خبر ما حكَّ جسمَك مثل ظفرك..علي عقلة عرسان

الساعة 04:48 م|18 مايو 2012

أول ما تبادر إلى ذهني، عندما أعلن عن الوزارة الفرنسية الجديدة، بعد فوز فرانسوا هولاند بالرئاسة الفرنسية، هو قانون غايسو ـ فابيوس، وذلك عندما سمعت اسم لوران فابيوس Laurent fabius وزيراً للخارجية، وفابيوس تولى عدة مناصب منها رئاسة الوزارة الفرنسية عام 1984 وكان في السابعة والثلاثين من عمره آنذاك، وتولى رئاسة الجمعية الوطنية الفرنسية مرتين، وقد أصبح الآن وزيراً للخارجية بعد ألان جوبيه A.JUPPEE، وفي ذاكرتي سوء ذلك القانون، بل العار الكامن وراء صدوره في بلدان تنادي بحرية الفكر والرأي والديمقراطية و.. إلخ.. وقانون فابيوس ـ غايسو هو قانون فرنسي صدر في باريس 13 حزيران 1990، في أثناء رئاسة فابيوس للجمعية الوطنية الفرنسية في المدة 21 حزيران 1988 إلى 23 يناير 1992 وبتواطؤ مع نائب عضو في الجمعية الوطنية قدَّمه، وهو لوران قايسو وصدر خلال 24 ساعة من تقديمه.

