خبر إنقاذ الثورة واجب الوقت – فهمي هويدي

الساعة 04:05 م|27 مايو 2012

لم يبالغ الرئيس التونسي المنصف المرزوقي حين قال إن الأمة العربية تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية، وأن تلك النتائج سوف يكون لها تأثيرها على المستقبل العربي.

ولم يبالغ في ذلك المدون السعودي الذي استحضر صورة لإصبع امرأة مصرية اصطبغ بلون الحبر الدال على التصويت وعلق على ذلك قائلا إن حبر الحرية هذا أثمن من كل النفط الذي يملكه العرب.

كذلك لم أفاجأ بالأصدقاء العرب الذين جاءوا إلى القاهرة والإسكندرية من أكثر من قطر شقيق، لكي يشبعوا أعينهم بطوابير التصويت على اختيار الرئيس، وظلوا في الفنادق طوال الليل يتابعون النتائج.

ولم يدهشني أولئك الذين ألغوا ارتباطاتهم في بعض العواصم العربية وجلسوا في بيوتهم، بين محطات التليفزيون وأجهزة «اللاب توب» يسمعون الأخبار ويعلقون عليها.

ومنهم من بعث يسألني عن صحة ما قيل عن الرشاوى الانتخابية التي دفعت في الغربية، وعن احتمالات التزوير أثناء مبيت الأوراق في اللجان،

ومنهم من اقترح علىّ أن أدعو إلى فحص كيمياء الطباعة بالنسبة لمربعات بعض المرشحين، وكذلك فحص أحبار الأقلام المستخدمة في التصويت، لتجنب التلاعب في مواقف الناخبين. وقد استغربت قلق ذلك القارئ العماني وانشغاله بكيفية كشف ذلك التلاعب المفترض.

لا أدعي أن حركة الكون توقفت بسبب الانتخابات المصرية، رغم أن عواصم الدول الكبرى اهتمت بها

وتحدث الإعلام البريطاني بدهشة عن إجراء ثلاثة انتخابات في مصر خلال 12 شهرا، دون أن يضطرب البلد أو يهتز، وقد تمت كلها في سلاسة وهدوء.

لكني أريد أن أنبه إلى أن العالم العربي على الأقل ينتظر بفارغ الصبر عودة مصر إلى موقعها ودورها وعافيتها، التي دفع الأشقاء ثمنا باهظا جراء غيابها وانكفائها والتحاقها بمعسكر الانكسار والتبعية.

جدير بالذكر في هذا الصدد أن أصدقاءنا الباحثين العرب كانوا ولا يزالون من بين المرحبين برفع شعار «مصر أولا»، لاقتناعهم بأن نهوض مصر يمثل رافعة تلقائية لنهوض العالم العربي.

على العكس مما ارتآه بعض الذين رفعوا الشعار ممن أرادوا به إحداث قطيعة مع العالم العربي لكي تركز مصر على الالتحاق بالعالم الغربي، ومنهم من أراد لها أن تكتفي بتوثيق علاقتها مع إسرائيل.

حتى أصدقاؤنا من قادة المقاومة الفلسطينية الذين ترددوا على مصر بعد الثورة، كانت نصيحتهم لكل من التقوهم من المسؤولين والإعلاميين المصريين، ألا يشغلوا أنفسهم في الوقت الراهن بالملف الفلسطيني وعناوينه الشائكة، وأن يركزوا كل جهودهم لاستعادة عافية مصر وتثبيت قواعد الثورة فيها، لأن «مصر أولا» بهذا المعنى ستؤدي تلقائيا إلى إنعاش العالم العربي وإحيائه.

أستعيد هذه الخلفية في الوقت الراهن، لأنها تنبهنا إلى أن اتساع نطاق التحدي الذي ينتظرنا في الأسابيع القادمة، بعد ظهور النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة، التي إذا صحت فإنها تشير إلى أن هناك إعادة منتظرة بين المرشحين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق.

وهذه الإعادة تحتمل عدة قراءات إحداها أن أحدهما ينتمي إلى مرحلة إقامة النظام الديمقراطي الجديد، والثانية تعد امتدادا للنظام القديم.

وهذه القراءة تعيدنا إلى مربع المواجهة بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة. وهي المعادلة التي سبق أن نبهت إلى ضرورة الانتباه إليها في خضم الصراع الذي احتدم في مصر خلال الأسابيع الأخيرة، والتبس الأمر على البعض حتى تصوروا أن الصراع في جوهره بين الإسلاميين والعلمانيين، في حين أنه في أصله ليس كذلك على الإطلاق.

إن شئت فقل إن ذلك الصراع الأخير أقرب إلى التنافس من أي شيء آخر، بمعنى أنه تناقض ثانوي، في حين أن التناقض الرئيسي والصراع الحقيقي هو بين الثورة وخصومها من أركان النظام السابق وأعوانه.

واتضاح هذه النقطة يفرض على الجماعة الوطنية أن تستعيد رشدها وتفتح أعينها جيدا بحيث تفرق بين ما هو تناقض رئيسي يهدد بإجهاض الثورة وإفشالها، وبين ما هو هامشي يربك المسيرة ويشاغب عليها، لكنه يظل محافظا على الثورة ومدركا أن استمرارها وتثبيت أركانها هو المهمة الأولى والقدر الذي ينبغي الالتفاف حوله والاتفاق عليه، لأجل مصر ولأجل الأمة العربية التي تتطلع إليها.

هذا الاحتشاد المنشود من جانب عناصر الجماعة الوطنية يفرض نفسه بقوة في الوقت الراهن، لأن أي تقاعس عنه أو تفريط فيه يمهد إلى الانقضاض على الثورة وتصفيتها.

وإذا كانت التجاذبات والتراشقات قد استمرت بين مكونات تلك الجماعة خلال الأسابيع الماضية، إلا أنه في مرحلة الإعادة بين المرشحين على الأقل، لا مفر من إيقاف كل صور التقاطع والتجاذب، والتركيز على إنقاذ الثورة واستمرارها.

وهو خيار فرضته الأقدار علينا، مثلما وضعتنا أمام مفارقة أخرى مثيرة للانتباه. ذلك أننا ظللنا نهتف طوال الأشهر الماضية قائلين يسقط حكم العسكر، ثم فوجئنا بشبح استمرار حكم العسكر يطل علينا بوجه جديد متنكرا في ثياب ديمقراطية تدعى الدفاع عن الثورة من خاطفيها.