خبر نقابة العاملين: بين الاستهتار والاستحمار!.. د.أيوب عثمان

الساعة 12:05 م|18 يونيو 2012

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

 

قرأت، قبل لحظات، على موقع النقابة الإلكتروني، خبراً عنوانه: "صور إلغاء القرارات التي صدرت ضد نقابة العاملين وإعادة الخصم المالي المالي للعاملين الملتزمون( عيب لأن صحيحها " الملتزمين") بفعاليات النقابة". وقرأت في تفاصيل الخبر أن النقابة قد أرفقت صور هذه القرارات. غير أنه لدى اطلاعي على صور هذه القرارات التي أرفقتها النقابة بخبرها على موقعها، كانت الصدمة، بل كانت الطامة الكبرى، لا سيما حينما قرأت المرفق الصادر عن رئيس الجامعة المرقوم 518 والمؤرخ في 28/5/2012، الخاص بالقرار الإداري رقم ص.ر/74/2012 بشأن وقف القرارات الصادرة بحق أعضاء نقابة العاملين، وهو المرفق الوحيد الذي لم تشر له النقابة في خبرها المشار إليه أعلاه، عمداً بقصد دس السم في الدسم!

 

ماذا يقول هذا المرفق الصادم، بل المرفق الذي يشكل طامة كبرى؟ يقول:"حفاظاً على...، ونزولاً عند...، وتحقيقاً لما تم التوصل إليه من تفاهمات مستوحاة من النظام الأساسي المعدل... تقرر الآتي:

مادة (1) إلغاء العمل بالقرارات الإدارية الآتية:

  • القرار الإداري رقم (ص.ر/63/2012).
  • القرار الإداري رقم (ص.ر/68/2012).
  • القرار الإداري رقم (ص.ر 69/2012).
  • القرار الإداري رقم (ص.ر/70/2012).

مادة (2) على جهات الاختصاص العلم والعمل بموجبه.

توقيع رئيس الجامعة

وقد أعطيت صورة من هذا القرار إلى جهات عدة يتصدرها مجلس الأمناء!

 

     فبالنظر إلى عبارة:"وتحقيقاً لما تم التوصل إليه من تفاهمات مستوحاة من النظام الأساسي المعدل"، باعتبارها حيثية ومسوغاً من حيثيات ومسوغات القرار الإداري المشار إليه أعلاه، فإن هذا يعني أن نقابة العاملين قد سلمت وأقرت بالتعديلات التي أجراها مجلس الأمناء على النظام الأساسي، بل إنها أذعنت لتلك التعديلات وسلمت بها وأقرتها تحت ستار وهمي برفضها الذي تعبر عنه النقابة بجمع توقيعات لا لزوم لها ، مطالبة بإلغائها، وتحت شعار وهمي بهدف الاستهلاك المحلي يقضي – ذراً للرماد في العيون – بعدم التسليم بهذه التعديلات حتى لو أدى ذلك إلى مقاضاة من أجراها، عملاً على إلغائها! وهنا، أتساءل: إذا كانت النقابة هي ذاتها من وضع على موقعها الإلكتروني مجموعة قرارات رئاسية من بينها قرار يقول في حيثيات ومسوغات ديباجته نصاً وحرفاً أنه: " تحقيقاً لما تم التوصل إليه من تفاهمات مستوحاة من النظام الأساسي المعدل..."، فهل ترى النقابة أنه بقي لها شيء تقوى به وتستند عليه ، ذلك أنه بموجب تبنيها لقرار رئيس الجامعة رقم 74/2012 الصادر بالرقم 518 في 28/5/2012، وبوضعها لهذا القرار على موقعها الإلكتروني، فإنها تكون قد أقرت وسلمت بالتعديلات وأذعنت لها، وإن كانت تتظاهر بمعارضتها والاعتراض عليها والإصرار على إلغائها! وألا تعلم النقابة أنه بموجب فعلها هذا، لم يعد من حقها أن تطلق في هذا المجال قلماً أو لساناً؟!

