خبر الامر الذي لم يفهمه اوباما .. يديعوت

الساعة 08:20 ص|25 مايو 2012

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: مارتن اينديك يعتقد بأن اوباما ارتكب أخطاءا فادحة في سياسته الشرق اوسطية إلا أنه سيقومها اذا سنحت له فرصة ثانية - المصدر).

ليست هناك جراح أشد وطأة من جراح العاشق: جرحهم دقيق، وألمهم لاذع. في هذا الشهر نشر في الولايات المتحدة وفي ذروة المعركة الانتخابية، كتاب شامل حول انجازات واخفاقات السياسة الخارجية للادارة الامريكية ("لثني التاريخ: سياسة براك اوباما الخارجية"). مارتن اينديك، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في اسرائيل وكان من كبار المسؤولين في طاقم السلام، هو الذي كتب الفصول الشرق اوسطية. قبل اربع سنوات أيد اينديك هيلاري كلينتون وبعد ان خسرت في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي انضم لمعسكر اوباما. هو أثنى عليه بحرارة أمام يهود امريكا وأمام الاسرائيليين.

ولكن ليس هذا هو الحال في هذه المرة. الفصل الذي كتبه يورد سلسلة طويلة من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها رئيس الولايات المتحدة، بعضها نابع من عدم الخبرة، ولكن اغلبيتها حدثت لعدم فهمه الساحة الاسرائيلية – العربية والمزاج غير الملائم والنظرية غير الصحيحة. اوباما لم يُبد اهتماما خاصا بتغيير الانظمة وبالديمقراطية في العالم العربي. ولشدة السخرية كان هذا هو المجال الوحيد الذي تغير في عهده.

اينديك (61 عاما) يشغل اليوم منصب نائب رئيس معهد بروكينغز من مراكز الابحاث السياسية الهامة في الولايات المتحدة. خصومه سيقولون انه غاضب على اوباما لأنه لم يعينه في منصب في ادارته. يبدو لي انه أكثر غضبا بسبب الفرصة التي ضاعت. اوباما حصل على جائزة نوبل للسلام، ولكنه لم يجلب هذا السلام.

الاستخلاص الذي أتوصل اليه من قراءة كلماتك، قلت له، هو أن على الناس ان تسارع الى التصويت لميت روماني، المرشح الجمهوري. "هذا الامر يحتاج الى محادثة"، قال لي. اينديك زار البلاد هذا الاسبوع وأمس جلسنا على شرفة مطلة على مشهد جميل في فندق الملك داود في القدس وبحثنا معا عن المذنبين.

"اوباما كان رئيسا ذو أبعاد تاريخية من اليوم الاول لولايته"، استهل اينديك الحديث. "ليس من الممكن ان نتوقع من الرئيس الأفرو – امريكي الاول أقل من ذلك. هو كان قد وضع الشرق الاوسط على رأس جدول اعماله السياسي من يومه الاول في البيت الابيض. ولكن لسوء الحظ أدى تدخله الشخصي الى زيادة الامور سوءا فقط.

"الرؤية التي طرحها لتغيير الوضع كانت هائلة والوعود التي أطلقها كبيرة. ولكن توجهه ونهجه المنفر والتحليلي والبارد لم يلائم المناخ الشرق اوسطي. القادة في الشرق الاوسط، اسرائيليين وعربا على حد سواء، يرتكزون على العلاقات الشخصية التي ينشئونها مع الرئيس. اوباما لم يطور علاقات شخصية، فهذا هو طبعه".

ليس هناك جدل حول انتهاء ولاية اوباما الاولى بالفشل الذريع في كل ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي العربي، قلت لمارتن اينديك. هو وعد بجلب السلام ولكنه لم ينجح في استئناف المفاوضات التي كانت قد جرت بصورة منتظمة في فترة بوش. العالم العربي لم يصدقه، والاسرائيليون لم يثقوا به. والسؤال هو كيف تتوزع المسؤولية بين الأطراف، ما هو نصيب اوباما منها وما هو نصيب كل من نتنياهو وأبو مازن، هذا بالاضافة الى اسهام التغيرات الجارية في العالم العربي.

"تجربتي"، قال، "تشير الى ان رقصة التانغو في الشرق الاوسط تحتاج الى ثلاثة – قائد اسرائيلي وقائد عربي مستعدان للاقدام على المخاطرات ورئيس امريكي مستعد لتكريس وقته ومكانته الاعتبارية لاقناعهما بأن عليهما الاقدام على المخاطرات. لم يكن هناك استعداد كهذا، لا عند نتنياهو ولا عند أبو مازن. هناك ما يكفي من الذنوب لتوزيعها على الجميع".

