خبر الأفيون الجديد- هآرتس

الساعة 09:08 ص|05 يونيو 2012

بقلم: زيفا شتيرنهل

(المضمون: الحركات الصوفية التي تعني بالخلاص، بخليط من الجهل الذي خلقه جهاز التعليم، هي خطر وجودي على المجتمع الاسرائيلي. المشاغبون من يتسهار بالهام من "عقيدة الملك" يشكلون مثالا جيدا على ذلك - المصدر).

        ليس صعبا التخمين ماذا سيكون رد فعل خارقي القانون من يتسهار، من خريجي "توراة الملك"، على محاولة الاشارة الى صلة ما بينهم وبين الصفوف التي اقامها ايليئور حن وغوئيل رتسون. معقول الافتراض انهم سيعارضون ايضا ابراز القاسم المشترك بينهم وبين أرباب المال من المعجبين بالحاخام يئشيهو بنتو. ولكن رغم الفوارق بين الظواهر المختلفة، يمكن وصفها جميعها كجزء من موجة من الروحانية الجديدة التي تغمر المجتمع الاسرائيلي. كما أن مفهوم المسيحانية، الذي صعد مؤخرا الى العناوين الرئيسة، من شأنه أن يتآكل اذا ما اصبح كلمة تنديد في المناكفات السياسية دون أن يفهم كامل الخطر الكامن في ظاهرة المسيحانية، الاخذ في الانتشار نحو اتجاهات غير متوقعة.

        الهروب من الواقع، انطلاقا من الايمان بان خلفه يختبىء عالم روحاني حقيقي وطاهر أكثر يمكن باساليب مختلفة فهم عمق معناه، ليس أمرا جديدا ولا يرتبط فقط بالوضع المميز لاسرائيل. المشكلة هي أنه عندما يخرج البحث عن الخلاص – في ظل الاستخفاف بالمعايير السائدة، العلمانية والدينية على حد سواء – عن مجموعات صغيرة ومنغلقة فانه يصبح خطر وجوديا على المجتمع، ولا سيما على المجتمع الذي يسير في ظل حرب مستمرة.

        عن الخطر الكامن في العلاقة بين السياسة وبين المفاهيم الدينية بشكل عام والصوفية بشكل خاص، كتب على مدى الاجيال أكوام من الكتب والمقالات. غير أن عندنا، ونحن محوطون باسوار ن الجهل اقامها جهاز التعليم، تبقى بشكل عام مختبئة في رفوف المكتبات أو في افضل الاحوال تحظى هنا وهناك بمقال انتقادي في الملاحق الادبية. وبالفعل، كان يمكن منع قسم من المشاكل المهددة في السنوات الاخيرة للمجتمع الاسرائيلي، المرتبطة بالتطرف الديني – الصوفي وارتباطها بالايديولوجيا القومية المتطرفة من "الدم والارض". وان لم يكن المنع، فعلى الاقل كان ممكنا التصدي لها وهي في مهدها، لو كان هناك وعي جماهيري أوسع لمصدر نشوئها الفكري. 

        من سبق وحذر من هذه الميول، التي ظهرت في المجتمع الاسرائيلي منذ بداية تحقق الفكرة الصهيونية، كان غيرشون شالوم، الذي لتوه مرت الذكرى الثلاثين لوفاته. هو بالذات  الذي منح الشرعية للصوفية اليهودية بعد أن دحرت الى هوامش الثقافة اليهودية في القرن الثامن عشر ومنح قوة حيوية للتجدد الروحاني للشعب اليهودي، عاد وحذر من المخاطر الكامنة في تحقق المسيحانية اليهودية هنا والان.

        كما أن المؤرخ اورئيل طال الذي صدرت نسخة جديدة لكتابه الهام "الاسطورة والعقل في يهودية عصرنا" بعد 25 سنة، أجاد منذ ذلك الحين في تشخيص التطورات المحملة بالمخاطر للتيار المسيحاني في اليهودية الذي ترسخ بمعونة حاخامين مثل تسفي يهودا كوك، شلومو افينر وتلاميذهما. بحوث السنوات الاخيرة تؤكد تحذيرات شالوم وطال واحداد واحدا.

        وهكذا مثلا، عالم الاجتماع شلومو فيشر الذي يحلل كتابات الحاخام اسحق جينسبورغ، مرشد المستوطنين المتطرفين، يلاحظ بين افكاره المبادىء الرومانسية التي أعدت الارضية لنشوء الحزب النازي.

        جينسبورغ، وليد التوراة الصوفية لجماعة حباد، والذي برر المذبحة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين ضد المصلين الفلسطينيين في مغارة الماكفيلا (الحرم الابراهيمي)، يتعاطى مع الشعب اليهودي كعائلة تقوم على أساس الدم والارض. حاسة الثأر الاجرامي يصفها كتعبير أصيل عن قوانين الطبيعة.

