خبر عبد الله الشاعر يكتب: « فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى »

الساعة 02:49 م|24 مايو 2012

فلسطين اليوم

لم أجد مؤنسا في هذا الخضم من الافتراءات لأستهل به مقال هذا العدد من أجل أن تقر به عيون كثيرين من الأحبة الذين توالت اتصالاتهم ورسائلهم منذ أمس سوى كلام الله تبارك وتعالى الذي يُتلى عبادة تجلو القلوب وتطمئنُ به الأنفس؛ فكانت هذه الآية الكريمة عنوانا لـ"مرايا" التي كتب فيها رجال عظماء بدءا من الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي إلى الأمين محمد الفاتح.. إلى الشهيد هاني عابد -رحمه الله- وغيرهم ممن لا يبتغي الأجر إلا من خالقه.

ومنذ تأسيسها في الحادي والعشرين من شهر تشرين أول/أكتوبر عام 1994م تبنت صحيفة الاستقلال نهجا إسلاميا مقاوما أصيلا يستقي تعاليمه من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة صحابته الأجلاء وسلفهم الصالح، وحددت سياستها القائمة على ترسيخ ثقافة الإعلام المقاوم لدى أبناء شعبنا، ووجهت بوصلتها نحو الاحتلال الصهيوني، وانبرت للتصدي لمؤامراته ومخططاته الهادفة للنيل من حقوقنا، وانحازت لهموم المواطن، وتبنت قضاياه، ودافعت عن حقوقه.

وإيمانا بالرسالة العظيمة والدور الذي رسمته الاستقلال لنفسها باعتبار أنها صحيفة مقاومة ارتقى سبعةٌ من طاقم العمل شهداء على طريق الحرية والكرامة بدءا بمديرها العام القائد هاني عابد (رحمه الله) الذي اغتاله "الشاباك" الصهيوني في عمليةٍ جبانة عام 1996م مرورا بالبطل عثمان الرزاينة والبطل منير مرسي والبطل ناهض كتكت والبطل مقلد حميد وانتهاءً بالفارس حسن شقورة.

ومنذ اللحظات الأولى لمسيرتنا كنا نُدرك تماما أن الطريق صعبٌ وشاق، وأن الأمانة التي ألزمنا أنفسنا بتأديتها ليست بالأمر الهين؛ فمضينا متسلحين بالإيمان والوعي لنكون سراجا يُنير لشعبنا الطريق ويوصله إلى بر الأمان، وبحمد الله تغلبنا على كل العقبات بثقة جمهورنا فينا وبما ننفذه من دورٍ وجهد.

لم تُثنِ حملات الاعتقال والتعذيب التي تعرض لها طاقم الاستقلال على يد أجهزة أمن السلطة وإغلاق الصحيفة لأكثر من عامين ونصف -على خلفية مقال سياسي- الصحيفةَ عن مواصلة مسيرتها المباركة، فواجهنا كل ذلك بمزيد من الإصرار والعزيمة والتحدي، ولم يخطر ببالنا بتاتا إثارة أي موضوعات تحرف بوصلتنا وهدفنا عن المسار الصحيح.

لقد لعبت الاستقلال منذ نشأتها دورا كبيرا في تعزيز وحدة شعبنا، وحشد طاقاته، وتوجيه أنظاره إلى العدو الصهيوني وما يرتكبه الأخير من ممارسات إجرامية بحق أطفالنا ونسائنا وشبابنا ومقدساتنا.

وتنامى هذا الدور في حقبة الانقسام المريرة وتضاعف لنزع فتيل الأزمة التي عصفت بنا وجسر هوة الخلاف، وتحقيق اللُّحمة الوطنية، وهو الأمر الذي عكسته التحقيقات والتقارير والمقالات التي بثتها الصحيفة وأسهمت في خلق رأي عام يُغلِّب لغة التفاهم والحوار للخروج من هذه الدوامة.

إننا لا نبالغ إن قلنا إن الاستقلال كانت منبرا بل منبعا يستقي منه خطباء المساجد والدعاة وحتى الساسة مفرداتٍ وحدوية وأخرى جهادية تزينت بها موادها الصحفية، ورغم كل ذلك نُقر بأن لنا أخطاءً، فمن يعمل يخطئ.

أخطاؤنا التي نتفاخر بذكرها إلى جانب محاسننا وإيجابياتنا لم تأتِ في يومٍ من الأيام -كما يروج البعض المجهول– على ذِكر صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والإساءة لهم، ونحن هنا نتساءل: لماذا يُصر هؤلاء على أن يغرقوا غزة بالفتن والشائعات وتوجيه الاتهامات جزافا؟!.

وفي هذا الصدد لا مجال لتصنيف من يروجون هذه الإشاعات إلا في خانةِ الاحتلال، وليس غريبا على "المواقع الصفراء" التي تنشر صور العري وتروج للأفكار الشاذة أن تُسارع لعرض هذه الأباطيل؛ فأصحابها إما أن يكونوا مأجورين من ذوي الثقافة المنحرفة أو ممن تربطهم علاقات أمنية وتطبيع مع العدو، وهم ذاتهم من برر من قبل ضرب غزة وحصارها.

الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) كرمهم الله من فوق سبع سماوات وزكاهم في كتابه العظيم بآيات تتلى إلى يوم الدين بما لا يدع للصغار مجالا أن يطالوا من قاماتهم العالية والرفيعة بسوء، وقد وصفهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بالنجوم التي يُهتدى بها, فهم أسمى وأطهر من أن تنالهم أقلام سوء أو تنبري مواقع هابطة للدفاع عنهم؛ وإنما تثار مثل هذه الحملات المشبوهة لإشعال الفتن، وخدمة أجندات "مخابراتية" تسعى لتشويه غزة التي تتبوأ صدارة الجهاد والمقاومة، وترقبها الأمة بعيون يملؤها الأمل بالنهوض واستعادة المقدسات السليبة.  

الاستقلال صحيفةٌ محلية تهتم بالشأن الفلسطيني، ومساحة الأخبار العربية والدولية فيها لا تتعدى صفحةً واحدة يجري اختيارها بحيث تتقاطع مع أخبار قضيتنا الأم لأن اهتمامها الأكبر يتركز على اعتبار فلسطين.. القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية جمعاء.

ونحن نسعى عبر النافذة الدينية في الصحيفة إلى الاستعانة بأقلام وآراء من مشايخ وعلماء أجلاء نعتز بهم كفضيلة مفتي غزة الشيخ الجليل عبد الكريم الكحلوت, وفضيلة الشيخ الدكتور طاهر لولو، والشيخ الدكتور عماد حمتو، والشيخ سميح حجاج، والشيخ أيمن خميس حمَّاد وغيرهم من العلماء الأفاضل المشهود لهم بالصلاح والتقوى.

الاستقلال ارتضت أن تكون لسان حال شعبنا، وحملت الشعار الخالد: (صوت فلسطين إلى الأمة وصوت الأمة إلى فلسطين)، وعليه فإن ما يعترضنا من عقبات أو محاولة للنيل من رسالتنا السامية لن يزيدنا إلا مناعةً وقوة بأن نبقى ماضين في طريقنا ونتجاوز كل الصغائر حتى لا تنحرف أنظارنا عن وجهتها.

  • صحيفة الاستقلال