خبر إذا جاء «الفلول» .. عبد الحليم قنديل

الساعة 12:35 م|21 مايو 2012

انتخابات الرئاسة المصرية الوشيكة حدث استثنائي فارق، فهي أول انتخابات تعددية حقيقية على منصب الرئاسة في الدنيا العربية كلها، والسوابق لامعنى لها، وسواء جرت من قبل في مصر أو في الجزائر أو في اليمن، وقد كانت كلها مزورة من ألفها إلى يائها.

وبعد الثورة جرى اختيار رئيس تونس من البرلمان، وليس من القاعدة الشعبية كما يجري في مصر بعد ثورتها، ولا يقاس بالطبع على الحالة اللبنانية الخاصة، فالرئيس اللبناني يجري اختياره من البرلمان أيضا، وبمواصفات طائفية محددة في الدستور اللبناني.

وبرغم تفرد التجربة المصرية الجديدة، فإن المخاوف تلاحقها، ليس من زاوية نزاهة إجراءات الانتخابات، ولا من زاوية الحماس الشعبي، فثمة توقعات منطقية أن يكون الإقبال على التصويت كبيرا، وقد يتجاوز نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل شهور، ووصلت إلى ستين بالمائة من إجمالي الناخبين المقيدين.

وقد لانبالغ إن توقعنا نسبة تصويت قد تتجاوز السبعين بالمائة، وقد لا يصح القياس على ماجرى بتصويت المصريين في الخارج، والذي دارت نسبة الإقبال فيه حول ثلث الناخبين المقيدين، مع أن المسجلين أقل من 600 ألف ناخب مفترض، ومن بين جملة المغتربين المصريين المقدر عددهم بما يزيد على سبعة ملايين، فقد كانت عمليات التسجيل معقدة، ولم تبذل السفارات المصرية أي جهد مميز، وأضافت عقبات وتكاليف جعلت التصويت غاية في الصعوبة، وجرى في حدود ضيقة جدا.

ونسبة تصويت المصريين في الخارج ليست مؤثرة بحال، فقد نكون أمام تصويت 35 مليون مصري من جملة 52 مليون ناخب مسجل في الداخل، وفي أجواء تعبئة ودعاية انتخابية أنفقت فيها مليارات الجنيهات، وحث يومي على التصويت من الفضائيات الحكومية والخاصة المرئية بكثافة، وتعهدات من المجلس العسكري الحاكم بكفالة نزاهة الانتخابات، وتحفز من كل الأطراف لنتائج التصويت في الجولة الأولى، ولاحتمالات الإعادة المرجحة في أواسط يونيو المقبل.

وبين المرشحين الثلاثة عشر، تبرز خمسة أسماء في حلبة تنافس حقيقية، بينها إثنان أقرب وألصق بمعنى وقضية الثورة، وهما المرشح الناصري حمدين صباحي، والمرشح الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح، والأسماء الثلاثة الأخرى أقرب لمعنى مختلف وربما معاكس، وسواء بطريقة ضمنية ومواربة كما في حالة مرشح قيادة الإخوان محمد مرسي، أو بطريقة مراوغة في حالة عمر موسى وزير خارجية مبارك والأمين العام السابق للجامعة العربية، أو بطريقة مستفزة متبجحة كحالة أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمبارك المخلوع، وهو يجهد في نشر انطباع بكونه مرشحا للمجلس العسكري، وإن كان الأخير ينفي صلته بأي مرشح، فيما يبدو عمرو موسى في مكانة مفضلة عند الأمريكيين الذين يراقبون الوضع المصري بدقة، وإن كان الإسرائيليون لا يستريحون إليه بالدرجة نفسها، لكنه ليس مفزعا لتل أبيب قياسا إلى مرشح الإخوان أو المرشحين الثوريين.

