خبر آهٍ .. صديقي ..علي عقلة عرسان

الساعة 07:33 م|15 يونيو 2012

 

آهٍ.. صديقي..

وحيدا أمضي بعيداً..

عمري خلفي، وزادي أمامي،

وأعبائي فوق كاهلي، وطريقي مجهَل يطول،

خوفي شديد، وأملي لم ينقطعْ..

ومهجتي في راحتي..

وداخلي يقول:

"تزوَّدوا.. إن خيرَ الزاد التقوى..

وراحة النفس خيرُ رفيق..

ونور الروح دربٌ مضيء يفضي إلى المجرات.".

في الفجر ينتشر الضوء ويرتفع نشيدُ الحياة..

الكائنات من حولي تتحرَّك..

تتكلم.. وتعبر عن وجودها..

تسعى إلى رزقها وتتصادم وتقتتل..

وتؤوب إلى ذات أو ما يشبه الذات،

مشبعةً بالخوف والجراحِ، بالقهر والعذاب..

تسكن من عذابها ورعبها إلى الرِّغاب..

في عتمةٍ تفوق عتمة الفسادِ والظلام والغياب.. 

أقول في بكورها وفي سويعات الإياب:

" أيا.. صَمَد.. يا واحداً أحد..

بارك قلوب الناسِ، بارك وعيَها،

واجعل طريق الرعب مسدوداً، ويومي خالياً من النَّصّبْ..

في القتل رعبي يا إلهي والنَّصَبْ..

آهٍ.. صديقي من أفاعٍ من لهب.

 

*  *  * 

تبزغ الشمس وأنا أمشي في طريقي تحت رذاذ المطر..

يا ما ألذَّّ المشي تحت رذاذ المطر،

ويا ما ألذَّ وقع رذاذ المطر على الوجه والرأس..

ما أجمل الطبيعة حين تكشف عن وجهها البهي،

وتجود بعطائها العميم..

وحين يصبح الإنسان والأمان من نسيجها المقيم والعظيم..

أمشي وأمشي.. يا صديقي المهول..

 وجهتي مجهولة، وأنا مَجْهَلٌ، وأخاف المجهول..

وفي كل خطوة من خطاي أخاف انفجار لغمٍ قربي،

أو سيارة مفخخة في دربي،

أو رصاصةً من قنَّاص يتلطى خلف جدار ليسرق أرواح الناس..

أمشي.. وأمشي ..

وأسألك اللهم أن تهديني وغيري سواءَ السبيل،

وأن تهيئ لنا من أمرنا رشداً..

وأدير ظهري لكلام كثير، يتدفق كنهر غزير،

من ساسة متلوّنين، وقتلة متجولين..

أمشي.. وأمشي..

أحار بأمر عصفور الدوريِّ الذي يقفز أمامي..

أهمس له كي لا يخاف مني،

أقول له: لست ذلك الذي يحمل الموت في قلبه أوعلى كتفه،

فلا تخف مني..

يا عصفور الدوري الذي يحْجِل في فضاء روحي..

أتملأ فضاء دربي سلوى أم تخفِّف عليَّ وقع البلوى..؟!

ما ذا تراك ترى مما لا أرى،

وما تراك تعطيني مما أفتقده؟

وماذا تقول لي إذا كنت تعرف أكثر مني عن نيتي وحاجتي ودربي؟

ولماذا تلازمني وتقفز من حولي وأمامي،

إذا كنت لا تعرف شيئاً ولا تزودني بشيء.؟!

هل تلهيني عن نفسي، أم تراك تفرِّج عني كربي،

أم تزرع أمامي الأسئلة ومفازات الوهم لأتلهَّى عن الغمِّ والهمّ؟!

خفف من حركتك.. فقد زاغ بصري،

دخت وكدت أسقط وأصرخ..

إلى أين..؟ لا أعرف..

ومن أين..؟ لا أعرف أيضاً من أين..؟!

إخال أن لديَّ من الأوهام عن ذلك المكان الذي جئت منه،

 أكثر بكثير مما لدي من الحقائق عنه..!!

لا أريد أن أتعاطى مع متى وكيف.. لأنني يئست من متى وكيف..

ومن كل الأسئلة حول متى وكيف..

وأسلمت أمري إلى لله، به آمنت، وعليه توكلت، وإليه أنبت، وبه استعنت..

وأسأله أن يساعدَنا على ما نحن فيه، إذ لا معين سواه.

 

*  *  *

يا صديقي..

الفجر لا يدوم..

والشمس لا تدوم..

والليل لا يدوم..

والظلم لا يدوم..

والإنسان ذاته لا يدوم..

وجه الله وحده هو الباقي..

ولكنَّا معشر البشر نتمرَّد..

وتمردنا أشكال وألوان..

منه الصالح ومنه الطالح،

ولكن مهما كنا وأياً كان..

