خبر مدينتي دمشق ... علي عقلة عرسان

الساعة 10:44 ص|25 مايو 2012

 

مدينتي دمشق..

أبثك الهمومَ يا مدينتي، وأنت دارٌ للهموم ما لها قرار..

بوابة للصبر والتصميم والإصرار..

فهل ترى يضيق حلق الأم بالدموع يا مدينتي..

إذا بكى رضيعها في حضنها،

وعندها ألف رضيع ورضيع يألمون، ما لهم دِثار؟

دمشق يا مدينتي، يا بيتنا الكبير، يا دار الخلافة والكبار،

أبثك الهموم يا حبيبتي..

أقول عاشت عمرَها تكابد الهموم،

وترصد التخوم،

وتكتوي بالنار،

وتكتب التاريخ،

وتصنع النهار،

 وتنجب الحرات والأحرار..

وعندما تسبح في دمائها، تشتد مثل مارد جبار،

تصير كالإعصار..

 تقوم من رمادها، وتنتظي بتَّارها..

وتهزم الفرنج والتتار،

وتصنع انتصارها..

وتزدهي بالغار ..

فألف عذرٍ إن أنا أتيت في زمان الانكسار،

إن أنا اشتكيت وانحنيت،

على دماء صبية صغار، في حالة احتضار،

وهالني الخراب والدمار..

ولفَّني الضباب والضياع والدوار..

فليس لي إلاك يا دمشق من منار.. 

وألف عذرٍ إن أنا أتيت يا مدينتي أبثُّك الهمومَ..

                         وألف عذر إن حكيتُ.. إن شكوت.. إن بكيت..

فأنت شام الله في قلبي، وإيمان العباد،

وقدرة على البناء والبقاء والجهاد..

وأنت يا زيتي وزيتوني ويا أم البلاد..

من يرفع الهموم عني، يحقن الدماء،

يضمد الجراح والفؤاد،

ويحفظ التراث والأمجاد..

وفيك يا شآم يُصنع القرار..

ليبدأ المسار والنهار.

                                *  *  *

مدينتي دمشق..

وأنت عمر العرْب، تاريخ الورى..

وأنت عروة العرى..

هذا الوساع  في الرؤى..

في الصبر، في الحس السليم، وفي الندى..

وفي التصدي للعدا..

سمِعْتِني أحدِّث السماءَ والغيوم والنجوم عن أبنائنا الجياع،

عن أخوتي في كل حيٍ، كل بيت، كل حقل، كل قاع..

عن جرح قلبي.. بعض أشلائي، وتدمير القلاع..

عن بؤس روحي يا دمشق، وبؤس ذيَّاك الصراع..

عن دعوتي أن تنزِل السماءُ والغيوم والنجوم أرغفة،

بيادراً من الأمان والسلام والهدى..

لتنتهي الهموم،

وتهدأ القلوب والجراح،

ويشبع الجياع،

ويبزغ الشعاع..

ويأمن الوطن..

ويكبر الوطن.

فيا دمشق، يا دمشق، إننا..

بيتٌ له تاريخه، وأمةٌ تخوض في المحن..

فيا ترى إلى متى نضيع،

وينزف المسنُّ والرضيع،

وتكبر الجراح في القلوب،

وتكبر المحن؟!

ويا دمشق، يا دمشق، يا دمشق، إنني.. 

أحب طعم الأرض، والحياة، والعمل..

ولن أودع الإخاء والكرامة والأمل..

مهما تكاثرت العلل..

لذا طرقت بابك.. التاريخ.. أطلب الكلام والوئام والسلام..

لأنني أهتز مثل الطفل في الطريق..

تصرعه رصاصة، قنبلة، دبابة، سيارة مفخخة..

فيسقط الرغيف من يديه في دمائه..

يرفّ مثل الطير، يصرخ يرتجف..

ويصيح يا هذا الوطن..

ولا وطن..

فالكل يغلي في أتون الوقت، والدنيا كفن.

