خبر إرهاصات بيان الرئيسين .. علي عقلة عرسان

الساعة 02:46 م|21 يونيو 2012

 

إرهاصات بيان الرئيسين-علي عقلة عرسان

هناك مؤشرات، تبدو ضعيفة حتى الآن، على توافق أميركي روسي بشأن الأزمة السورية، فقد أعلن الرئيسان أوباما وبوتين، بعد اجتماعهما في قمة العشرين في لوس كابوس في المكسيك يوم 18 حزيران 2012، أنهما توصلا إلى نقاط مشتركة بشأن الأزمة السورية، منها تغليب الحل السلمي وإيقاف العنف فوراً. وجاء في بيان مشترك صدر عن اجتماع الرئيسين: ".. ندعو من أجل وقف إراقة الدماء في سورية إلى الوقف الفوري لأي شكل من أشكال العنف، ونعرب عن التأييد المتعدد الجوانب لجهود مبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي عنان، بما فيها التحرك باتجاه التحول السياسي إلى الديمقراطية والتعددية الحزبية والنظام السياسي الذي يختاره السوريون بأنفسهم في إطار السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي السورية.. نحن مقتنعون أن الشعب السوري يجب أن يمتلك بنفسه طريق اختيار مستقبله.". وإذا ما صحَّ هذا، وصدقت النوايا، وكان ظاهر القول كباطنه أميركياً على الخصوص، فإن انفراجاً قريباً يمكن أن تبرز ملامحه إلى الوجود خلال مدة قريبة، وبعض الامتحان كان يوم الأربعاء في أثناء عرض الجنرال روبرت مود لتقريره أمام مجلس الأمن الدولي، في جلسة مخصصة للأزمة السورية، بعد أن اتخذ قراراً بتعليق عمل المراقبين مؤقتاً نظراً لتصاعد العنف ووجود خطر على حياتهم.

فقد قدم الجنرال مود تقريره أو شهادته أمام المجلس مساء الأربعاء 20 حزيران 2012 وكان متوازناً وموضوعياً، واتجه المجلس في نهاية الاجتماع إلى إبقاء المراقبين وتأكيد دعم مهمة عنان بوصفها الخيار الوحيد الممكن والمطروح حتى الآن، وتعزز إقرار الأمين العام بان كيمون بوجود طرف ثالث في الأزمة السورية لم يسمه.. ولم يكن المجلس ليصل إلى تلك النتائج بتقديري لولا التوافق الأميركي الروسي المبدئي في قمة الرئيسين بالمكسيك.. فمن تابع الضخ الإعلامي والسياسي الذي سبق الجلسة وتصاعدَ وتيرة الأحداث في سورية، يدرك أن من تحركوا وصرخوا وعلَّقوا أهمية بالغة على إنهاء مهمة المراقبين ومن ثم مهمة كوفي عنان برمتها، أو على تحويلها لتكون قوة موسَّعة ومسلَّحة وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مع فرض عقوبات دولية على سورية.. يدرك أنهم قد صمتوا وتلاوذوا بأصابعهم، وربما كان ذلك بوحي من، أو تحت تأثير، ذلك التوافق بين القوتين الكبريين.. وسيلتقي الوزيران لافروف وكلنتون في سان بطرسبورغ خلال أيام قليلة لمناقشة تفاصيل تتعلق بتوافق الرئيسين الذي تضمنه الإعلان الذي أشرنا إليه.

وبناء على هذا فإن حظوظ المؤتمر الدولي الذي دعت إليه روسيا الاتحادية لإيجاد مخرج من المأزق السوري الذي أصبح مأزق دولٍ ومأزق منطقة، ستكون كبيرة، وقد يضعف ذلك مؤتمرات أخرى بمسميات أخرى أو يشعر بألا ضرورة لها فيما إذا كان التوجه الجديد جاداً ومتفقاً عليه. وقد يكون المؤتمر الدولي هو المجال الذي يتم فيه اتفاق على مسارت ومبادئ عامة لحل الأزمة، تحفظ للأطراف الدولية المتنازعة خطوط رجعة آمنة إلى منطق دولي قانوني متفق عليه، وذلك وفق التوجه الذي بيَّنه البيان المشترك للرئيسين الأميركي والروسي. وفي هذا السياق يمكن أن نقرأ التصريح الأميركي ـ البريطاني يوم الخميس 21 حزيران 2012 الذي تضمن ما أسموه " منح الرئيس بشار الأسد إعفاء من العقوبات التي أعلنت غربياً عليه وتمكينه من حضور مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في جنيف ومن التحرك بأمان، وكذلك عدم ملاحقته من محكمة العدل الدولية إذا ماحصل شيء من ذلك؟.. وهو مؤشر نحو التوجه إلى حل سياسي، وتنفيذ لاتفاق الرئيسن.

