خبر بغداد، محطة أخيرة .. هآرتس

الساعة 09:14 ص|18 مايو 2012

بقلم: عاموس هرئيل

 

(المضمون: بينما يتحدث الامريكيون عن خيار عسكري وحظر النفط الاوروبي يوشك على الدخول الى حيز التنفيذ يبدو أن المحادثات الاسبوع القادم في بغداد هي الفرصة الاخيرة لايران كي تقرر اذا في مصير برنامجها النووي. الاسد قد يشارك في حرب ايران الصاروخية ردا على الهجوم عليها لاعتباراته الداخلية – المصدر).

 

مخزونات الكليشيهات استنفدت حتى النهاية. الكثير من المرات وصفت جولات المحادثات بين الاسرة الدولية وايران في مسألة برنامجها النووي كأنها المحطو الاخيرة، الحرجة، اللقاء الذي لا عودة منه، وفي كل مرة يتبين بان الجولة المصيرية انتهت بعدم اتفاق، اعد الارض لجولة اخرى محملة بالمصير. ولا يزال، جولة المحادثات القريبة بين الايرانيين والقوى العظمى الستة التي ستبدأ في بغداد يوم الاربعاء القادم، جديرة بالاهتمام.

 

عندما يتحدث الرئيس الامريكي براك اوما عن "نافذة زمنية ضيقة" تبقت للحل الدبلوماسي، وعندما يكرر موظفون امريكيون ذكر الخيار العسكري وعندما يوشك حظر النفط الكامل الذي فرضه الاتحاد الاوروبي على طهران على ان يدخل حيز التنفيذ بعد شهر ونصف فقط – يخيل أنه يوجد هنا ركام كافٍ من المؤشرات على أن هذا سيكون لقاءا ذا مغزى. في موعد ما بين المحادثات في بغداد والانتخابات للرئاسة

 

الامريكية في تشرين الثاني، سيتضح اذا كانت وجهة القيادة الايرانية نحو الحل الوسط أم انها مستعدة لان تخاطر بمواجهة مباشرة على الا تعتبر داخليا كمن استسلمت للضغط الامريكي.

 

التغطية الاعلامية في العالم، ولا سيما في اسرائيل، تميل الى ابراز أفعال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد. فصورته العاصفة واستفزازاته المتواترة تركز الاهتمام عليه. ولكن مستقبل البرنامج النووي، في بؤبؤ عين النظام، سيحسمه شخص آخر: الزعيم الروحي آيات الله علي خمينئي. بعض من الخبراء في الشؤون الايرانية يقدرون بانه لو كانت الامور منوطة باحمدي نجاد، لتوصلت ايران الى حل وسط وأنه في المجال النووي خمينئي هو الذي يملي الخط المتصلب.

 

مهدي حلجي، باحث من مواليد ايران من معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط يعتبر في نظر مسؤولين كبار في الاستخبارات الاسرائيلية محللا لامعا للحكم الايراني. في مقال نشره هذا الاسبوع في موقع المعهد على الانترنت ادعى حلجي بان النظام في طهران يعد بالتدريج الجمهور لاتفاق يتضن تنازلات ذات مغزى من جهته. فهذا برأيه التفسير لمساعي النظام عرض جولة المباحثات السابقة في اسطنبول في نيسان كانتصار كبير لمواقفها. فمهمة للايرانيين، كما يدعي حلجي، صورتهم بقدر لا يقل عن مصير النووي.

 

نجاح القوى العظمى في بغداد منوط بقدرتها على اجراء مفاوضات جدية وفي نفس الوقت تشديد الضغط على ايران. فقط مقابل تعهد طهران بالتوقف عن التطوير لاغراض عسكرية، الى جانب شفافية كاملة وامكانية فرض القانون، سيكون ممكنا رفع العقوبات بالتدريج. ويدعي حلجي بان الزعيم الروحي يفهم بانه وقعت في يده الفرصة الاخيرة لانقاذ الاقتصاد الايراني من الضرر الشديد للعقوبات، ولكنه يترد في عقد الصفقة خشية المس بمكانته في الداخل، المبنية بقدر كبير على تقدم البرنامج النووي. ويشرح بان ليس لخمينئي صلاحيات وكارزما بمستوى سلفه الخميني، وهو يخشى من ان وقف البرنامج سيؤدي في المستقبل الى انهيار النظام ايضا. ويقدر حلجي بان خميئي كفيل حتى بان يطالب بضمانات، كجزء من الاتفاق، الا يحاول الغرب اسقاط النظام.

