خبر خطة فك الارتباط .. معاريف

الساعة 08:22 ص|25 مايو 2012

بقلم: ياعيل باز ملماد

(المضمون: لو كنا انشغلنا بالمشاكل الحقيقية وبمنظومة القيم الشوهاء التي نشأت هنا، لكان السبيل الوحيد الذي سنجده هو ان نحزم أمتعتنا ونهرب من هنا الى أبعد مكان ممكن - المصدر).

هذا ما يرويه لنا جدول الحياة الطيبة لمنظمة الـ OECD عن أنفسنا وعن الدولة التي نعيش فيها: نحن نعمل أكثر بكثير من الدول الاعضاء في المنظمة، نقضي أوقات فراغ أقل، جهاز تعليمنا متخلف وراء معظم الدول، الفوارق في مجتمعنا عالية وتصنيف جودة الحياة في البلاد متدنٍ جدا. يوجد معطيان فقط نحن نوجد فيهما في أعلى القائمة: مدى العمر (المرتبة الانية) وجدول السعادة (المرتبة الثالثة، الدانمارك وهولندة توجد أعلى منا فقط). استطلاعات غير قليلة تشهد المرة تلو الاخرى على السعادة الكبرى التي للاسرائيليين في حياتهم في بلادهم.

وعليه فاذا كان جيد جدا الحال، فلماذا هو سيء بهذا القدر؟ كيف يحصل ان الكثير من الاسرائيليين يهتفون النجدة ضد الدولة ويقبلون بقراراتها في كل ما يتعلق برفاه المواطن وجودة حياته؟ من جهة، يدور الحديث عن لغز حقيقي، لغز من الصعب جدا حله. أم ربما لا. لعل المعطيات المتضاربة هذه تشير الى الشكل الذي يحل فيه الكثير منا هذا الفارق المعرفي. فك ارتباط، يمكن ان نُسميه. القطيعة ربما أدق. بين المواطنين والسياسيين، السياسة، طريقة اتخاذ القرارات. والقرارات نفسها ايضا. لا نريد أن نرى، نسمع أو نعرف عنها شيئا. وعندها، عندما نزيح جانبا كل الفوارق والمشاكل في حياتنا هنا، يمكن بالتأكيد ان نقول ان لدينا بلادا رائعة.

نحن نتمترس في الراحة في العائلية الحميمة والورطة التي نتميز بها، نتواسى بالبهجة مع رفاقنا الطيبين، الذين نسحبهم معنا من الثانوية، من الكشافة، من الجيش، من الرحلة الكبيرة الى الخارج، من الجامعة وما شابه. نفر الى "الأخ الأكبر"، الى "البقاء" وباقي البرامج الترفيهية، نضع الكثير من اللحم على المناقل، نمسح الكثير من الحمص، نستلذ بحالة الجو المريحة. كل شيء صبابا.

علمنا أنفسنا كيف نتجاهل. على مسافة بضعة كيلومترات عنا يعيش مليون ونصف نسمة محرومون من الحقوق الأساس، محرومون من الدولة، نسيطر على مصيرهم منذ عشرات السنين؛ ولكن من يهمه هذا؟ مئات ملايين الشواقل من اموال الضرائب خاصتنا تغذي عشرات آلاف الاصوليين الذين لا يعملون ولا يتجندون للجيش وكذا حكومة هائلة الكثير من وزرائها بلا وزارة، ولكن مع مكاتب ومساعدين وسيارات. حسن، هذا ثمن الديمقراطية. وحسب ما يروون لنا، يمكننا ان نتعرض في كل لحظة معينة لهجوم نووي بصواريخ ايرانية بعيدة المدى. حسنا، ماذا سنفعل؟ ما يكون، فليكن. طبقتنا الوسطى آخذة في التآكل، تفقد قدرتها على ان تُعيل هنا عائلتها واطفالها أو تشتري شقة بثمن سوي العقل، ولكن هيا ندعنا من هذا الآن. في النهاية سيكون الامر على ما يرام. توجد دول أكثر سوءا. امريكا هي هنا.

لا ريب ان قدرة الانقطاع عما يحصل حقا تنقذنا. يحتمل انه لو كنا ننشغل بمشاكلنا الحقيقية وبجملة القيم الشوهاء التي نشأت هنا، لكان السبيل الوحيد الذي يكون لدينا هو ان نحزم أمتعتنا ونهرب من هنا الى أبعد مكان ممكن. ولكن لهذا ثمن باهظ، وهو الذي يجلب لحكومة اليمين – الاصوليين وشاؤول موفاز الزخم الكبير في الاستطلاعات. حسب التقرير الذي ذُكر فان نسبة التصويت للكنيست في اسرائيل متدنية جدا عن نسبة التصويت في باقي الدول (64 في المائة عندنا، مقابل 73 في المائة)، وهذا ينبع من ان الكثير منا خائبو الأمل من السياسيين لدرجة أنهم يصدقون حقا بأن الجميع ذات الشيء – وما كان هو الذي سيكون. اذا لماذا لا نستغل يوم الاجازة التي أُعطيت للجميع في الانتخابات لرحلة ما جميلة في الجليل أو الى نزهة في احدى الحدائق؟.

أنا ايضا أعتقد ان دولة اسرائيل هي مكان جيد العيش فيه وتربية الاطفال فيه وأنا ايضا أتمنى لاطفالي ان يختاروا العيش هنا وألا ينتقلوا الى دولة اخرى. غير ان هكذا لا يمكن للامر ان يستمر على مدى الزمن. فالقطيعة وانعدام المشاركة، اللذين سيبقيان ذات السياسيين وذات الاحزاب في الحكم المرة تلو الاخرى، سيؤديان الى نهاية احتفال السعادة الكبرى. 20 في المائة آخرون يصلون الى التصويت يمكنهم ان يغيروا الصورة، ومن اجلهم يجب الكفاح.