خبر السفينة المليئة- يديعوت

الساعة 09:04 ص|28 مايو 2012

السفينة المليئة- يديعوت

بقلم: سيفر بلوتسكر

(المضمون: على لسان الاسرائيليين المتنورين يشكل 60 الف افريقي يعيشون بين ظهرانينا "مشكلة على الحكومة أن تحلها". على لسان الاسرائيليين الاقل تنورا هم يشكلون "تهديدا على طبيعة الدولة". هؤلاء واولئك ينسون ان الحديث يدور عن بشر – المصدر).

"سفينتنا مليئة"، قال السويسريون ليهود اوروبا المضطهدين ممن دقوا أبوابهم في نهاية الثلاثينيات وبداية الاربعينيات. سفينتهم لم تكن مليئة. بلادهم كان يمكنها أن تستوعب مئات الاف أخرى. ولكنها لم ترغب في ذلك: سلطات سويسرا منحت ملجأ لنحو 30 ألف يهودي. طردت الى أيدي النازيين 20 الف يهودي نجحوا في التسلل اليها – وأغلقوا بواباتهم في وجه كل ما تبقى.

مصير لاجئين يهود فروا من النازيين وسعوا الى الاختباء في سويسرا الغنية لا يشبه مصير أبناء افريقيا المتسللين الى اسرائيل عبر الحدود في سيناء كي يعملوا هنا. نهج اسرائيل حتى الان كان انسانيا أكثر من النهج السويسري، رغم الاختلاف الثقافي، الديني والاجتماعي العميق بين يهود اسرائيل ومتسللي افريقيا.

ولكن في نقطة واحدة يوجد مع ذلك وجه شبه: في لغة التناول، في الخطاب. مثلما في سويسرا بالنسبة لليهود الباحثين عن ملجأ، هكذا عندنا بالنسبة للافارقة الباحثين عن العمل، نشأ خطاب عديم الانسان. على لسان الاسرائيليين المتنورين يشكل 60 الف افريقي يعيشون بين ظهرانينا "مشكلة على الحكومة أن تحلها". على لسان الاسرائيليين الاقل تنورا هم يشكلون "تهديدا على طبيعة الدولة". هؤلاء واولئك ينسون ان الحديث يدور عن بشر.

يدور الحديث عن بشر سود الجلدة، مستعدين لان يجتازوا الجحيم والمهانة فقط كي يعملوا في اسرائيل بأجر يسمح لهم باسناد عائلاتهم المتبقية في افريقيا. هم لا يأتون الينا ليسرقوا مقدراتنا وليتحرشوا بنسائنا. يأتون الينا كي يعملوا في الاعمال الاكثر سوادا، الاكثر صعوبة، الاقل جدوى. هؤلاء البشر يحلمون ببلاد اسرائيل مثلما حلم يهود البلدات الفقيرة في نطاق الاقامة في شرقي اوروبا بامريكا: دولة تجد فيها رزقا.

كاقتصادي، أنا أيضا على علم بالاثار السلبية لمهاجري العمل على الاجر والعمالة للعاملين الاسرائيليين الضعفاء. انا على علم بالعبء الذي يلقون به على خدمات الرفاه الاجتماعي. انا على علم بنقمة تجمعهم في جنوب البلاد ولا سيما في جنوب تل أبيب. المظاهرات ضد تواجدهم المكثف هناك لا تبعث في بدني القشعريرة. القشعريرة تمر بجسدي عندما يتحدثون عنهم كمن يتحدثون عن مخلوقات دون، دون وجه او اسم، يتسللون الينا بدهاء وليس كبشر تسللوا في مغامرة مصيرية كي ينقذوا أنفسهم من فقر يعود الى أجيال.

فكروا في ذلك: الاب يترك عائلته الباكية في القرية، يتصل بوسطاء عطشى للمال، يخرج في حملة عذاب خطيرة، يتفادى العصابات، الشرطة ومراقبي الهجرة، الى أن يجتاز في الخفاء الحدود الاخيرة لبلاد العمل الموعود. ونحن ننظر اليه ونقول: هذا ليس لاجئا، هذا مخادع. "هذا" وليس "هو"، إذ في الخطاب الاسرائيلي المتسللون من افريقيا لم يصلوا الى البلاد كي يعملوا فيها (في أعمال يرفضها الاسرائيليون باحتقار، بأجر أدنى بكثير من الحد الادنى)، بل كي يضعضعوا طابعها ويسرقوا مكامنها. ولهذا فهم طوفان، وباء، جراد.

يستخدمون عندنا استخداما زائدا لتعبير "عنصرية". من لا يحب الموسيقى الشعبية كهذه او تلك يسمى فورا "عنصري". هراء: العنصرية موجودة وخطيرة حي تنزع من بني الاجناس الاخرى – من الاخرى بصفته هذه – صورة الانسان.

كنت أتوقع أن حيال مثل هذه العنصرية سيقف في اسرائيل الجناح الليبرالي في الرأي العام. ولكن الليبراليين يصمتون. اذا لم يكن بيبي مذنبا في شيء، فلا يعنيهم هذا الشيء. يسكت حزب العمل الاشتراكي – الديمقراطي ورئيسته، يسكت كديما ورئيسه. فلماذا نثير أعصاب الناخبين المحتملين؟ الاحتجاج الاجتماعي ايضا يسكت. وهو ينظم مظاهرة اخرى ضد اسعار المسليات. منظمات الناجين من الكارثة تسكت. من ناحيتهم سفينتنا مليئة.

الوحيد الذي يتجرأ على الحديث ويتحرر من الخطاب غير الانساني هو المفتش العام للشرطة: "متسللو العمل" من افريقيا، يذكرنا جميعا الفريق شرطة يوحنان دنينو، هم بنو بشر عاديون، مثلي ومثلك، يبحثون عندنا عن عمل. لهذا الغرض هم مستعدون لان يتنازلوا حتى عن كرامتهم الانسانية. حذار علينا أن نقبل تنازلهم، وذلك لان هذا سيكون تنازلنا أيضا.