إن التوجه نحو وقف العنف "فوراً" يعطي إشارات، ويعني أو يترجم إلى أوامر بوقفه، لا سيما لجهات معارضة ذات صلات وطيدة بدول وقوى عربية وأجنبية، وهي قوى ودول سبق وأعلنت عن مواقف حادة ومتشددة، وربما متطرفة، ضد الحكم في سورية، من وجهة نظر من يستندون إلى القانون الدولي بشأن الأزمة السورية، ويصرون على احترام سيادة الدول وعدم تغيير الأنظمة بالقوة، كما سبق لتلك الدول أن اعترفت بتزويد المعارضة السورية بالمال والسلاح والمعلومات اللوجستية، وبأجهزة اتصال حديثة متطورة جداً، وبمساعدات أخرى إضافة للدعم السياسي والإعلامي..إلخ، كما أن التوجه في البيان الرئاسي يعني أنه على سورية أن تقرأ موقف أصدقائها ومؤيديها لا سيما روسيا الاتحادية والصين قراءة جديدة، وكذلك الموقف الدولي العام، على نحو ينسجم وذلك الموقف الجديد، أي الموقف الناتج عن الاتفاق أو التوافق الأميركي الروسي وما سيكون له من دور في عقد المؤتمر الدولي ونجاحه.

لا أريد الخوض في عوامل تراجع من تراجَع عن موقف ومن ثبت على موقف، ومن فرض رؤية وعدَّل رؤية أو تراجع عنها، ولا الدخول في أسباب ذلك التحول المنتظر ومرجعياته وخلفياته السياسية والاقتصادية والعسكرية والإقيمية، فقد يكون لذلك وقته الملائم بعد الوصول إلى خطوات أو نتائج أولية في هذا الاتجاه.. هذا من جهة، ولأنه يعنيني من جهة أخرى، وبدرجة عليا، أن نصل إلى وقف سيل الدم السوري ووضع حد لتدهور الأمور والدمار ومعاناة الناس التي فاقت حدود الاحتمال، وأن ندخل برزخ الحوار الذي سيفضي إلى اتفاق وحلول يصنعها السوريون أنفسُهم بحرية ووعي ومسؤولية، بعيداً عن أي شكل من أشكال التدخل أو الضغط أو التخويف أو الترهيب.. حلول  يرضون بها ويطبقونها ويرفعونها فوق خلافاتهم وتحدياتهم المتبادلة وآلامهم وثاراتهم ومعاناتهم، ويضعونها فوق الرؤى الضيقة والمصالح الخاصة.. لتكون رؤية وطن ومصلحته، وكلمة شعب يستحق تاريخه ونضاله وتتمثل فيها إرادته بوصفها إرادة عليا.. وفي مناخ الحوار المنشود والحلول المسؤولة يُقاس موقف كل حزب وفئة وشخص بما يعتمده من منطق وما يلجأ إليه من خيارات تحكمها الحكمةُ ومقوماتُ الانتماء الوطني والقومي والإسلامي وقيمه، وما يقدمه من تضحية في سبيل الوطن والشعب، من أجل العروبة والإسلام، وبما يرتفع إليه من درجة في سلم المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية.

ليس من المنطقي أن يفرض علينا أحدٌ منا أو من خارج دائرة انتمائنا الوطني والقومي خياراً ليس خيارنا، لا في السلم ولا في الحرب، ولا أن يفرض علينا الحربَ الأهلية والدمارَ والكراهية والحقد والموت صبراً أو قهراً، تحت أية ذريعة كانت وأي سبب أو مسوِّغٍ من أي نوع.. وليس مقبولاً أن تكون حججُنا وذرائعُنا تلك التي تكمن فقط في القوة والسلاح وفي ممارسة العنف والإرهاب، أو تنبع من ذلك وتستند إليه. لا يقتل الشعب نفسَه من أجل نفسِه، ولا يتنازل الشعب عن نفسه وحقه وحريته وكرامته وقيمه الوطنية من أجل حزب أو فئة أو شخص ليكتب له أن يبقى على قيد الحياة في مسمى "وطن" ولا يفنى، ولا منطقياً ولا مقبولاً أن تفرض فئةٌ نفسها على الوطن والشعب بقوة السلاح والإرهاب بقوتها أو بقوة آخرين من خارج الدار ومن وراء البحار.. الوطن بيت أمان للشعب، كل الشعب.. والوطن أمن واطمئنان وكرامة تتوافر في الوطن بالعدل الذي ينبغي أن تصنعه المسسات ويحميه الشعب بالوعي والمبادرات الإيجابية ابناءة.