ودون استباق للحوادث، فإن المشكلة في نتائج الانتخابات لا إجراءاتها، فإعلان فوز أحمد شفيق لاقدر الله يعني اشتعال الثورة في مصر مجددا، فقد خلعت الثورة الأولى رئيسه حسنى مبارك، ولم يهدأ الغضب الثوري إلى أن خلع أحمد شفيق من منصب رئيس الوزراء، ووضع أحمد شفيق في الرئاسة يعني إعادة مبارك بالضبط، وقتها سوف يتحد التيار الثوري مع التيار الإخواني في ثورة جديدة، ولن يتوقف أحد وقتها عند مدى سلامة الإجراءات، بل سيعد ذلك انقلابا كامل الأوصاف على الثورة، وشيء قريب من ذلك قد يحدث في حالة فوز عمرو موسى، وإن كان بدرجة أقل خطرا، وهذا مايثير المخاوف.

فالقصة أكبر من مجرد عملية انتخابية، بل تجري في سياق ملتهب، وفي ظروف لاتخلو من اتهام سياسي معلق في رقاب جنرالات المجلس العسكري، والذين نشروا الفزع الأمني والتفزيع الاقتصادي، وأداروا عملية تكفير منظمة بالثورة، وجعلوا البلد يمشي بظهره، ولا يحقق إنجازا سليما في مسيرة المرحلة الانتقالية.

فقد جرت الانتخابات البرلمانية قبل شهور، وبإجراءات نزاهة معقولة وغير مسبوقة في مصر، وفاز فيها التيار الإسلامي بالأغلبية، لكن البرلمان المنتخب ظل على كف عفريت، فقانون الانتخابات مطعون على دستوريته , وقد كان معروفا من قبل أنه غير دستوري بالمرة، وكان ذلك نوعا من الغباوة المتعمدة، والتي تتعمد الخلل في الإجراءات لتسهيل الطعن عليها، ثم أن الإجراءات كلها موسومة بالخلل، ومن أول استفتاء اللعنة الذي أجراه المجلس العسكري في 19 مارس 2011، والذي وضع العربة أمام الحصان، وأجرى الانتخابات قبل وضع دستور جديد، وأوحى ببناء نظام جديد قبل كنس النظام القديم، وهو ماجعل الوضع السياسي في مصر غاية في ارتباكه واضطرابه، ومليئا بالريب، وداعيا إلى الخلط، ومضيعا للوقت، ومنهكا للبلد المنهك، ودون خريطة طريق أو بوصلة مرشدة، وهو مايلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية، ولا يجعلها مشهدا لختام المرحلة الانتقالية التي لم ينجز منها شيء، ويسري بالخلل إلى وضع الرئيس في بيئة مضطربة.

خاصة إذا جاء من فئة 'الفلول' باللغة السياسية الدارجة، فمجيء رئيس من هذا النوع لن يعني استقرارا ولا اتجاها إلى استقرار، بل يعني أن البلد سوف تعيد الثورة والمرحلة الانتقالية، وأن المجلس العسكري قد يغادر المشهد الأمامي , ويسلم السلطة شكليا، ولكن دون اعتراف كامل بالسلطة الجديدة، خصوصا مع توالي وتفاقم مظاهر غضب اجتماعي منذر، وضيق شعبي بعبث الفئات السياسية الإسلامية المتسيدة، والتي لم تثبت وجود فروق جوهرية تميزها عن جماعة مبارك، وتقضى وقتها في عبث برلماني يبدو عقيما، ولا يتصرف بروح الثورة ولا بروح الدولة.

وقد لاتكون عملية تأمين الانتخابات الرئاسية مشكلة في مصر، فقد أثبت المجلس العسكري حين يريد مقدرة هائلة على ضمان أمن العملية الانتخابية، وإن كنا نتخوف مما قد يجري أمنيا بعد إعلان النتائج، وخصوصا إن أسفرت عن فوز رئيس 'فلولي'، فلا أحد يضمن وقتها أمنا لأحد، ولن يكون المجلس العسكري وقتها قادرا على حماية رئيسه ' الفلولي'، فتكاليف الدم لها حدود في مصر، والجيش المصري بتقاليده الوطنية لن يقبل التورط في صدام دموي واسع ومكشوف مع الناس، وربما تذهب نتائج الانتخابات في خبر كان.