خبر ليس محصنا الى الابد- معاريف

الساعة 10:49 ص|01 يونيو 2012

ترجمة خاصة

ليس محصنا الى الابد- معاريف

بقلم: سارة ليفوفيتش- دار

(المضمون: حكم الموت، السجن، ام ربما التبرئة المدوية؟ بعد 1.600 شهادة، الادلة اختفت وتهديد مبارك بالانتحار، المحاكمة الدراماتيكة تصل الى نهايتها - المصدر).

مبطن بتقاعد من 15 الف دولار في الشهر، النفقات الطبية تدفع من الدولة وحسابات بنكية في كل ارجاء العالم بقيمة بضع مليارات الدولارات سيصل حسني مبارك الى المحكمة في القاهرة كي يسمع الحكم عليه في محاكمته التي يتهم فيها بتلقي الرشوة وبالمسؤولية عن قتل مئات المتظاهرين. العقاب المرتقب هو بين ثلاث سنوات سجن والاعدام. خبراء قانونيون يدعون بانه توجد بالذات امكانية معقولة للبراءة. نجلاه، جمال وعلاء، المتهمان بتلقي الرشوة بانتظارهما ثلاث سنوات سجن.

محامي مبارك، فريد الديب، مثل ايضا عزام عزام الذي ادين بالتجسس لصالح اسرائيل. "هو محامٍ جيد، من افضل من رأيتهم، ولكني لا اصدق بانه سينجح في انقاذهم من السجن"، يقول عزام. "له لسان حاد، مؤثر في قدرته البلاغية، صدقت أنه سيساعدني، ولكن في كل ما يتعلق بي كان يتحدث الى الهواء، لا احد استمع اليه، وهو مقرب من عائلة مبارك، ولكني لا اصدق بانه سينقذهم".

هو كافر

في 11 شباط 2011، بعد اسبوعين ونصف من اندلاع الاضطرابات في القاهرة، غادر حسني مبارك القصر الرئاسي بعد 30 سنة من الحكم. بعد نصف سنة بدأت محاكمته في القاهرة. صوره محمول على النقالة الى قاعة المداولات في مبنى كلية الشرطة في القاهرة نشرت في كل أرجاء العالم. "أنا غير مذنب"، تمتم مبارك في المحكمة، وفي ختام المداولات تلا قصيدة عربية تنتهي بكلمات: "بلادي وان جارت عليَّ عزيزة". في شباط الماضي انتهت المداولات القانونية وأعلن القاضي بان الحكم سيصدر في شهر حزيران. "المحكمة استمرت فترة طويلة"، يقول البروفيسور ايلي فوده من دائرة الدراسات الاسلامية والشرق الاوسط في الجامعة العبرية، "بشكل عام المحاكمات الاستعراضية تنتهي بسرعة وكما يبدو كان هناك من أمل بان يموت في اثناء المحاكمة ويعفيهم من مشكلة الحكم عليه".

بينما يحتجز معظم المتهمين في محاكمته في السجن، فان مبارك لم يسجن. بعد أن ترك القصر الرئاسي مكث مع عائلته في فيللا في شرم الشيخ، رغم شائعات عنيدة في العالم ادعت انه مفر الى ايلات والى سويسرا. جاره كان بكر بن لادن، الاخ غير الشقيق لاسامة بن لادن. البيت الهادىء المحاذي لنادي الغولف، الذي احيط برجال الامن برفقة الكلاب، وفر لعائلة مبارك احساسا بالخصوصية والسكينة.

في نيسان الماضي امر النائب العام بتفكيك الحالة المثالية. نجلا مبارك نقلا الى سجن طرة في القاهرة، اما مبارك نفسه، ابن 84، المريض بسرطان الامعاء بل واصيب بنوبة قلبية، انتقل الى المستشفى العسكري في شرم. مع بداية محاكمته نقل الى مستشفى عسكري على مسافة 50كم شرقي القاهرة. في الفحوصات الطبية وجد أنه يعيش في حالة اكتئاب ويفقد وعيه بين الحين والاخر. الفتوى الطبية قررت بان مبارك يمكن ان ينتقل من المستشفى الى سجن طرة، ولكن المحكمة لم تأمر بنقله الى السجنن ربما لان مبارك هدد بان ينتحر اذا ما اضطر الى الدخول الى السجن.

