج و في السوق الشعبي لمجدل شمس، فوجدنا متذمرين من مزارعين وأصحاب "بسطات"، منهم غالب الكحلوني ويوسف زين وفخري المقت وغيرهم الكثيرين، يشكون حال السوق لموسم أوشك على الانتهاء دون أرباح بل بخسارات كبيرة أحيانا.

ارتباط وجداني
ويرى وهيب الصالح أنَّ مجمل التعاطي مع موسم الكرز وبعده التفاح يأتي من أجل المعيشة أساسًا، ويضيف: "لكن إذا أخذنا الجوانب الأخرى من الموضوع ففيها الكثير من التعويض بعد التراجع الكبير لهذه الزراعة. فموسم القطاف عبارة عن موسم أعراس تجتمع فيه العائلات ويتعاون فيه الكبار والصغار الى جانب الكثير من الفلسطينيين إخوتنا من عرب الداخل. يتلاقى الناس، وثمة من يسهر ويقيم حفلات العزف والغناء. زيارات متبادلة، وفي ذلك تصالح وتسامح ومودة، وهذا يعزز الارتباط الوجداني العميق لدى الصغار والكبار في ارتباطهم مع بعضهم البعض ومع الارض والحفاظ عليها".

ويضيف: "لكن مما لا شك فيه، عندما يكون المحصول ناجحًا والتسويق متوفرًا يكون رضى المزارع وفرحه أكبر لاسيما وان الحصار لازال  قائما ولم ينتهي ونحن مصرون على التشبث بكل ما من شأنّه أن يعزز صمودنا لا سيما الأرض ومدّها بالنبض والحيوية".

المياه واستمرار الحصار..
مثله مثل باقي المزارعين، يمتعض الصحفي نواف البطحيش ويتذمر من الحصار المنهجي لهذه الزراعة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية، لكن علاقته الوجدانية والوجودية بالأرض وشجرة الكرز تجعله متمسكًا وثابتًا ويقول: " تحتاج هذه الزراعة إلى مصاريف باهظة لاستصلاح الأراضي والري والأسمدة والأدوية لمكافحة الأمراض ومصاريف العمال التي تثقل على المزارعين".

ويضيف "صحيح أن المحصول تضاعف ربما ثلاث أضعاف هذا العام عن سابقه، إلا ان عملية التسويق والأرباح تراجعت لحد كبير هذا العام  بنسبة  تزيد عن قرابة ال60%، فهناك مشكلة التسويق والأسعار، وفي هذا الموسم لم يسوّق المزارعون إلا القليل من المحصول في البلاد وبأسعار منخفضة جدًا، بعدما تعذر محاولة تصديره الى سوريا لأسباب سياسية واقتصادية".

ويقول البطحيش إن الكثير من المزارعين والمسوقين انتظر قدوم عرب الداخل إلا أنّ الكرز بقي بكميات كبيرة منه مكدسًا في السوق، علمًا ان السعر لم يتعدى ال4-5شواقل للكغم الواحد، اي بتراجع ثلاث اضعاف عن العام الماضي، كما أن كميات أكبر فضل اصحابها عدم قطفها وبقائها على الشجر".

أزمة المياه ..
القرى الاربعة، مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قينية، تتربع على بحر من ينابيع المياه لكنها تعاني شح المياه وبهظ ثمنها! قلة المياه تؤثر بدورها على نوعية وكمية المحصول من حيث جودة الثمار وقدرتها على التحمل مدة طويلة في التخزين، ويعتبر المزارعون أنّه من غير المعقول أن يخصّص فقط 700 كوب للدونم من المياه في وقت تحتاج إلى ضعف هذه الكمية.

وفي مثال على ما يجري من تضييقات على المياه قال البطحيش: "إستخدمنا نبع راس العين، وهو يروي 1700 دونم وحاولت سلطة المياه "موكوروت" مصادرته والسيطرة عليه وتحويله رافدًا لـ "بانياس" لكنّهم فشلوا".

عندما تنظر من المرتفعات الى أسفل المرج الممتد ببساتينه من مجدل شمس حتى قرية بقعاتا مرورًا بقرية مسعدة تلاحظ وجود أعداد كبيرة من الصهاريج الحديدية قابعة بين البساتين على سطح الأرض بأحجام ضخمة. ويفسر محدّثنا: "بعد أن استعصت علينا مصادر المياه استحدثنا طرقًا بدائيةً لتخزين مياه الأمطار وهي عبارة عن آبار مياه بديلة حفرت بعمق 5-6 أمتار داخل أراضينا، لكن بعد عام الإضراب الشهير، وفي عام 1982 أخذ المزارعون بتوسيع واستصلاح اراضيهم في السفوح الجبلية على شكل مدرجات، الأمر الذي دفع بنا لاستحداث وتطوير تلك الآبار وتوسيعها على شكل برك كبيرة، وعلى مساحة نصف دونم تقريبًا وبعمق 10-12 مارًا، تتسع لـ 700-1200 كوب من مياه الري المجمعة من مياه الأمطار، لكن مع ذلك بقيت هذه الكميات قليلة وغير كافية".

تتضاعف الأعباء على المزارع المحلي في حجم المصروفات فالكثير مما توفره الدولة لمواطنيها اليهود من تسهيلات ودعم لا يحظى بها إبن الجولان العربي. فيما يرى البطحيش: "في أواخر التسعينيات أعطتنا إسرائيل مخصصات سنوية، 200 كوب مياه للدونم الواحد بينما خصَّصت للمستوطن من 700-800 كوب، ومن نفس المصدر للمستوطنات. وبالتالي أستطيع القول إنّ بعد مرور 40 سنة من الاحتلال لم يعد الاستثمار في هذه الزراعة مصدرًا للدخل".

لكن مع هذا، يجمع الجولانيون العالقون تحت الإحتلال، على أنَّ هذه الزراعة متنفس، ويحمل أكثر من معنى الري والتسويق. إنَّه العلاقة الوجودية والوجدانية للأهل..