خبر بين مدينة الموتى ومدينة القمامة -يديعوت

الساعة 09:10 ص|17 يونيو 2012

بين مدينة الموتى ومدينة القمامة -يديعوت

بقلم: سمدار بيري

يقولون انه يمكن ان تعلم سلفا "اذا كان ذلك جديا" – اذا كان المتظاهرون ينوون اغراق الشوارع – بحسب حال الحوانيت حول ميدان التحرير في القاهرة: فحينما تكون الحوانيت مغلقة فتلك علامة على ان مستوى الغضب قد ينفجر، لكنها اذا فُتحت فهناك فرص لاتمام اعمال جيدة زمن المظاهرة: فيبيعون الشراب والشطائر والاعلام الصغيرة والقبعات وكل ما يستطيع المتظاهر ان يسمح به لنفسه بأبخس ثمن قبل ان يأتي الجنود لابعاده.

سنعلم الليلة من نتائج غير رسمية من سيكون رئيس مصر القادم. يتحدث احمد شفيق، المرشح العلماني، عن حسم تاريخي، ويُحذر خصمه محمد مرسي قادة المجلس العسكري من أنهم اذا حاولوا التزوير فان "الاخوان" سيغرقون الميادين في ثورة فظيعة. ولن تهدأ مصر في الاسبوعين القريبين ايضا الى ان يجلس الرئيس القادم وليكن من كان في القصر.

يعمل المرشحان العلماني والاسلامي من اجل الرؤيا نفسها وهي اقتصاد مفتوح وسوق حرة وعمل لكل عاطل. ان خيرت الشاطر الذي هو الظل الكبير الذي يحرك مرسي ركب طائرة وهبط في واشنطن وبسط نظريته الاعمالية على مسامع قادة الادارة كي لا يكونوا قلقين من الفوز المرتقب لمرسي الاسلامي. وقد قام بعمل مقنع جدا حتى ان الامريكيين ما عادوا مذعورين من احتمال ان يُصرف الشاطر، وهو صاحب مليارات ومدير امبراطورية اقتصادية زاهرة، أمور مرسي ومصر من وراء ستار. ولم يتعلم الامريكيون الذين ساعدوا على خلع مبارك الى الآن درسا مما حدث وصاروا يضغطون على الجيش ليُسلم المفاتيح. ما الذي يعرفونه في واشنطن والى أي حد يدركون حقا ما يحدث في مصر – لا يعلم هذا إلا الله.

اليكم عددا من المعطيات المقلقة: ان مصر يقترب عددها من 90 مليون مواطن. وفي كل تسع ثوان يولد طفل جديد يجب إطعامه. وحينما يكبر قد ينضم الى الـ 12 في المائة من العاطلين عن العمل، و20 في المائة منهم من خريجي الجامعات. ويعيش 14.2 مليون مصري على دولار أو دولار ونصف في اليوم. ويسكن مليون ونصف في "مدينة الموتى" بين جدران اسمنتية بُنيت على القبور. ويعيش نصف مليون آخرون في "مدينة القمامة"، في ظروف شديدة البؤس. ويجب على من يتحدث عن سوق مفتوحة واقتصاد حر ان يأخذ في حسابه ان 45 في المائة (على الأقل) من سكان مصر أميون.

ماذا سيأكل الملايين؟ وأين يعتاشون؟ لا يوجد سياح وهرب المستثمرون قبل سنة وتحارب البنوك لوقف انهيار الجنيه المصري ولتهدئة البورصة. وكل مشكلة تسجل تهاويا آخر. وقد تجاوز دين مصر الخارجي منذ زمن 200 مليار دولار. فقد أحدثت سني استبداد مبارك الفاسدة الثلاثون فرقا شديدا بين الطبقات. وكان هناك 6 ملايين ثري أكلوا من كف السلطة ودفعوا رشوة من اجل مكانتهم المتميزة. أما الباقون، وهم عشرات الملايين، فكونوا الطبقة الفقيرة البائسة، والفقيرة "العادية"، والمتوسطة – الدنيا والمتوسطة – العليا.

انهم في مصر لا يعملون منذ سنة ونصف. وكانت هناك لحظة تلهوا فيها بفكرة ان يبيعوا لقطر ضرائب العبور في قناة السويس بشرط ان تلتزم أغنى امارة في العالم بصيانة مصر. وقد أصبحت القناة مصدر الدخل الاول مع احتضار السياحة وافشال صفقات الغاز والاضرار الشديد بالتصدير والانتاج "بسبب الوضع".

ستنهار مصر اذا لم يساعدوها. وكلما ازدادت الازمة عمقا كان ذلك أخطر علينا ايضا. ان الـ 1.3 مليار دولار من المساعدة السنوية الامريكية ستحفظ اتفاقات السلام، لكنها تبدو الآن مثل قطرة في بحر الديون. سيعرض صندوق النقد الدولي ملياري دولار أو ثلاثة. أما دول الاتحاد الاوروبي فهي نفسها غارقة في ازمات اقتصادية، فستساعد لكن قليلا. والسعودية غير متحمسة وهي لم تصفي الحساب بعد بسبب محاكمة مبارك المعلنة. وماذا عن قطر؟ يتعلق ذلك بمن سيكون الرئيس. ويجوز لنا ان نُخمن ان الجيش المصري الذي انشأ لنفسه امبراطورية اقتصادية فخمة سيطرح قروضا بشرط ألا يحاولوا إبطال مكانته المميزة.

ان مصر وهي بغير زعيم وبغير دستور وبغير حكومة يتوقع ان تستقيل، وبغير مجلس شعب تلقى أمرا من المحكمة بأن يفض نفسه، لكن مع جمهور غاضب بلا أمل، تعرض سلسلة طويلة من التحديات للرئيس الجديد. وسيكون التحدي الاقتصادي أصعبها