زوجته، سوزان، التي تسكن في الفيللا العائلية في القاهرة، تأتي لزيارته كل يوم وتمكث الى جانبه حتى ساعات المساء بإذن من النائب العام. "ما يذهلني هو أني لم اسمعه يشهر بأحد، ولا حتى باولئك الذين يهاجمونه. وهو لا يتحدث كثيرا بل يسأل ما هي الخطوة التالية"، روى المحامي الديب في مقابلة لصحيفة "فورين بوليسي" مؤخرا. "مرة سألته كيف يشعر في المستشفى وهو ليس حرا فسألني متى كنت حرا؟ لم يسبق أن كان بوسعي التجول بحرية، رجال الامن أحاطوا بي لم أكن استطيع الخروج الى حديقة، الى السينما أو التجول في الشارع. أنا معتاد على هذا".

"يمكن أن نفهم لماذا لا يريد الدخول الى السجن"، يقول المحامي اسحق ملتسار الذي يساعد الاسرائيلي البدوي عودة الطرابين، الذي ادين بالتجسس لصالح اسرائيل ومحبوس منذ عشر سنوات في سجن طرة في القاهرة. "عودة يشكو من شروط حبسه. فهو ينام على ارضية من الاسمنت، بلا ماء جارية، بلا مرحاض، بلا خدمات، في المساء يضطر الى قضاء حاجته في دلو، ويضطر الى أكل القمامة التي يوزعونها. هذه ليست متعة عظيمة".

"أتصور أن نجلي مبارك ومبارك نفسه، اذا ما وصلوا الى السجن، سيحصلون على شروط في.آي.بي"، يقول عزام عزام الذي كان محبوسا في طرة على مدى ثماني سنوات. "بالنسبة لي كان هذا مكانا مقرفا، بلا ظروف انسانية. في البداية حتى فرشة لم يكن لي. لا سرير، لا شيء. أنا شخصا فرح بان هذا ما سيحصل لهم بعد ما فعله بي نظام مبارك. لا يمكنني أن اسامحهم. وانا فرح بانهم يدفعون الثمن".

دراما عائلية

حسب منشورات في وسائل الاعلام المصرية، في ساعات فراغه مبارك يكتب كتابا. في فصول من الكتاب نشرت في صحيفة "روز اليوسف" المصرية كتب مبارك بانه دفع لبنيامين بن اليعيزر 25 الف دولار في الشهر بدل استشارة. بن اليعيزر نفى. وسائل الاعلام المصرية ادعت بان مبارك تلقى 14 مليون دولار من دار نشر اسكتلندية غورين غيت مقابل كتابة مذكراته، وان كان مسؤولون في الحكم المصري شككوا بصحة ما نشر في ضوء وضعه الصحي. من غورين غيت جاء هذا الاسبوع انه لا ينشرون كتاب مبارك.

على اي حال، المال لا ينقصه. للعائلة توجد حسابات بنكية في كل أرجاء العالم بمبلغ يتراوح حسب تقديرات مختلفة بين 2 و 70 مليار دولار. ويدعي الديب بان لمبارك يوجد فقط مليون دولار في حساب بنكي في مصر. "ليس له أو لزوجته حتى ولا دولار واحد خارج مصر"، قال في المقابلة.

سوزان مبارك هي الوحيدة في العائلة التي لم تنزع حريتها. "لم تكن متماثلة مع النظام، هي كانت النظام"، كتب عنها في تحقيق نشرته "نيوزويك" مؤخرا. وحسب المجلة، في السنوات الخمسة الاخيرة كان مبارك مريضا بل وفقد بالتدريج سمعه، مكث معظم الوقت في فيللا في شرم الشيخ. شيخوخة زوجها أثارت في السيدة الاولى نوازع سياسية شديدة، هي التي أدت بالدولة الى نقطة الغليان. عنادها على جعل ابنها جمال ينتخب رئيسا لمصر اشعال عود ثقاب الاحتجاج. مبارك نفسه لم يتحمس لاجراءات جعل مصر سلالة ملكية ينتقل فيها الحكم من جيل الى جيل، ولكنه استسلم لزوجته. فهي تعتبر اللامعة بين الاثنين، شخصية شكسبيرية داهية وانتهازية، مغلقة الحس ومغتربة. "وقد كتب في نيوزويك" اي نوع من المرأة هي التي لم تشعر بان 80 مليون شخص يكرهونها وعن حق".