 

هذا الاسبوع حاضر في مركز القدس للشؤون العامة والسياسية رئيس حكومة اسبانيا السابق خوسيه ماريا اسنار. وروى أسنار عن لقاءات عقدها مع القيادات الايرانية في العقد الماضي بما فيها لقاء نادر مع خمينئي نفسه في طهران في العام 2000. وقال ان خمينئي وصف في ذاك اللقاء المواجهة مع الغرب ومع اسرائيل بانه محتم. فاسرائيل، قال الزعيم الايراني لضيفه، يجب أن تشطب عن الخريطة.

 

في اللقاء شدد خمينئي على رغبته في أن تصبح ايران قوة عظمى وعلى الحاجة الى تحقيق ذلك من خلال تطوير العلم والتكنولوجيا لديها. ويدعي أسنار بان "القدرة النووية هي أثر مباشر للخطاب القومي الذي سمعته من خمينئي في لقائنا. العلم يستخدم في خدمة الرؤيا النووية. الجدال اذا كانت ايران تريد الحصول على قنبلة ام فقط الوصول الى المعرفة التكنولوجية اللازمة لانتاجها سخيف في نظري. اذا كان احد ما

 

يستثمر ملايين عديدة في بناء مجموعة تنافس في سباقات السيارات فورمولا 1، يجب ان يكون غبيا كي يفكر بانه يفعل ذلك فقط كي يفحص قدرته".

 

مشكلة جبهة داخلية

 

في الاسبوع الذي تغير فيه قادة سلاح الجو في اسرائيل، شددوا في الجيش وفي وسائل الاعلام على قدرة السلاح الهجومية. رئيس الاركان، بيني غانتس انجرف قليلا وبشكل غير مميز له اعلن احتفاليا عند تعيين اللواء امير ايشل بان تحت تصرف اسرائيل "سلاح الجو الافضل في العالم". القائد المنصرف، اللواء عيدو نحوشتان، اعد على نحو أربع سنوات سلاح الجو لامكانية هجوم على مواقع النووي في ايران. والمح المحللون بنصف ابتسامة من يعرف كل شيء بان ايشل قد يكون مطالبا باستخدامه.

 

من الصعب التقليل من أهمية سلاح الجو لامن الدولة. الصحفي ايتان هابر، وصف السلاح منذ زمن غير بعيد وعن حق بانه السند الامني الاهم للقيادة الاسرائيلية وادعى بان على القادة ان يصلوا كل صباح الا يعطس او يصاب بالرشح قائد السلاح وان يبقى راضيا. ولكن التركيز فقط على الجانب الهجومي لسلاح الجو يفوت التعقيدات التي في الصورة. فليس فقط الهجوم في ايران يختلف جوهريا عن تدمير المفاعل النووي في العراق أو في سوريا – من حيث المسافة عن الهدف، عدد الاهداف، نوعية التحصين، بل ثمة احتمال لا بأس به بان يجر هذا اسرائيل الى مواجهة عسكرية واسعة، لا يعرف حجمها مسبقا. في مثل هذه الحالة سيكون مطلوبا من سلاح الجو اضافة الى مهمات الهجوم الصعبة بحد ذاتها، بسط قدرته على مدى الزمن في جملة عديدة من المهامات، على جبهات مختلفة.

 

اذا ما تحقق السيناريو الذي ترد فيه ايران، فضلا عن نار الصواريخ من اراضيها، بربط حزب الله من لبنان وعلى الاقل منظمة الجهاد الاسلامي من قطاع غزة لاطلاق الصواريخ، سيتعين على اسرائيل التصدي لحجم ناري غير مسبوق على الجبهة الداخلية من عدة جبهات. وسيعنى سلاح الجو في مثل هذه الحالة ليس فقط في مطاردة مطلقي الصواريخ وضرب أهداف البنى التحتية الاستراتيجية، بل وايضا بمساعدة قريبة للقوات البرية (التي حسب تصريحات قيادة الجيش الاسرائيلي في السنوات الاخيرة سترسل الى اراضي العدو كي تنفذ خطوة برية) وبازالة تهديد بطاريات صواريخ ارض – جو.