مرفوض أن نأكل الجثث ونشرب الدم لكي نعلن عن تمرد من نوع خاص،

وقنوطٍ من نوعٍ خاص.

أياً كان وضد من كان..

فالدم حرامٌ، ولحم الأخ حياً أو ميتاً حرام، والفتنة حرام..

نحن البشر نتمرد، حتى على خالقنا نتمرد..

لا نتَّعظُ ولا نتردد.. ونسعى حتى إلى الخلود.. ونتمرَّد..

لماذا..؟! ما الذي يجعلنا نتمرَّد ولا نتَّعظ؟!

هل في البشر شيء إلهي زرعه الخالق في خلقِه..؟

إبليس خلقٌ تمرَّد، وآدم خلقٌ دخل برزخ التمرد ثم تاب وأناب..

وغلغامش خاض المخاطر وغامر بحثاً عن عشبة الحياة؟

وسارق النار " بروميثيوس"، في عالم الأساطير،

تمرد على كبيره زيوس ساكن الأولمب، ووهب الناس النار..

وفي كثير من البشر تمردٌ من حجمٍ ونوع ولون..

فما هو السبب والهدف والحصيلة؟!

لماذا ينظر البشر إلى النجوم، ويحلمون بالعودة إلى الجنَّة..؟

لماذا يصرون على خوض المهول ومعرفة المجهول،

ويتجاهلون ما تحت ناظرهم من المعلوم الذي يهلكهم.؟

أشعر بأنني أعجز عن اليقين..

يا رب.. يسر لنا رؤيا كفلق الصبح، لنخرج من ليلنا إلى النور، ومن شكنا إلى اليقين..

فهل يا ترى إلى سيف عادل مبصر من سبيل..

وهل إلى طريق الحرية والعدل ما بين الشام والنيل من سبيل.؟!

يا رب..هبني عينين لقلبي، ونوراً لبصيرتي..

لأعيَ بقلبي ما يعجز عن وعيه عقلي،

ولأدرك وأفقه وأعي قولك الكريم:

ﭽ ﯤ  ﯥ  ﯦ  ﯧ    ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ       ﯮ  ﯯ  ﯰﯱ  ﯲ    ﯳ   ﯴ  ﯵ            ﯶ  ﯷ  ﯸ       ﯹ           ﯺ  ﯻ  ﯼ   ﭼ الحج/46

ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى خلقك.. بل إلى رحمتك وعنايتك..

وهبني زاداً يبقى معي ولي..

في طريقي المجهل الذي يطول.

فأنا وحيدا أمضي بعيداً..

عمري خلفي، وزادي أمامي، وأعبائي فوق كاهلي، وطريقي مجهَل يطول،

خوفي شديد، وأملي لم ينقطع..

والناس من حولي أحسهم في عنقي،

وفي قلبي من دمهم نزف مستمرٌ مهول.

أبحث عن نفسي بينهم فلا أجدها،

أقول: يا كريم أين هي؟

وأين غاصَ وجهي الضلِّيل في الزحام والظلام؟

ألامُ.. لا ألامُ؟

فما بدا مني سوى كلام في كلامٍ في كلامْ..

لم أفتح البوابةَ اليسار،

لم أفتح البوابةَ اليمين،

قد سرت حسب أمر الله في الوسط،

فلامني الأنام..

لأنني أسير في الوسط..

لم أدر أن كثرةً تحاربُ الوسط..

أتعبني الملام والزحام..

فنمت نوماً ما به أحلام، 

تركني الأنام..

أنام.

واستيقظ الظلام..

في داخلي،

من فوق رأسي،

في عيوني،

في الطريق..

من كل جرحٍ فتَّحَ الظلام.. 

في كل دربٍ فتَّحَ الظلام..

سالت دموعي من فمي..  وقلت: يا معين..

أعنْ قلوب المتعبين البائسين..

أعن قلوباً عمرها عمر البراعم أو زهور الياسمين..

أعنْ أناساً زادُهم بعض المحبة والتوكل والحنين..

أعنْ شعوباً أرهقتها الفتنةُ الحمراء والحقدُ الدفين..

أعنْ.. أعنْ..

فقدت صوتي، ثمَّ نفسي، والطريق،

وصرتُ من بعض الرُّكام..

في مَهْمَهِ الطغيان والهذيان والإرهاب،

أعمى ولكن في الزحام..

أصيح: إرشد يا أخي، بعض المحبةِ والمودةِ والترفُّقِ بالأنام..

فيجيبني عقلٌ تجرَّدَ من وطنْ،

سيفٌ تجرَّد للمحن..

وتجيبني صرخاتُ موتٍ في الظلام..

آهٍ.. صديقي..

يتَّمت قلبي أناشيدُ العبيد،

وهينماتٌ من رخام..

وامتدَّ من حولي الدمارُ بلا زمام..

وأينعت روحي التي تشتاقُ نوراً في الظلام.

آه.. صديقي.. أين رشد الناس في هذا الخصام؟!.