ليس مفاجئا، إذن، أن مبارك خشيت من التحقيق الذي استدعيت اليه. فقد عانت من حالة من القلق وابتعلت اقراص نوم في محاولة للانتحار. كتاب كتبه المدير العام السابق للتلفزيون الرسمي لمصر، عبداللطيف الميناوي، كشف النقاب عن أنها رفضت ترك القصر الرئاسي، اغلقت على نفسها الغرفة، انبطحت على الارضية وبكت. في ختام التحقيق الذي استمر اربعة ايام، نقلت سوزان مبارك الى السلطات مفاتيح أحد منازل الاسرة في القاهرة وعدة حسابات بنكية.  "هي جد قلقة على مستقبل العائلة"، قال الديب. وحسب منشورات في وسائل الاعلام المصرية، فان مبارك، مثل زوجها، تكتب كتابا، وهي أيضا مثله تلقت 14 مليون دولار من دار نشر غورين غيت. في دار النشر ينفون. وحسب ما نشر في "روز اليوسف" فان مبارك تكشف في كتابها عن اقتراح امريكي بتوفير ملجأ سياسي للعائلة في الولايات المتحدة قبل وقت قصير من تركها القصر الرئاسي. السعودية، البحرين واتحاد الامارات تقدموا بعروض مشابهة.

النجلان، جمال وعلاء معتقلان في سجن طرة منذ شهر نيسان في السنة الماضية. فقد وصلا الى السجن سيء الصيت في ساعة صباح مبكرة وهم مقيدان. ومنذئذ وهما يجتهدان الا يخرجان من الحجرة ويقلان من الاتصال بالسجناء الاخرين. زوجتاهما تزورانهما ولكنهما لم يلتقيا امهما منذ غادرا النطاق العائلي في شرم الشيخ. وفضلا عن الاعتقال فانهما يواجهان مأساة عائلية. في ايار 2009 توفي محمد، الابن البكر لعلاء، بمرض مفاجيء. مبارك انهار حزنا. الغى لقاءا مع الرئيس اوباما في الولايات المتحدة ولم يصل للاستماع الى خطاب اوباما الشهير في القاهرة.
علاء، النجل البكر لمبارك ورجل الاعمال، لم يبدِ ابدا اهتماما بالسياسة وفضل دوما مشاهدة مباريات كرة القدم على المحادثات السياسية. سوزان مبارك، التي وجهت مستقبل ومال ابنيها، قررت بان الابن الاصغر، جمال بالذات هو الذي سيرث ابيه. وقد انخرط جمال في الاجواء. تعلم في الجامعة الامريكية في القاهرة، عمل في البنك الامريكي في لندن وعاد الى مصر في 1995. وقد اعتبر بعيد ومغتربا، وعديم القدرات القيادية، ولكنه درج على تشبيه المباركيين بسلالة كيندي وابناء عائلة بوش.

تدمير الادلة

1.600 شاهد تم استجوابهم في الشرطة قبل رفع لائحة الاتهام. مبارك، حسب لائحة الاتهام متهم بالمشاركة في ذبح أكثر من 800 متظاهر في القاهرة، الاسكندرية والسويس. مبارك متهم ايضا بتلقي الرشوة من حسين سالم مقابل رخص بناء منتجع سياحي في شرم الشيخ. شركة سالم الذي فر من مصر، كانت شريكة لشركة تحت سيطرة يوسي ميمان تشغل انبوب الغاز بين اسرائيل ومصر. وحسب لائحة الاتهام فان مبارك ووزير نفطه، سامح فهمي، منحا سالم امتيازات في ضخ الغاز الى اسرائيل. مبارك نفى الاتهامات. يحتمل أن يكون اخطأ، قال محاميه، ولكنه لم يقصد الحاق الضرر.