 

كل هذا سيحصل على ما يبدو ايضا دون أن تدخل سوريا في المواجهة. ميل بعض من مؤيدي الهجوم في ايران في أوساط القيادة الاسرائيلية، استبعاد امكانية انخراط سوريا في الرد الايراني ليس مفهوما. لا ريب أن للرئيس بشار الاسد مشاكل عويصة في الداخل. ولكن هل يمكن أن نقرر بيقين بانه لن يرى في الصدام بين طهران والقدس فرصة لصرف جدول الاعمال الاقليمي عن المذبحة التي يواصل اجراءها ضد أبناء شعبه؟

 

نحوشتان وايشل على علم بكل هذه الامكانيات ويفهمان ايضا بان لاول مرة سيضطر سلاح الجو، في حالة الحرب الى تكريس قسم لا بأس به من اهتمامه لمهمات الدفاع. في عهد نحوشتان رفع مستوى

 

منظومة مضادات الطائرات في السلاح الى منظومة الدفاع الجوي، التي أهم مهماتها اعتراض الصواريخ من خلال منظومات "قبة حديدية" و "حيتس" (وفي المستقبل ايضا "عصا سحرية" و "حيتس 3". قيادة السلاح، التي عبرت في الماضي عن امتناع شبه غريزي عن الانشغال في الدفاع، غيرت موقفها وتتعاطى مع ذلك بحماسة. الاتفاق الذي للتوقيع عليه سافر هذا الاسبوع الى واشنطن وزير الدفاع ايهود باراك سيضمن هدية امريكية بمليار دولار آخر لشراء منظومات الاعتراض.

 

للتسلح النشيط والواسع هذا يجب أن تضاف ملاحظتا تحفظ: الاولى، ان وتيرة تأهيل طواقم البطاريات ووتيرة انتاج المنظومات نفسها لا تزال بعيدة عن الاغلاق الفوري للثغرات في الانتشار العملياتي. والثانية، هي أنه خارج جهاز الامن توجد شكوك لا بأس بها في قدرة المنظومات على توفير دفاع ناجع في سيناريو تطلق فيه الى الجبهة الداخلية الاف الصواريخ كل يوم.

 

سلاح الجو مطالب ايضا في السنوات الاخيرة بتحسين مستوى قدرته على التصدي لتهديد مزدوج: صواريخ أرض – جو واطلاق صواريخ أرض – أرض وصواريخ على قواعده. منذ ثلاثة عقود على الاقل تعمل اسرائيل تحت الفرضية الاساس بانه سيضمن لها تفوق جوي في التصدي للعدو. ولكن الفجوة في صالح سلاح الجو ليست مسلم بها جدا منذ سنتين مع دخول منظومات صواريخ ارض – جو حديثة ومتطورة لقسم من الدول المجاورة.

 

اضافة الى ذلك، واضح أنه في زمن الحرب سيبذل الطرف الاخر افضل ما يستطيع لشل الاقلاعات من قواعد سلاح الجو بواسطة نار الصواريخ، وقد برزت مؤشرات اولى على ذلك ولا سيما في حملة رصاص مصبوب، وفي الجولات القتالية في غزة بعدها. عندما تباهى الامين العام لحزب الله حسن نصرالله قبل اسبوع بالسلاح الدقيق الذي بحوزة منظمته، قصد على ما يبدو ايضا قدرة حزب الله على اطلاق صواريخ ام 600 زودتها به سوريا نحو أهداف محددة مثل قواعد سلاح الجو.

 

نحوشتان غير المفهوم في هذا السياق، من "امتصاص" الى "تواصل ادائي"، مما معناه قدرة تصدي الطواقم الفنية في القواعد ايضا لوضع توجد فيه مسارات الاقلاع تحت ضجيج شبه متواصل في زمن القتال. سلاح الجو يتدرب على ذلك منذ عدة سنوات. ويمكن الامل، استنادا الى تجربة الماضي، بان التفوق سيبقى له. ومع ذلك، يدور الحديث عن تحدٍ جديد وغير معروف نسبيا من المعقد التقدير مسبقا مدى الصعوبة الكامنة فيه. لباراك يوجد خطاب شبه عادي في السنوات الاخيرة في السياق الايراني. في البداية جاء القول ان اسرائيل هي الدولة الاقوى في المنطقة، "من طرابلس في ليبيا وحتى طهران"، بعدها بضع كلمات عن قوة التحديات التي أمامنا وفي نهايتها الاعراب عن الثقة بقدرة الجيش الاسرائيلي وأذرع الامن الاخرى للوقوف امامها.