 

      أما الطامة الكبرى، فهي أن النقابة فعلت هذا الذي فعلته وهي تعلم جيداً ما فعلت. لن يظن أحد أن النقابة قد فات عليها ما لم يفت علي، ذلك أنها تعرفه وشاركت فيه، بل إنها تأمرت على فعله، وذلك في سياق عملية الترويض الجارية لها، والتي عبرت هي في ثلاجتها بعد أن كان اللهب والتسخين والتهديد والوعيد من بين خيارات أخرى كثيرة ومفتوحة هو خيارها، لا غيره ولا سواه. فبينما كانت النقابة تقفز في الظلام كثيراً، متجاوزةً الأنظمة تارةً، والأصول أخرى، ومتجاوزة هيئتها العمومية صاحبة الولاية عليها، في سياق عبارات كبيرة وتعبيرات ضخمة وكثيرة من نوع"هذا طلاق بيننا وبينكم"، ومن نوع "رغماً عنكم"، ومن نوع "وأنتم صاغرون"، ومن مثل ذلك كثير، بل غزير، تتجه النقابة الآن ليس إلى التبريد، فالتبريد دوماً مطلوب، وإنما إلى الاسترخاء والنوم والارتماء، عبر آلية ضد العمل النقابي وضد حقوق العاملين اسمها "الترويض"!

 

      لماذا تطلب النقابة من العاملين التوقيع لإلغاء تعديلات سلمت هي بها وأذعنت لها؟ ما هي أهمية تلك التوقيعات ؟! إن الأمر لا يتعدى سياسية دس السم في الدسم والظهور بمظهر القوة فيما الضعف سيد. أتطلب النقابة أن يذهب العاملون للتوقيع على أمر يختص باحترام القانون في الجامعة أم على  أمر يختص بــــ"الطوشة"وثقافة الطوشة على غرار "عليهم يا رجال!". أنحن في جامعة أم في قبائل ؟! استيقظوا! جامعة الأزهر ليست قبائل. إذا كانت التعديلات الأخيرة في نظر النقابة قانونية، فلتقل ذلك جهراً وعلانية، وإن لم تكن قانونية فلتناضل من أجل إلغائها مخلصة، ولتعلم أن إلغاءها لا يكون إلا باالعلم وبالقانون، وليس بأسلوب الطوشة، ولتعلم أيضاً أن جمع التوقيعات في هذا السياق لا يشبه جمع التوقعيات بغرض الترشح للانتخابات لإثبات القدرة والانتماءات والحمائل والعصبيات والولاءات. كفوا عما أنتم فيه، وافعلوا ما آمنتم به وطبقوا ما اتفقتم (أو تآمرتم) عليه، ولكن على المكشوف، وبموافقة من ولاهم القانون النقابي ليكونوا أصحاب الولاية عليكم.

 

    كنتم تفعلون على هواكم ما تفعلون، وأنتم عن أصحاب الولاية عليكم بعيدون، وعنهم أنفسكم بغيرهم حاجزون! أما اليوم، فأراكم تطالبونهم بالوصول إليكم، فيما أنتم إليهم ما وصلتم! ألستم أنتم من ينهي كل إعلان أو خبر بعبارة: "على العهد باقون، ولحقوق العاملين مخلصون؟!". إذاً، كونوا على مستوى وعدكم وعهدكم، وإنكم لن تستطيعوا ذلك إلا إذا تمكن الصدق منكم وقرّ في أنفسكم.

 

    أما آخر الكلام،  فإن راق لكم الترويض الذي نراه وأعجبكم، فليعجبكم ما تشاؤون وكما تشاؤون، ولكن بعيداً عن المصلحة العليا للجامعة، وبعيداً عن حقوق العاملين، دون أدنى محاولة منكم للاستهتار بمصالحهم أو استحمار عقولهم.