        وأساف تماري هو الاخر الذي أدخل مفهوم العرب المستعربة في الخطاب الصهيوني الديني المتطرف، يظهر كيف أن التعلق بالكتاب الذهبي ساعد على تثبيت أفكار مثل النظرة الشرانية للآخر والدعوة الى تطهير الجسد القومي من المرض المعدي، كجزء من ثورة روحانية تصفي ايضا اعداء ايديولوجيين. في هذه الحالة ايضا فان الاستخدام للتعابير العنصرية للدم والارض الاقليمية وهالة الرسالة الروحانية ذات نزعة القوة، يطرح العلاقات الواضحة بالايديولوجية التي سادت في المانيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

        الواقع الراهن يعظم جدا الخطر الكامن في هذه الافكار وليس فقط بسبب الوضع السياسي القابل للانفجار. فضعف المعسكر الذي يفترض أن يقف في وجه التيارات المسيحانية يساهم هو الاخر في انتشار افكارهم. عمليا، المعركة التي تدور منذ عشرات السنين بالذات في الطرف اليساري من الخريطة السياسية والاكاديمية، ضد قيم كونية وعقلانية فرضتها الثقافية الغربية، منحت أيضا شرعية خفية للمبدأ الاعلى، الذي تتشارك فيه العقائد الصوفية، الدينية والعلمانية على حد سواء: التركيز على الجوانب الروحانية – النفسية للواقع والرفع الى مستوى المثال الاعلى للحرية الفردية.

        تشديد الحاجة الى الارتباط بالأنا الداخلية، التي ترافقت ومطلب ليس فقط التعددية الثقافية بل وأيضا كسر المراتبية بين الثقافات والتي اخذت في التطرف على مدى الزمن، ساهم في التشكيك بمجرد شرعية القوانين والمعايير التي يفرضها المجتمع على مواطنيه.

        ولم تتأخر النتيجة في المجيء: الحرية المبالغ فيها التي خلقت احساسا بانهيار القيم، ولدت البحث اليائس عن بدائل تمنح اطارا وسندا للحياة اليومية. ازدهار الاصولية الدينية وكذا الحركات الصوفية المختلفة هو رد الفعل على انعدام القيم. اضافة الى ذلك ورغم نقاط المنطلق المختلفة، ليس صعبا التشخيص فيها ايضا تبني الافكار التي نشرتها النخبة الثقافية العلمانية في العقود الاخيرة.

        وعن هذه السياقات ايضا كتب مؤخرا غير قليل. بوعز هوس الذي بحث في العلاقة بين النزعة الشعبية للصوفية اليهودية والحركات التي تسمى "نيو – ايدج" (العصر الجديد) أشار الى انهيار الايديولوجيات الجماعية الاساسية لبداية القرن العشرين والى انتشار الاقتصاد العالمي، كخلفية لنشوء ثقافات هامشية وللتوجه الى الخلاص الروحاني الفردي. ويتطرق الى هذا الموضوع ايضا يونتان غارب، في كتابه "الافراد المميزين سيصبحون قطعانا"، والذي يدل عنوانه على مضمونه.

        روني فينشتاين يوسع جدا اليراع في كتابه "حطموا الاواني – الصوفية والحداثة اليهودية"، يشير فيه الى الجذور التاريخية للواقع الراهن. ويكتب فينشتاين عن انعطافة وقعت في القرن السادس عشر، عندما كان هاري وتلميذه، الحاخام حاييم فيتل في صفد وسعيا الى تحويل الصوفية الى وسيلة "لخلق طائفة مقدسة روحانية تعلم العالم المسيحاني في الحاضر الحياة الحقيقية" (كما كتب). هذه الخطوة الثورية ساهمت في انقاذ الصوفية من جماعات مغلقة، كان اعضاؤها على وعي بمخاطر انتشارها الجماهيري. وظهرت هذه المخاطر من خلال بروز الحركة الصبتية وبداية عبادة السجود للحاخامين. ولكن كما يتبين لنا اليوم الدرس لم يجرِ تعلمه.

        المشكلة هي أن هذه البحوث وغيرها لا تحظى الى اعتراف يتجاوز الدوائر الاكاديمية وحتى في اوساط المحاضرين ليس الجميع على علم بضرورة وضع حاجز بين الادوات العلمية العقلانية والموضوعية التي يفترضها البحث الاكاديمي، وبين الحماسة الشخصية من تجربة التسامي الروحاني الذي توفره الصوفية. لا غرو أن هذا النهج ينتقل ايضا الى وسائل الاعلام التي تجد صعوبة بان تميز بين النقاش الثقافي على مستوى عال وبين المعتقدات التافهة والعبادات الشعبية.

        مؤخرا انضم الراديو والتلفزيون الى جوقة المواضيع "الروحانية"، في برامج "ثقافية" في القنوات الرئيسة. تقرير كهذا بث قبل بضعة اسابيع في القناة 10، وفر للحاخام يعقوب ايفرغان فرصة لحملة علاقات عامة جعلت من الدعائية ج. يفيت ممثلة عن الخلاص الروحاني وبالاساس – العينة عن الواقع الجديد.

        في السياق الاسرائيلي لا يدور الحديث فقط عن مشكلة ثقافية، فالتاريخ يثبت بان الاستخفاف بالعالم المادي والسعي الى العوالم الروحانية يمكن أن يشكل وسيل ناجعة لغسل الدماغ، ولا سيما لاولك الذين يصعب عليهم مواجهة الواقع. هذه الحقيقة تستغل جدا، ليس فقط من خلال زعماء وحشيين وعنيفين لصفوف صغيرة، بل وايضا من قبل حاخامين يجعلون من الصوفية  أداة للعمل بها.

        غير أن الخطر على المجتمع باسره ينكشف عندما يسيطر زعماء روحانيون محبوبون، يستخفون بالمعايير المؤطرة، على جماهير غفيرة. في الولايات المتحدة مثل هذه الظاهرة كفيلة بان تعتبر انعطافة تاريخية مقلقة. اما في دولة اسرائيل فهذا خطر وجودي حقيقي.