 

ما يكاد لا يفعله باراك وشريكه الكبير، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هو التناول التفصيلي للاثار على الجبهة الداخلية، والتي من شأنها أن تكون لمعركة اسرائيلية مبادر اليها في ايران. فلا يدور الحديث فقط عن

 

المناورات المتواترة التي تجريها وزارة الدفاع عن الجبهة الداخلية أو التحسن الكبير في عمل السلطات المحلية في هذا المجال، منذ المهزلة في الجبهة الداخلية في اثناء حرب لبنان الثانية. يخيل أنه لدى معظم الجمهور، طبيعة الحرب التالية، اذا ما نشبت ليست بعد مفهومة تماما.

 

تهديد كيماوي

 

اللواء احتياط يشاي بار، الذي أنهى مؤخرا القيادة على الفيلق الاركاني المسؤول عن الاستعدادات للقتال في لبنان، قال الاسبوع الماضي لـ هآرتس" ان "رئيس شعبة الاستخبارات تحدث مؤخرا عن نحو 200 الف صاروخ ومقذوفة صاروخية موجهة الى الجبهة الداخلية الاسرائيلية. أنا أسمع وزير حماية الجبهة الداخلية يقول بالقطع انه توجد اخفاقات وثغرات في استعدادات الجبهة الداخلية. هذا الاخفاق موضوع في بوابة من؟ لست خبيرا كبيرا في الجبهة الداخلية. ولكن اذا كان هذا تهديدا حقيقيا، فتفضلوا استعدوا له بناء على ذلك. اذا كانت القيادة السياسية تقول ان الجبهة الداخلية تحت التهديد، فعليها أن تمول عناصر الرد المعقول في نظرها".

 

ادعاء بار ذو صلة ليس فقط في المسألة الايرانية. في عدة مناسبات في السنة الماضية قيل انهم في الغرب يخشون على مصير مخزونات السلاح الكيماوي الهائلة لدى الجيش السوري. فهذه يمكنها أن تقع في ايدي الحركات السنية المتطرفة التي تعارض النظام وتتأثر بالايديولويا الاجرامية للقاعدة او تنتقل الى حزب الله. في الحوار غير المباشر الذي يجري بين القدس ودمشق على مدى السنين، كان واضحا للسوريين بان استخدام السلاح الكيماوي سيجر ردا اسرائيليا حادا للغاية، يكاد يكون وكأنها هوجمت بسلاح نووي، مع ان الفارق بين الضرر الكامن في النوعين من السلاح هائل في حجمه.

 

هل ذات القدر من الردع سيكون أيضا ضد منظمة ارهابية متطرفة، سنية كانت ام شيعية، ذات اعتبارات مختلفة؟ بعد الصافرة الوهمية لحرب الخليج الاولى، والتي امتنع العراق فيها عن استخدام السلاح الكيماوي، يتعامل الاسرائيلي العادي مع كمامات السلاح الكيماوي كشبه نكتة.

 

مشروع اعادة توزيع كمامات الغاز على المواطنين يجري بكسل، ولا سيما بسبب قيود الميزانية. حتى الان وزعت الكمامات على نحو 55 في المائة من المواطنين، ولكن بمراعاة امكانية التغيير الجذري في الميزان في الشمال، فيما يتعلق بالسلاح الكيماوي يخيل أنه توجد هنا نقطة عمى هامة من جانب القادة.

 

تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية بالنسبة للوضع في سوريا تتحدث كل الوقت، وتتميز كل يوم بقدر أكبر من التواضع مقارنة مع التوقعات القاطعة عن سقوط الاسد التي انطلقت قبل بضعة اشهر. آخر التحليلات تعتقد بانه رغم النزف الشديد الذي يعاني منه النظام، لم تتراكم بعد الكتلة الحرجة التي تؤدي الى سقوطه.

 

الصعوبة الاساس للمعارضة تكمن في احتشاد الجهد في المدن الكبرى، دمشق وحلب. في كلتيهما، رغم المظاهرات، تبقى سيطرة النظام. وبينما بدأ سقوط النظام في مصر في قلب الدولة، في ميدان التحرير

 

في القاهرة، في سوريا الثورة تتقدم من الاطراف الى الوسط وليس بالوتيرة التي أمل بها الغرب. الأسد بقي في الصورة. في حالة حرب اقليمية كفيل بان يفكر بالانضمام الى الايرانيين، وفقا لمصلحته في ذاك الوقت.