ويهاجر المسكين من أرض الحياة إلى الممات..

وتظل في الأرض المحن.

* * *

مدينتي دمشق ..

حدثني أمس على انفراد،

شخص له مهابة،

كأنه التاريخ أو إطلالة الأجداد والأمجاد والرواد..

وكان في الحديث سهم نار..

تجاوز الضلوع والعظام واستقر في مدار،

كأنه الأقدار..

ولم أعد أشعر يا مدينتي بأنني أعيش..

وأنني المشلوح في رباك من قرون..

على الظلام والقتاد والظنون..

كأنني والنار صرنا نحرق المدار.

صيَّرني ذاك الحديث أسئلة..

صيَّرني جذراً يمُدُّ الكف للحاضر، للآتي، وللتاريخ..

فيقطع التاريخُ كفاً مدها..

وأكتوي بالنار.

وصرت يا مدينة الأحلام والآمال يا دمشق..

أحس أن الشِّعر يروي غُلة،

وأنه يمكن أن يُقال،

ليحفظ الأوجاع في أقوال،

في أعصر مات بها السُّماع والسُّمار

وأظلم النهار،

 وأقفرت مدينتي من زهرة وبسمة وصاحب وقيمة وعبرة ونخوة الأخيار

مات بها النهار،

                                       وانطفأ السؤال..

وهاجر الإنسان..

خوفاً من الإنسان.

وعندما أحس لذة الكلام يا شآم.. مجرد الكلام،

فإنني أدرج في معارج التاريخ،

أوقفه، أمسكه الزمان..

ليكتب الحكاية التي أرى، يسجل الأفعال والأقوال،

ويرصد العويل والموال..

فيطرح السؤال،

على وجيب أضلعي:

".. تعود للوراء، للظلام، للقفار..

لِمَا جفاه الوقت.. للنسيان، للصَّغار..

لمَ الوقوف في المدى، وحجزة المدار؟!".

حدثني محدِّثي وحلقه صبَّار..

ودار واستدار،

وقارب الأسرار..

فهاله، أو ربما قد هاله، ما شاف من أسرار..

غافلني، وراح كالإعصار..

وصوته كأنه يقول:

".. يُقال عن دمشق إنها هوت من شاهق

ولم تعد ركناً من البنيان في دنيا العرب

ولم تعد دعامة النضال،

وعروة وثيقة الحبال،

تجمِّع الأشطان

وترفع البنيان..

تكاثرت، يا حسرتي، في أرضها الأحزان..

تناثرت في أرضها الوارفة الظلال..

أسمال.. بل ربما سرب من الآمال..

.. ما بالها.. تركب ظهر داحس وتتبع الغبراء.؟!"!!

وجئت يا مدينتي أقول: تراكمت في أضلعي السهام والجراح..

وأورث المنكوبُ أنواع العلل..

فهل ترى يسطيع مبضع الجراح أن يشفي العلل

وينشر الراحة في الضلوع..

والأمن في الربوع..

وينعش الأمل.؟.

وقلت يا محدثي، فلم أرَ محدثي..

بكيت يا مدينتي.. لما يُقال عن دمشق

فكيف يغدو وجهنا محبّر الخدود؟

وكيف يرسم العدوّ لوننا، أفراحنا، أتراحنا، ويرسم الحدود..

يزيِّف الأقوال والأفعال والوجوه والوجود..

في أرضنا الكثيرة العطاء..

ونحن نبع خصبها القومي، سيف نصرها، وإرثها العظيم؟

وكيف لا نهبّ يا مدينتي لنكشف الغطاء، ونرفع البلاء، ونبعث الإخاء والأمان والنماء؟!

دمشق يا مدينتي..

في قلبك الكبير آلاف الجروح..

وفي صدورنا قروحٌ ما لها حدود

لكننا على المدى..

سنرضع الإخلاص من حواضن العرب،

ولن يضيق صدرك الكبير يا دمشق بالمضرة والضرار،

فأنت أمة العرب.

 

دمشق في 25/5/2012