فهل تكون لنا، على خلفية التطورات المحتملة التي نلمس بعض إرهاصاتها في الفضاء السياسي الدولي، فرصة لنمسك رأس الخيط المؤدي إلى الحل السياسي بالحوار الوطني؟ هل نمشي في طريق الحكمة والنور بدلاً من الجهل والجاهلية والتجاهل وسلوك مجاهل الطرق في حُلَكِ الظلام؟ وهل نصل إلى حلول للقضايا المعلقة المزمنة والمسكوت عنها جميعاً، وإلى معالجة صريحة وعادلة وشافية وضافية للملفات الشائكة كلِّها من دون استثناء، المتاح فتحه من تلك الملفات والمحرم فتحه منها أيضاً، وفق برنامج زمني يتضمنه الحل المنشود، لكي تتطهر الأنفس من الدرن والعفن وتبرا الجراح والقروح، وتهدأ الخواطر، ويرتاح البال.؟ هل نفعل ذلك ونُقبِلُ عليه بعقل بارد وقلب دافء وإخلاص تام وخلوص نية، من دون دمٍ يراق، وحقد دفين يتفجر، وبغضاء مستشرية أو تستشري، ومحسوبيات أو حسابات من أي نوع تجعل أفراداً ينجون من الحساب ويفلتون من العقاب على ما يثبت قانوناً أنهم ارتكبوه، وآخرين يدفنون في العذاب.!؟ للمغالين والقتلة والظلمة والمخربين والمؤججين للفتنة، من أي طرف أو موقع أقول: إنكم تحرقون أبرياءً بالمغالاة وتسيرون بالشعب إلى التهلكة وبالوطن إلى الخراب، وتزرعون الفتنة بين أبناء الشعب وفي دروب الأمتين العربية والإسلامية على حد سواء.. وقد تدفعون من كيسكم بعد وقت، من أبنائكم وأموالكم وأنفسكم.. لكن.. بعد فوات الأوان، ويوم لا يغني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً.. وأقول لمن يعنيهم المستقبل: مهما تشنَّج المتشنجون من أي اتجاه ومن أي طرف وموقع، فسوف نبقى أبناء وطن واحد، وسوف نعيش معاً في وطن واحد.. هو سورية.. وسيفدي كل منا الوطن باسم الله والوطن، وسينظر في وجه أخيه حين يلتقيه، وسنلتقي في الوطن الذي نحب.. وقد تدمع عيوننا كقلوبنا معاً حين نلتقي، فلم لا؟ ألم نكن القلب الواحد والجسد الواحد ويجمعنا المصير الواحد!!.. لا تقسيم للجغرافيا الطبيعية أو البشرية في سورية، تحت أي مسمى أو سبب أو تشنّج، لا تفتيت ولا إماتة ولا إبادة للروح الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية لبلد هو مهد حضارة وخلاصة تاريخ ومهوى قلوب ومستنبت قيم ومهد رسالات إلهية.. إن ذلك لا يجوز، ومن يستخف بذلك ولا يهمّه أن يفعلَه ويتحمل وزره، يمكنه أن يكون شرارة فتنة ومعولاً يخرق قعر المركب المشترك، ولكن سيبقى هناك شعب وهناك عقل.. وعلى العاقلين الفاعلين في المركب الواحد أن يأخذوا على يد من يفعل ذلك لكي ينجو هو وينجو من في المركب.. لا نكوص عن تاريخ سورية ومواقفها المبدئية وحقائق الناس والحياة والحضارة فيها.. فهلَّا وعينا درسنا المؤلم ودروس الأمم والبلدان التي مشت على طريق كتلك التي نسلكها اليوم؟ هلَّا اتقينا الله في شعبنا وأطفالنا وأمتنا ووطننا، وفي أنفسنا بالذات، القريب فالأقرب فالأقرب.. قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم، ولا يقام فيه عمران من عدَم..؟!

إنني أسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل، وأن يؤتيَنا الحكمة،