خبر جمهورية تنظيم القاعدة..أيمن خالد

الساعة 08:51 ص|12 يونيو 2012


بالنظر لامتداد المواجهة الأمريكية مع تنظيم القاعدة من باكستان إلى اليمن وغيره يمكن القول، إنها الحرب التي لا تغير كثيراً في تنظيم القاعدة، وربما لا تعني له شيئا مهما، فالحياة بالنسبة لهذا التنظيم هي تماماً ما يحدث، فأفضل أيام هذا التنظيم أن يحارِب أو يُحارَب، الأمر سيان، وما يخسره من قادة يصنع بدلاء لهم في وقت قياسي، فليست شخصية القائد مسألة محورية في كيمياء التنظيم، فأفكاره بسيطة التركيب، فالكل سواسية في فهم الحياة بأنها مجرد حالة مؤقتة، وليسوا معنيين بحمل المزيد من الأثقال.
هي جمهورية مختلفة عن أي كيانية في العالم، فهي لا يهمها وجودها في جغرافيا ثابتة، وهي جمهورية لا تفكر بادرة سياسية للمعركة رغم بعض الخطب والتوصيات فجوهر الادارة محدود وتفاصيل العملية السياسية ان وجدت يمكن اختصارها في مفردات قليلة فهــــي لن تحتكر براعة السياسي المخضرم ولن تسلك أي نوع من هذه الخطى، فيكون نسج القادة اكثر سهولة ويكون برنامج التنظيم اكثر اختصارا ومحدودية فيعبر عن ذلك بأي مكان يمكن ان يحارب فيه لكن هذه الحرب على خلاف كل حروب الكون لا يُنتظرُ ان تضع اوزارها، هي حرب بعيدة الانتصار فهم قطعاً لا يحلمون من أي مواجهة نصرا ولا تغيــــيرا كبيرا، والأمر في الهزائم تماماً لأنهم وفق نظريتــــهم فعلوا ما عليهم مختصرين معادلة النصر أو الشهادة، وهذه قسوة هذه الجمهورية لأن الجمهور فيها هو خليط من الطفولة والشباب والعجائز وكل هؤلاء يختلفون.
هو صدام في البيئة، وصدام في الشارع والطريق والفكرة وصدام في كل شيء، وهي أيضا فكرة مختصرة مريحة قوية تختصر مفهوم العدو من الصديق، لذلك إن شكل الحماسة يختلف في فهم الأشياء، فالأنفس باختلافها كان صنعها مختلفاً فمن المستحيل ليس في هذه الجمهورية بل ولا أي كيانية في الكون تملك أن تجبل البشر فيهوون ويستهوون الصورة الماثلة في أصل الفكرة، التي لا اختلاف في اصلها، لكن قدرات الناس ظلت أن يكونوا بشراً وليس بقدرة جميعهم أن يكونوا ملائكة.
ما بين الدين والسياسة، فمسألة قيادة أي مجموعة بشرية تحتاج قبساً مما يرى به الساسة، وعندما لا تقرأ السياسة وحركة الناس فالسياسيون يقرأون ونتاج قراءتهم تنعــكس بمزيد من تناثر هذه الجمهورية، فهــــي ستسقط تباعاً فيما يزرع لها الساسة من أقفاص وغيره، فمن يضمن أن جمهورية القاعدة الاساس لا تجرها الاجهزة الاستخبارية الى حيث لا تدري وأما البقية التي تأتي كتقليد للقاعدة فالأجهزة العربية تعبث وتصنع منها ما تشاء، فعندما تكون الفكرة صغيرة ومختصرة يسهل الابتداع واللعب والاثارة والتحريك فيها.
جمهورية القاعدة وفكرة وجودها المتعدد الأماكن والجنسيات يستفيد منها الامريكان، فيصبح لهم تبرير الوجود في السماء والأرض، وأيضاً بسببها تصنع الرعب الذي يحتاج برامج واستراتيجيات، خصوصاً في ظل انحسار فلسفة الأحلاف العسكرية، وصناعة الأحلاف الأمنية التي تفي بالغرض من حيث النفوذ والتعدي، ولا تخلق الضجيج المؤثر في حركة الوجدان والنفس التي بعفويتها لا تقبل الأجنبي، فهما جنسان متلازمان أحدهما يصنع منطق الضرورة ويفتح الأبواب قسراً نحوه، والآخر يأتي لرفع الضرر، وإزالة ما أتت به الكوارث.
وهي جمهورية لا يهمها ما تفقد من خسائر بشرية لطالما هناك خزانات بشريه تنتجها الدول المستبدة التي تعمل على إذلال شعوبها وتحاصرهم بالحدود الدنيا للعيش، فتستوي عند ذلك قصة الموت مع قصة الإنسان الذي تخذله الدنيا في منطق الاختيار فتأخذه الضرورة إلى بيئتها التي لم تكن أصلاً ضمن مسار عيشه.
وهي أيضاً جمهورية بلا آمال ولا خطط مستقبلية ولا تعيش هموم البنى التحتية واحتياجات الجمهور، فهم مجموعة من الرحالة يربطهم بالواقع الذي هم فيه، فالرهاب اللغة الأكثر حضوراً وسمة القلق التي تتجسد في ذروة الانتباه تختلط بنفس الوقت وسط حالة من التسليم والزهد في الحياة، الكائن الذي هم ضيوف فيه بغير اختيارهم، لكن اشكالية المؤقت - تحول دون قدرتهم على ادراك نعيم اللحظة، وأثر الحياة وامتدادها، ويمكن أن تكون الصورة في ذهن أحدهم صورة جزيرة توشك على الغرق بلا أمل للبقاء، ولعل الجميع يعيشون حالة الجزيرة الغارقة أو حتى فكرة نهاية الكون، ففي لحظات الإحساس الشديد بالخطر من يفكر بأن يضع يده على شعر يتيم، ومن يفكر أن يغرس غرسة والقيامة تقوم، وهذه بالطبع مفردات من أصل الرسالة، فلا يمكن أن تكون الحياة لأجل هذه القسوة والتشديد على النفس، فالدين أو التديُّن هو لحظة رجاء مليئة بالأمل وليس رحلة صوب المجهول بلا رجاء.
في الجانب الآخر لا أظن أن الأمريكان تهمهم فكرة الحسم والانتصار على القاعدة ولعل صورة هذه الجمهورية هي غاية المطلوب، فالقاعدة لا يقلقها ما تخسره لكن الخاسر هم نحن، الذين نرى الحياة بثوبها السهل، فدولة المدينة المنورة كان بها كل شيء، وكانت السياسة لعبة تدار باحتراف، وكانت صناعة الاحلاف غاية في النضج، ولم تخطط لهزيمة الفرس والروم معا، لكن تلك الحضارات انهارت تباعا أمام صحوة القادم الجديد، الذي يدعي الجميع انه امتداد له وأظن أنهم ما قرأوه تماماً.

- كاتب فلسطيني مقيم في دمشق

القدس العربي