علاء وجمال متهمان بتلقي خمس فيلل في شرم الشيخ من حسين سالم مقابل المساعدة في بناء المنتجع السياحي. كما ان وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، واربعة من معاونيه متهمون بتهم مشابهة. حسين سالم المتهم باعطاء رشوة والفار الى اسبانيا، سيحاكم غيابيا. بعد مداولات مضنية ضمت كل الملفات، ولكن المحاكمة تأخرت لاسابيع طويلة بعد أن طرح ادعاء بان رئيس المحكمة، القاضي احمد رفعت، مقرب من مبارك. شقيق رفعت كان محامي مجلة "الاهرام الاقتصادي"، المدعومة من الحكومة بل وكتب مقالات في صالح مبارك. طلب استبعاده رفض.

قسم كبير من المداولات كان سريا. جلستان فقط بثثا في التلفزيون المصري أم في الاخرى فلم يسمح لوسائل الاعلام بدخول القاعة. في شهر شباط طرحت المرافعات النهائي. ويوم السبت، اذا لم يكن تأجيل في اللحظة الاخيرة، سيصدر الحكم. لقد سبق لمبارك أن ادين بالحاق ضرر اقتصادي بمصر باغلاقه شبكة الانترنت وفرضت عليه غرامة 33 مليون دولار. وحسب التقديرات، اذا ما بُرئت ساحة مبارك فستندلع اضطرابات وسيمارس ضغط سياسي لتغيير قرار الحكم.

احد الاشخاص الذي يتابعون باهتمام شديد المحاكمة هو سعد ابراهيم، الذي كان محاضرا لسوزان مبارك في دائرة العلوم الاجتماعية في الجامعة الامريكية في القاهرة. وقد اصبحا صديقين، بل ان ابراهيم ساعد مبارك على كتابة خطاباته. في العام 2000 قال في مقابلة تلفزيونة انه قد ينشأ في مصر وضع مشابه لما حصل في سوريا، حين ورث بشار ابيه حافظ. وفي الغداة اعتقل واطلق سراحه بعد ثلاث سنوات وتعذيب شديد. اليوم هو نشيط مصري معروف ومحاضر في كل أرجاء العالم. "يجب محاكمة مبارك بنزاهة على ما فعله، وعندها يمكن للرئيس الجديد أن يعفي عنه او يخفض حكمه بسبب عمره والخدمات التي قدمها للدولة قبل سنوات عديدة"، قال لـ "معاريف"، "لست معنيا بالسياسة الانتقامة". ويقدر ابراهيم بانه استنادا الى الادلة القائمة، فان حكم مبارك قد يتراوح بين 7 و 15 سنة سجن.

خبراء القانون يقدرون بانه لا توجد أدلة كافية لادانة مبارك على الاقل في كل ما يتعلق بقتل المتظاهرين. احد الشهود، الجنرال حسين سعد موسى، شهد بانه دمر أدلة في محطة الشرطة في اثناء المظاهرات. وزير الدفاع السابق، حسين طنطاوي، قدم شهادته في جلسة مغلقة، ولكن فهم من التسريبات بانه شهد في صالح الدفاع. المحامي جمال عيد، الذي يمثل بعض عائلات القتلى قال لـ "واشنطن بوست" ان "مبارك مجرم ولكن من ناحية قانونية توجد أدلة ضعيفة جدا".

"الوضع سخيف بشكل لا مثيل له بل ومفعم بالمفارقة"، يقول البروفيسور فوده. "احمد شفيق الذي كان رئيس وزراء مبارك وصل الى المكان الثاني في الانتخابات للرئاسة، وهناك من يميلون الى أن يروا في ذلك شوقا لمبارك. أعتقد أن الشوق هو للاستقرار والامن. على أي حال، فاننا نرى النهاية ولكننا لا نزال لا نعرف ما هي. نهاية مبارك آخذة في الاقتراب، ولكن القصة المصرية بعيدة عن الانتهاء حتى بعد اصدار الحكم وحتى بعد جولات الانتخابات الثانية بعد بنحو اسبوعين.

"مبارك كان وطنيا مصريا"، يقول البروفيسور شمعون شمير، الذي كان سفير اسرائيل في مصر، "فهو مقتنع بان كل ما فعله كان في صالح مصر وانه يدفع ثمنا على محاولته الحفاظ على النظام والاستقرار بوسائل متشددة. يحتمل أن يكون بالغ، وهو بالتأكيد أخطا حين سمح لنجليه بان يغتنيا بشكل منفلت العقال وحين اعد نجله جمال للحكم، ولكن المصريين يسألون أنفسهم اذا كان اليوم أفضل، والجواب ببساطة هو لا".