 وهو قانون أدخل تعديلاً على قانون حرية الصحافة الفرنسية الصادر عام 1981 يحرِّم تصحيح الوقائع وتقديم الحقائق فيما يتعلق بمذابح اليهود بوصفها جرائم ضد الإنسانية، ونص المادة التي حملت الرقم 24 هو:" يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة السادسة من المادة24 الذين يرتكبون جريمة او عدة جرائم ضد الانسانية، وفق ما حددتها المادة السادسة من نظام المحكمة العسكرية الدولية، الملحق باتفاقية لندن في 8 آب 1945" أي بالاتفاقية التي تخص محكمة نورنمبرغ... وبذا يصادر التعديل حرية التفكير والتعبير والبحث العلمي وإعادة النظر في معطيات تاريخية أو حقائق  تعرض في ضوء ضوء العقل والمنطق والمنهج العلمي المنهجي والبحث الموضوعي النزيه في موضوع واحد محرم تحريماً باتاً هو مقاربة " المحرقة اليهودية "الهولوكوست" لتبقى الدجاجة التي تبيض ذهاباً ، وإحدى الأساطير المكونة للصهيونية وإسرائيل العنصرية حسب روجيه غارودي.. ففابيوس المولود في 20 آب/ أغسطس 1946 هو ـ ابن أندريه فابيوس تاجر القطع والتحف القديمة، ولويز مورتيمر الأميركية، هو من عائلة يهودية أشكينازية، أصبح كاثوليكياً، متزوج مطلِّق وله ولدان. وقد حصل فابيوس على شهادة "الأغريغاسيون" في الآداب، كما درس العلوم السياسية، وله ستة كتب، وكتبت حوله ستة كتب أيضاً.. ولكن لا أعرف السبب الذي جعله يجمع في اهتمامه بين الكاتب الناقد ذي المرح الأسود، إن صح التعبير، فرانسوا رابليه  François Rabelais  الذي درسه وكارلا بروني ـ على ذمة الصحافة الفرنسية في شان الأخيرة ـ مع الفارق الكبير بينهما؟!. ولوران فابيوس، ذو الأصول اليهودية، هو الذي كان وراء إصدار ذلك القانون السيئ السمعة بتعاون خفي مع قوة صهيونية ضاغطة هي منظمة " بناي بريت" اليهودية ـ الأميركية، أي أبناء العهد أو أبناء الهيكل"، وهم من الشباب اليهودي الأشد تطرفاً في العنصرية الصهيونية وأحلامها وتطلعاتها من سواهم من المنخرطين في المنظمات الإرهابية الصهيونية. وقانون غايسوــ فابيوس، مثل عدة قوانين على شاكلته في بعض الدول الأوربية لا سيما في ألمانيا وسويسرا، يعرض للعقوبة كل من يناقش أو يبحث في موضوع المحرقة اليهودية " الهولوكوست" وما يتفرع عنها أو يتصل بها كما أسلفت، وهو القانون الذي حوكم بموجبه المفكر الفرنسي الكبير روجيه غارودي صاحب كتب كثيرة منها كتابه "الأساطير المؤسسة للصهيونية" وهو كتاب تم ادراجه في سياق الاطروحات الناكرة لحجم الإبادة التي لقيها اليهود في المعسكرات النازية، وقد حكم على غارودي بسبب آرائه بموجب ذلك القانون، ولوحق وشوهت صورته وسمعته، وقد طال الأب الفرنسي المحترم بيير " هنري غرويس ـ اسمه قبل انخراطه في سلك الرهبنة" الذي توفي في يناير 2007 طال ذلك المحترم ما ناله من الحركة الصهيونية بسبب هذا القانون،" ففي عام 1996 أرسل رسالة تضامن مع صديقه المفكر روجيه غارودي في الحملة التي تعرّض لها بعد صدور كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية»، وذهب الأب بيير إلى أبعد من ذلك حين قال: "إنه يرى الضحايا اليهود وقد تحولوا الى جلادين". ولم يشفع لهذا الأب عمله الإنساني وكونه عضواً في مؤسسات وجمعيات يهودية تدين العداء للسامية.. وكما لم يشفع لغارودي فكره ولا تاريخه لم يشفع للأب بيير كونه، كما كان يقول عنه الشعب الفرنسي، " ضمير فرنسا" وقد كرس بعض حقائقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك حين نعاه بقوله: «إن فرنسا كلها اصيبت في قلبها بعد أن «فقدت شخصية هائلة، وضميراً، وتجسيداً للمروءة."، لقد نال الأب بيير بعض ما نال صديقه المفكر غارودي بسبب ذلك كله، فالصهيونية لا ترحم من يستعمل العقل والمنطق والعلم لدحض أكاذيبها وتفنيد ادعاءاتها وبيان مسؤوليتها عن جرائم ارتكبتها، ولا يوجد مقدس أو محترم لديها حين يتعلق الأمر بالغوييم " الآخرين من غير اليهود"، وبالعنصرية المزمنة وابتزاز العالم بأي طريقة كانت.. ومن يسن قوانين ضد حرية التفكير والبحث العلمي والمراجعة التاريخية على أسس منهجية ويقيم محرمات ليحمي العنصرية لا يتورع بتقديري عن اتخاذ مواقف عنصرية، أو تفسر بموضوعية على أنها عنصرية.!!

سقت هذا الذي دهمني وخرج من ذاكرتي ليفرض نفسه علي، وأنا في خضم أحداث داخلية لها أبعاد ومنعكسات وتفاعلات خارجية، وفيها لا عبون كثر، حيث غدت لعبة أمم على نحو ما، ولهذه القوة أو تلك مصلحة أو علاقة أو استراتيجية تخدمها من خلال الانخراط في الأزمة ـ الحدث بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وربما إلح علي ذلك بسبب، أو على الأرجح بتأثير، قول من قال واستبشار من استبشر، بأن فرنسا هولاند ستكون غير فرنسا ساركوزي، بعد أن خرج ساركوزي وجوبيه من حلبة الفعل السياسي النافذن أي من ساحة القرار، في فرنسا ومجلس الأمن والمجموعة المسماة أصدقاء سورية والمنطقة التي نكتوي بنيران من داخلها ومن خارجها، ومنهم من يسعى إلى التسليح والتدخل العسكري وإقامة المناطق الآمنة والعازلة تحت مسميات إنسانية أو غير ذلك من التسميات والمسميات.. بغطاء من مجلس الأمن.