ما هو الفرق بين نهج اوباما وبين نهج كل من كلينتون وبوش، سألت اينديك.

"كلينتون سعى لاقناع الاسرائيليين بأنه واحد منهم، وانه يتفهمهم ويشعر مثلهم. وفي المقابل حاول اقناع العرب بأنه جدي في الاصرار على حل مشاكلهم.

"اوباما تبنى نهجا عكسيا. هو لن يكون كلينتون، ولن يكون بوش. اوباما قال ان بوش كان قريبا من اسرائيل. هذا الامر لم يساعد امريكا ولم يساعد اسرائيل: اسرائيل لم تحظ بالسلام الذي تحتاجه جدا وعلاقات امريكا مع العالم العربي تحطمت. أنا سأسير في طريق مغاير.

"هو لم يفهم العرب. في كل ما يتعلق بالصراع، العرب لا يؤمنون بأن الولايات المتحدة موجودة الى جانبهم. تحالفها موجود مع اسرائيل، وهم يتوقعون من الرئيس الامريكي ان ينتزع التنازلات من اسرائيل بحكم قربه منها.

"كما انه لم يفهم الاسرائيليين. هو أعطى اسرائيل مساعدة وتعاونا أمنيا بأحجام وعمق لم تشهده الادارات السابقة. هذا أمر يعترف به نتنياهو واهود باراك، هو لم يفهم بأن الاسرائيليين يحتاجون الى التعاطف والعناق. ومنذ اللحظة التي تسبب فيها بشعورهم بأنه غير مكترث وان قلبه ليس معهم، فقد قدرته على التأثير على الرأي العام. ومن اللحظة التي فقد فيها الرأي العام فقد الحكومة. نتنياهو أدرك ذلك: عندما تصادم مع الرئيس كلينتون في ولايته الاولى هبطت شعبيته في الاستطلاعات، بينما ارتفع الى الأعلى عندما تصادم مع اوباما".

على شجرة عالية

النقطة الانعطافية كانت خطاب اوباما في جامعة القاهرة في حزيران 2009. كنت هناك. بعد انتهاء الخطاب تحادثت مع مستشارين مقربين من اوباما وهما رام عمانوئيل وديفيد اكسلرود. قلت لهما بأن وقع الخطاب على الاسرائيليين كان شديدا. المقارنة بين الكارثة والمعاناة الفلسطينية تثير الغليان في دمائهم. حقيقة ان اوباما اختار القاهرة مكانا لالقاء خطابه من دون زيارة القدس مست بكرامتهم.

الاثنان نظرا لبعضهما البعض بصمت، وكأنهما يقولان لقد عرفنا ان هذا ما سيحدث وحذرناه ولكنه رفض الاصغاء. بعد فترة من ذلك الخطاب عُلم ان اوباما كتب الكلمات بنفسه خلافا لنصيحة كل مستشاريه.

"الرياض كانت محطته قبل القاهرة"، قال اينديك. "اوباما طالب نتنياهو بتجميد البناء في المستوطنات. نتنياهو قال ردا على ذلك انه اذا قامت السعودية باعطاء شيء ما فان ذلك سيساعده. اوباما قرر النزول في الرياض في طريق توجهه للقاهرة. السعوديون يوافقون على استلام عدد من السجناء اليمنيين المعتقلين في غوانتنامو ويقومون بلفتة ايجابية علنية تجاه اسرائيل. هذا اللقاء لم يُعد كما يجب ولشدة ذهول اوباما رد الملك عبد الله سلبا على الطلبين.

"المغرب وقطر ودول الخليج التي كانت مستعدة للرد بلفتات ايجابية على القرار الاسرائيلي بتجميد البناء في المستوطنات، تراجعوا بعد الرفض السعودي. اوباما فقد قدرته على زحزحة العرب. وحينها جاء خطاب القاهرة ليفقد من بعده قدرته على زحزحة الاسرائيليين.

"مطلب تجميد المستوطنات لم يكن جديدا: رؤساء سابقون كانوا قد طرحوا هذا المطلب، وفي فترات معينة حصلوا على الاستجابة. اوباما طالب من دون ان يأخذ في الحسبان النمو الطبيعي في المستوطنات. هذا كان مطلبا جديدا. بعد ذلك فوض ميتشيل بالتفاوض حول التسوية. وبذلك أدخل أبو مازن في وضع مستحيل: لم يكن بامكانه ان يوافق على ما هو أقل مما طالب به اوباما. أبو مازن اشتكى من ان اوباما قد رفعه على شجرة عالية وأنه لا يملك وسيلة للنزول من هناك.