 فإلى الذين أظهروا تفاؤلاً أو حتى "بهجة" بمغادرة ألان جوبيه Alain Juppé من وزارة الخارجية الفرنسية، وهو شخص له مواقف تلخص موقف فرنسا المعلن من الأزمة في سورية ويحمل ما يبدو حقداً عليها، ولا يختلف موقفه عن موقف رئيسه ساركوزي، وكان يدعو إلى تدخل عسكري من طريق ممرات آمنة وما شابه ذلك.. في أعمال تنسيق مع تركيا قبل أن تحترق الطبخة المشتركة بينهما بسبب موضوع القانون الخاص بالأرمن. إلى أولئك أقول لا تبتهجوا فالانتقال من جوبيه إلى فابيوس يشبه الانتقال من الدلف إلى تحت المزراب.. فمواقف هولاند من الأزمة السورية لا تختلف كثيراً عن موقف ساركوزي منها، وموقف فابيوس لا يختلف عن موقف جوبيه كثيراً في هذا الصدد عدا تأييده للتدخل بقرار من مجلس الأمن، والتصريحات التي صدرت في أثناء الحملة الانتخابية لا تقل في مضمونها ودلالاتها ومراميها وأهدافها عن تلك التي أتت بعد تسلّم فريق هولاند وحزبه مهام الحكم، على قصر المدة التي مضت وهي قصيرة جداً، لكنها لاتنفصل عن فحوى البرنامج الانتخابي الذي بدا أن فرنسوا هولاند ملتزم بتنفيذه.

لن للأزمة الطاحنة التي نعاني منها ذات أبعاد دولية وإقليمية وداخلية، وذات شعب وطنية وقومية، عربية وإسلامية، طائفية ومذهبية، ثقافية ومعرفية، اجتماعية واقتصادية.. ولكل شعبة من تلك الشعب ملفاتها التي تحتاج إلى فتح وقراءة وحلول وجرأة في المواجهة والطرح، ومواجهة للذات والآخر بكلمة الحق والموقف العدل والانتماء الصحيح الصريح للوطن والأمة.. ليس لنا معدى عن بعضنا بعضاً لنجد حلاً لأزمة تتصل بعيشنا وأمننا ومجتمعنا ووطننا وحريتنا وكرامتنا وعقيدتنا..إلخ، وليس لنا في ذلك إلا أنفسنا قبل غيرنا، وليس لنا إلا إخلاص النية والتوجه نحو الثقة وأن نصدر في فكرنا وحراكنا السياسي والاجتماعي وسياساتنا عن حرص على الحق والشعب والوطن، والحرص على العلاقة التي لا بد أن تربطنا بعضنا ببعض في أسرة هي المجتمع في هذا البلد المصاب الاحتلال الاستيطاني الصهيوني وتحالفاته، وبأعداء الأمتين العربية والإسلامية وبرامجهما، واستراتيجاتهم، وبجهل وجاهلية وتعصب لدى بعض الأشخاص والأطراف تحاول أن تملي مثلاً له على الآخرين الأمر الذي يدخل الجميع في الفتنة ودوامة الحروب أو الصراعات الدامية، وكلها صراعات تريح العدو وتبقى في تضاد مع الصراع الرئيس الذي يجب أن نتوجه نحوه ونخوضه بقوة وعلم وعزم، وهو الصراع مع العدو المحتل من أجل التحرير أساس الحرية، حرية الوطن والمو\ن، والصراع من أجل التقدم الصحيح، والمواطنة السليمة، ووالعلاقة بين حاكم يؤتمن على شعب وقضية ووطن ويحاسب على ذلك، وشعب يتحد ويعمل ويحاسب ويحفظ حقه وكرامته وشروط عيش تليق بإنسانيته.. وكل ذلك يحتاج إلى الوعي وثقافة تصنع الوعي، ومساواة بين الناس تقيم قوام الناس ولا تلغي بالخوف أو بانتهازية أو بالفساد والتبعية أو بغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره، لا تلغي الشخص ولا الشخصية ولا الكرامة ولا الشعب ولا حكم القانون الذي ينبغي أن يخضع له الجميع ولا رأس فوق القانون. وما حك جسمك مثل ظفرك.