"هكذا يتصرف اوباما. في البداية يطرح هدفا بعيد المدى، بعد ذلك يأخذ في البحث عن التسوية. وفي نهاية المطاف لا يكون هناك أي طرف راض عن ذلك".

نفس الديناميكية فعلت فعلها عندما طلب الفلسطينيون العضوية الكاملة في الامم المتحدة. خطاب اوباما أثار الانطباع لديهم بأن امريكا ستؤيد هذه الخطوة، ولكن عندما ذهب أبو مازن الى الامم المتحدة استخدمت واشنطن الفيتو.

حكومات في الشرق الاوسط، قلت لاينديك، تلقت خيانة اوباما لمبارك بصورة شديدة الوقع.

"هذا نبع من برودة اوباما"، قال اينديك، "الامر يعود لتنكره للعلاقات. عندما حدثت الثورة في تونس أدرك ان هذا تطورا هاما وان من المهم ان تكون الولايات المتحدة في الطرف الصحيح من التاريخ. أنا أعتقد ان حكمه على الامور كان صحيحا – لم تكن أمام مبارك فرصة للبقاء. ولكن الطريقة التي فعل بها ذلك أهانت حليفه. هو أشار لكل حاكم في الشرق الاوسط بأنه سيكون وحيدا اذا تورط في المشاكل.

"في البحرين تصرف بصورة مغايرة. استخلص العبرة مما حدث. بالاضافة الى ان ولي العهد السعودي قال له انه اذا تصرف في البحرين كما فعل مع مبارك فان السعودية ستقطع العلاقات". قلت بأن اوباما فضل التصرف من الوراء في ليبيا.

"قراره كان صحيحا"، قال اينديك. "الانعكاس والتعبير كان بائسا. أضف الى ذلك ان الروس والصينيين ادعوا بأن امريكا قد خدعتهم في مجلس الامن. هم رفضوا التعاون مع امريكا في سوريا".

هل تنوي التصويت لروماني، سألت اينديك.

اينديك ضحك. "أنت تشوه الرسالة"، قال. "أنا سأصوت لاوباما. لماذا؟ لأن هناك قضايا اخرى غير الشرق الاوسط، ولأن قلبه في المكان الصحيح ولأني آمل انه اذا سنحت له فرصة اخرى لدفع السلام فسيفعل ذلك بطريقة مغايرة".

أكثر مما توقعتم

هل سيهاجم اوباما ايران؟ سألت اينديك.

"ليس الامر مستبعدا"، قال اينديك. "حسب رأيي احتمالية اصدار اوباما لأمر بالهجوم العسكري أكبر من احتمالية قيام روماني بذلك. اوباما يعتقد بأنه صاحب رسالة: عليه ان يبلور نظاما عالميا تقوده الولايات المتحدة. وروماني لا يملك مثل هذه الطموحات".

ولكنك أقنعتني بأن لدى اوباما فجوة عميقة بين الخطاب البياني وبين الافعال، قلت لاينديك. أنت أقنعتني بأن الرأي العام الامريكي ليس مستعدا بعد عشر سنوات وحربين لأن يفتح جبهة جديدة في الشرق الاوسط.

"أنت تعقد مقارنة غير عادلة"، قال. "في المسألة الايرانية الامر لا يتعلق برؤية مجردة وانما بالسياسات. اوباما على قناعة بأن القنبلة الايرانية ستتسبب بسباق تسلح في الشرق الاوسط يؤدي الى انهيار معاهدة عدم نشر السلاح النووي. صحيح ان الرأي العام في امريكا لن يحب العملية العسكرية. لذلك سيوجه اوباما أوامره بشنها – اذا فعل – بعد الانتخابات".

نتنياهو وباراك لا يؤمنان بالمفاوضات مع ايران، قلت لاينديك.

"يجب ان يكون الرد الاسرائيلي شكاكا من دون صلة بمسألة الموافقة أو عدمها هناك"، قال. "عندما يقوم الآخرون بالتفاوض بدلا عنكم، لديكم كل الاسباب للشك بأنهم يبيعونكم.

"اذا وافق الايرانيون في نهاية المطاف على نقل اليورانيوم المخصب الى دولة اخرى وتجميد المنشأة العسكرية فان هذا سيكون أكثر مما توقعتم. لن يكون أمامكم خيار إلا الاعلان عن النصر والعودة الى بيتكم – المفاوضات مع الفلسطينيين".